النقابات تتجاوز تأثير الأحزاب في الشارع السوداني

"تجمع المهنيين" يعتبر فاعلا رئيسيا في الاحتجاجات التي يعرفها السودان منذ قرابة الأسبوعين والتي تطالب برحيل نظام الرئيس عمر حسن البشير، ويرى مراقبون أن سطوع نجم التجمع النقابي يعود إلى تراجع الثقة في الأحزاب وحاجة الشارع إلى من يقود هذا الحراك.
الخرطوم - برز تجمع المهنيين، وهو عبارة عن تحالف نقابي جامع للهياكل القطاعية، في الاحتجاجات التي يشهدها السودان منذ أيام، والتي تحولت مطالبها من اجتماعية تدعو إلى تحسين الوضع الاقتصادي المتدهور ووضع حد لارتفاع الأسعار، إلى سياسية تطالب برحيل نظام الرئيس عمر حسن البشير.
وتلقى دعوات تجمع المهنيين للاحتجاج صدى واسعا لدى السودانيين التواقين إلى تغيير في البلاد ينتشلهم من حالة التهميش وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن يئسوا من إمكانية أن تعالج السلطة الحاكمة هذه الأوضاع، فضلا عن ممارستها لسياسة التضييق على الحريات.
ويتجه هذا التجمع الذي يضم في صفوفه أطباء ومحامين ومعلمين إلى تصعيد التحركات الاحتجاجية، حد التلويح بالإضراب العام، في محاولة للضغط على نظام البشير، الذي يقول منتقدوه إنه يواصل الهروب إلى الأمام من خلال البحث عن شماعات لتحميلها مسؤولية التطورات الأخيرة.
ويعتبر البشير أن ما يحصل هو مؤامرة تستهدف السودان، واصفا المحتجين بالخونة والمخربين، وكان آخر تصريح له في هذا الصدد الأحد حيث قال الرئيس السوداني في خطاب ألقاه في “دار الشرطة” بحي بري في العاصمة الخرطوم “سنخرج من الأزمة رغم أنف كل الذين يحاربون السودان من خلالها”.
وشدد البشير على أن “الأمن سلعة غالية ولن نفرّط في أمن المواطن والمنشآت والهدف ليس قتل المواطنين”، وأكد على أن “التخريب والتدمير والنهب والسرقة تعميق للأزمة”.
وأضاف “لا نريد لبلادنا أن تنزلق كما حدث في بلدان أخرى، ولن نسمح بأن يكون شعبنا لاجئين ونازحين، ولو حدث ذلك إلى أين سنذهب، انظروا للمنطقة حولنا”، في إشارة تحذيرية من مصير سوريا وليبيا وغيرهما من الدول التي سعت للإطاحة بنظامها القائم إلا أنها دخلت في متاهات من الفوضى والتقتيل.
وفي اللقاء ذاته قال وزير الداخلية، أحمد بلال، “الطريق الوحيد للتداول على السلطة ليس التظاهر وإنما الانتخابات، ولا سبيل للفوضى”، وأن الوزارة تقف بالكامل مع البشير ولن تسمح “للذين يحاولون استغلال الظروف لزعزعة الأمن”.
من جهته اعتبر مدير عام الشرطة، الفريق أول، الطيب بابكر أن “ما يجري في الأحداث تخريب وتدمير للممتلكات”. وشدد على أن التغيير عبر الانتخابات وليس بشيء غيرها.
ويرى متابعون أن نهج البشير والمحيطين به في عدم الاعتراف بالمسؤولية عن الأزمة الاقتصادية ومحاولة إلقائها على قوى داخلية وخارجية من شأنه أن يؤجج غضب الشارع بدل تهدئته، ويدفعه إلى الالتفاف حول مطالب القوى الحية وفي مقدمتها تجمع المهنيين، الذي يستعد الاثنين لجولة جديدة من الاحتجاجات، تتوافق مع ذكرى استقلال البلاد عن الاحتلال البريطاني.
وقال التجمع في بيان له في وقت سابق “بعد المعارك السلمية الباسلة التي خاضها الشعب السوداني في مدن السودان المختلفة، وبعد أن اقتربنا خطوات من هدفنا القاضي بإسقاط النظام والترتيب لتحول ديمقراطي ننعم فيه بالحرية والحقوق، ها نحن مرة أخرى سنخرج للشوارع في الخرطوم يوم الاثنين 31 ديسمبر، الساعة الواحدة ظهراً ونحن نستقبل ذكرى الاستقلال المجيد، ندعوكم جميعاً إلى موكب جديد سنتحرك فيه من صينية القندول بقلب الخرطوم، في اتجاه القصر الجمهوري، في جولة أخرى نؤكد فيها على مطلبنا الآني والذي لا يقبل التراجع، بتنحي البشير وزوال نظامه الغاصب”.
ودعا التجمع في بيانه “المواطنين جميعاً إلى جعل هذا اليوم الخاص بالاستقلال ورأس السنة الميلادية يوماً وليلة خالصيْن للتظاهر والاحتجاج وحتى صباح السنة الميلادية الجديدة”. وسبق أن نظم تجمع المهنيين مسيرة الأحد الماضي، نحو القصر الجمهوري شارك فيها المئات من السودانيين لتسليم رسالة للبشير تدعوه إلى التنحي عن السلطة القابض عليها منذ العام 1989، بيد أن هذه المسيرة “السلمية” سرعان ما تصدت لها القوى الأمنية بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع الأمر الذي أدى إلى إصابة مواطنين واعتقال العشرات.
ويرى متابعون أن تجمع المهنيين عنصر فاعل بقوة في الحراك السوداني، في ظل تراجع شعبية قوى المعارضة السياسية، رغم محاولات الأخيرة التأكيد على أنها لا تزال فاعلة بقوة في المشهد السوداني.
ويعزو المتابعون التغير في طبيعة الفاعلين إلى ضعف الثقة بالكيانات السياسية الأخرى، خاصة في ظل ما يروج في الأشهر الأخيرة من صفقات سياسية جارية بين أقطابها (حزب الأمة القومي مثالا) والنظام.
ويشير هؤلاء إلى أن تراجع الأحزاب السياسية في مقابل بروز النقابات ليس محصورا فقط في السودان بل أيضا يظهر بشكل جلي في دول أخرى ومنها تونس حيث يلعب الاتحاد العام التونسي للشغل دورا رئيسيا في المشهد منذ انطلاقة الاحتجاجات التي أسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي في العام 2011 ويتواصل دوره إلى اليوم حيث يشكل نقطة توازن في النظام القائم الذي تسيطر عليه حركة النهضة الإسلامية.
ويلفت المراقبون إلى الدور الهام للنقابات في الحراك الذي شهده الأردن في مايو احتجاجا على قانون الضريبة على الدخل والذي انتهى بإسقاط حكومة هاني الملقي وتشكيل أخرى برئاسة عمر الرزاز لم تختلف كثيرا عن نهج سابقتها ما أدى إلى عودة الحراك في الأسابيع الأخيرة.
ورغم أن النقابات في الأردن لم تعلن بشكل صريح دعمها للحراك الأخير الذي انطلق منذ نحو شهر فإن قواعدها فاعلة فيه بقوة.
ويعتبر محللون أن سطوع نجم النقابات في السودان كما في غيره من الدول لا يعني نهاية المعارضة السياسية، لأن النقابات نفسها تشكل إطارا جامعا لقوى المعارضة من مختلف مشاربها السياسية.