النقابات المهنية تكسر الجمود السياسي في مصر

تحركات للأطباء والصحافيين والمهندسين تشغل الحكومة.
الجمعة 2025/01/17
نقابة الصحافيين تحرك المياه الراكدة

كسرت تحركات النقابات المهنية الجمود السياسي في مصر، وخلقت حالة من السيولة كانت مفقودة لسنوات، ويرى متابعون أن ما يحصل حالة صحية، خصوصا وأن تلك التحركات لم تخرج عن إطارها العام وهي تصب في صالح الدفاع عن المنظورين.

القاهرة - دخلت نقابات مهنية مصرية في سجالات مع الحكومة للدفاع عن قضايا تهم أعضاءها وأخرى تتعلق بقضايا عامة، ما ينبئ بعودة تحركات غابت منذ سنوات، وسط مخاوف من أن تصبح النقابات كما كانت منابر سياسية تعوض تراجع دور الأحزاب وفقدان الثقة في قدرتها على التأثير في المشهد العام.

وخاضت نقابة الأطباء معركة قوية مع الحكومة المصرية بسبب قانون المسؤولية الطبية، وانتهت لصالح النقابة مع الاستجابة لغالبية مطالبها المتعلقة بعقوبات الخطأ الطبي، ولم تسمح الحكومة بالوصول إلى ذروة التصعيد واختارت التهدئة المبكرة قبل انعقاد جمعية عمومية طارئة خصصت لمعارضة القانون الذي تقدمت به الحكومة وجرى إرجاءها مقابل الوصول إلى حلول تخدم الأطباء.

وعقد رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي، الثلاثاء، اجتماعا مع نقيب الأطباء أسامة عبدالحي حمل لغة تصالحية وقدم عرضا لاستعراض ما انتهت إليه لجنة الشؤون الصحية بشأن مشروع القانون الذي يحمل اسم “تنظيم المسؤولية الطبية وسلامة المريض”، مؤكدا على أهمية دراسة المقترحات المقدمة على مشروع القانون.

وصعدت نقابة الصحافيين المصرية مطالبها بالإفراج عن صحافيين محبوسين على ذمة قضايا مختلفة بعضها يتعلق بحرية الرأي والتعبير، وبدأ التوجه إلى النائب العام مؤخرا خطوة ضمن تحركات تنوي القيام بها بعد أن توقفت قرارات إطلاق سراحهم منذ عام أو أكثر، وتمكنت من تقليص أعداد المقبوض عليهم من أعضائها.

ودافعت نقابة الصحافيين هذه المرة عن المحبوسين المحسوبين عليها، من النقابيين وغير النقابيين، وطالبت بالإفراج عن المحالين إلى المحاكمة الجنائية، ومضى على حبسهم احتياطيا أكثر من عامين، وقدمت تعهدات لضمان مثولهم أمام المحكمة عند طلبهم، والإفراج عمن أمضوا أقصى مدة للحبس الاحتياطي وفقا لقانون الإجراءات الجنائية.

حسام علي: حالة أولية من الحراك والانفتاح العام في مصر
حسام علي: حالة أولية من الحراك والانفتاح العام في مصر

وكان لنقابة الصحافيين الدور الأبرز في اتخاذ مواقف لا تتماشى مع رؤى الحكومة تجاه قضايا عامة، وقادت الاعتراضات على قانون الإجراءات الجنائية، إلى جانب نقابة المحامين التي كانت تدافع عن مصالح أعضائها، وتكرر ذلك في قانون المسؤولية الطبية، واستعادت جزءا من بريق “سلم النقابة” الذي كان منبرا لأصحاب الحقوق واتخاذ مواقف معارضة لتوجهات حكومية في عقود ماضية، وكانت الاحتجاجات المناوئة للانتهاكات الإسرائيلية في غزة مدخلا لإعادة التذكير بكونها منبرا للحريات.

ورغم أن مواقف النقابات تجاه مجموعة من القضايا إيجابية وتبرهن على وجود سيولة سياسية يصعب معها الوصول إلى حالة الانسداد، غير أن سياسيين يتخوفون من أن يتحول المنحنى التصاعدي الذي يسير فيه حراك النقابات المهنية إلى فعل مباشر يعد مهمة رئيسية للأحزاب، وليس الكيانات المهنية، ما يعيد هواجس توظيف النقابات كمنصات سياسية سبق وأن وظفتها جماعة الإخوان لدعم مشروعها السياسي.

ووجهت انتقادات للمجتمع المدني، حيث يعاني من خلل في تحديد مهام مؤسساته، وفي الكثير من الأحيان تلعب الأحزاب أدوار الجمعيات الأهلية، وتسلل الكثير من المحسوبين على تيارات سياسية إلى النقابات لخدمة أهداف إيديولوجية. وتواجه المنظمات الحقوقية وبعض الجمعيات الأهلية اتهامات بالعمل على خدمة المجتمع لتحقيق أغراض سياسية، ما أوجد حالة من الارتباك ظهرت في تحركات مؤسسات تحاول أن تتحلل من التهم الموجهة إليها وتنغمس في لعب دور سياسي.

وقال عضو اللجنة التأسيسية لحزب الوعي حسام علي إن ما يحدث ليس مشاغبات من جانب النقابات في ظل تراجع الأحزاب، لكنه حالة “أولية” من الحراك والانفتاح العام في مصر، شملت قطاعات إعلامية وحزبية ونقابية بعد نحو عقد لم يكن فيه المناخ العام بمثل هذه المرونة، وذلك لا يشير إلى أن المجال مفتوح بشكل كامل، لكنها خطوات تأخذ في التسارع التدريجي ولم تصل إلى حالة الممارسة المستقرة بعد.

وأوضح علي في تصريح لـ”العرب” أن النقابات لا تقوم بدور سياسي، إلا أنها تدافع عن المهنة وأعضائها ممن يتعرضون لمشكلات يكون الخصم فيها الحكومة، كما أن بعض الأحزاب تقدم الدعم للنقابات للقيام بأدوار يمكن القول إنها من أساسيات عملها، والنقابات والأحزاب تقوم بأدوار مكملة، وضغط نقابة الصحافيين للإفراج عن أعضائها المحبوسين تمضي فيه أحزاب أخرى لغلق هذا الملف نهائيا.

◙ المجتمع المدني يعاني من خلل في تحديد مهام مؤسساته، وفي الكثير من الأحيان تلعب الأحزاب أدوار الجمعيات الأهلية

وأشار إلى أن الهواجس المستمرة من تنظيمات الإسلام السياسي لن تتوقف، طالما ظلت حالة الضغط على الأحزاب التي يجب أن تُفرد لها المساحة الكامله للعمل كي تتعامل بندية مع تيارات تمتلك أدوات أخرى مثل دور العبادة وغيرها، ولفت إلى أن التنظيمات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي تحاول انتهاز كل فرصة لتبقى على الساحة بعد أن تعرضت لضربات كبيرة، والتعويل على الجهات المسؤولة كبير لإزاحة العقبات من أمام الأحزاب بحثا عن تحقيق هدف أساسي يتمثل في الوصول إلى المواطنين.

ودخل نقيب المهندسين طارق النبراوي على خط السجال مع الحكومة، وقرر رفع دعوى قضائية ضد وزير التعليم العالي والبحث العلمي أيمن عاشور بسبب عدم الالتزام بقرارات النقابة الخاصة بالقبول في المعاهد والكليات الهندسية ووضع شروط لقيد خريجيها، ما يعيد التوتر السابق إثر محاولات سحب الثقة من المجلس الحالي.

ويتفق متابعون على أن لعب النقابات أدوارا سياسية مباشرة مثلما الوضع قبل نحو عقد، من الصعب تكراره حاليا، وهو انعكاس لحالة العزوف السياسي الخاصة بأعضاء هذه النقابات التي يمكن أن تنتفض دفاعا عن مصالحها في الخدمات أو ما يتعلق بأوضاعهم المالية دون انسياق خلف مواقف تتخذها النقابة لا تخدم مصالحهم، وأن تجربة تنظيم الإخوان تركت انطباعات بأنه يمكن القفز على قرارات مجالس النقابات لأهداف سياسية ودائما ما يكون ذلك محل رفض من أي طرف يسعى لتكرار ذلك.

واستفادت المعارضة المحسوبة على القوى المدنية، أو من يطلق عليهم داخل النقابات باسم تيار الاستقلال، من الأخطاء طيلة السنوات الماضية، ورغم وجود نقابات لم تكن خاضعة لسيطرة الحكومة إلا أنها لم تكن منصة لإطلاق السهام ضدها، وبدا البحث عن تحسين أوضاع الأعضاء أولوية مع الالتفاف ضد أي محاولات تسعى للانقضاض على من اختاره الناخبون لمجالس نقاباتهم، وهو ما حدث في نقابة المهندسين.

2