النفط أمام تحدي انهيار الطلب وصعود أسهم الطاقة البديلة

أثار استمرار تقلبات أسعار النفط مخاوف الخبراء من الوصول إلى نقطة اللاعودة في تراجعه الأمر الذي يدق نواقيس الخطر بالنظر إلى التحولات الكبيرة التي تضع النفط بين مطرقة انهيار الطلب العالمي على الوقود في أعقاب ركود حركة السفر وسندان مصادر الطاقة البديلة التي باتت محور أنظار أغلب البلدان في ظل توجه عالمي نحو المصادر الصديقة للبيئة.
باريس - طرح انهيار أسعار النفط إشكاليات جديدة في العالم حيث تزايدت المؤشرات على وصولها إلى نفق مسدود خصوصا مع ظهور شبه تكيف عالمي مع تداعيات الوباء ظهر من خلال تزايد الرهانات على العمل المنزلي والتعويل على التكنولوجيا لتنظيم الفعاليات، فضلا عن تكثيف التوجهات نحو الطاقة المتجددة لتغطية الحاجة في وقت تتصاعد فيه مطالب بالحد من انبعاثات الكربون.
لم تبدد انتعاشة أسعار الخام بعد المستويات المنخفضة التي تم تسجيلها في بدايات أزمة تفشي فايروس كورونا المستجد، مخاوف المسؤولين التنفيذيين وخبراء النفط مما إذا كان الطلب تجاوز نقطة اللا عودة في تراجعه.
وبات العالم في ظل تواصل تداعيات كورونا يعتاد على مواصلة الحياة دون الحاجة إلى النفط، الأمر الذي سرع عملية التحول نحو مصادر الطاقة البديلة، ما يضاعف المتاعب أمام البلدان النفطية ويهدد توازناتها المالية في ظل ضبابية وانعدام مؤشرات لاستشراف نهاية الأزمة.
وتجمع تقارير على أن فايروس كورونا قد يحدث تغييرات عميقة بتغييره لمفاهيم عديدة وخلقه لأساليب جديدة في العمل عن بعد، ما يقلص الحاجة إلى التنقل واستخدام الوقود، فضلا عما قد يحدثه في ما يتعلق بالإقبال على السفر مجددا.
وشهدت أسعار الخام تراجعا خلال أول موجة إغلاق ناجمة عن فايروس كورونا المستجد حيث تهاوت أسعار العقود الآجلة إلى ما دون الصفر، نتيجة انخفاض الطلب العالمي مع توقّف حركة الطيران وحتى التنقّل برا بالسيارات جرّاء الإغلاق.
وتوقّعت الوكالة الدولية للطاقة بأن يتراجع المعدل اليومي للطلب على النفط بنحو ثمانية ملايين برميل في اليوم، وهو تراجع بنحو ثمانية في المئة عن العام السابق.
وبينما تتوقّع الوكالة انتعاشا بنحو 5.7 مليون برميل في اليوم العام المقبل، إلا أنها تتوقع بأن الطلب الإجمالي سيكون أقل من ذاك الذي تم تسجيله في 2019 نظرا لتواصل الضبابية في قطاع الطيران. في الأثناء، يتساءل البعض بشأن إن كان الطلب سيعود إلى مستويات 2019. وسبق وقال الرئيس التنفيذي لشركة “بريتيش بتروليوم” (بي بي) برنارد لوني مايو المنقضي “لا أعتقد أننا نعرف كيف ستكون الأمور. لا أعرف بكل تأكيد”.
وكان وباء كوفيد – 19 في ذروة انتشاره حينها وسط تعليق معظم رحلات الطيران في العالم بينما توقفت حركة السير مع إغلاق المتاجر غير الأساسية والمطاعم، في حين عمل القسم الأكبر من الموظفين من منازلهم. وقال لوني لصحيفة فاينانشال تايمز “هل وصل العالم إلى ذروة النفط؟ لا يمكنني استبعاد ذلك“.
ولطالما أثار مبدأ ذروة النفط تكهّنات عدة. وتركّز في الغالب على ذروة الإنتاج مع توقّع الخبراء بأن تصل الأسعار إلى مستويات قصوى مع نفاد النفط القابل للاستخراج.
ولكن في الأشهر الأخيرة، راج مبدأ ذروة الطلب بعدما شكّل تفشي فايروس كورونا المستجد ضربة للطلب على الوقود في قطاع النقل تلته ضربة قاضية أخرى ناجمة عن الانتقال إلى مصادر الوقود الصديقة للبيئة.
وأفاد الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في جامعة ووريك مايكل برادشو بأن “المجموعات المدافعة عن البيئة كانت في الأساس تضغط لمنع تحوّل اتفاقيات باريس إلى ضحية أخرى للوباء، مشددين على الحاجة إلى اتفاق جديد صديق للبيئة”.
وقال في تصريحات للصحافيين “إذا نجحوا، فقد لا يعود الطلب على النفط قط إلى الذروة التي شهدناها قبل كوفيد – 19”. وأضاف أن “قطاع النقل قد لا يتعافى بشكل كامل إطلاقا حيث أن ما بعد الوباء، قد يكون لدينا موقف مختلف تجاه السفر جوّا أو الذهاب بأنفسنا إلى العمل”.
ويشير خبراء آخرون إلى أن نقطة التحوّل لم تصل بعد وقد لا تصل قبل فترة طويلة. وصرّح مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول مؤخرا “قال كثيرون، بمن في ذلك رؤساء بعض الشركات الكبرى التنفيذيون إنه نظرا للتغيّرات في نمط الحياة الآن كالعمل عن بعد وغير ذلك، فقد نشهد ذروة الطلب على النفط وبالتالي تراجعه”.
وتابع أثناء كشفه عن تقرير صدر عن الوكالة مؤخرا “لا أتفق مع ذلك. لن يساعدنا عقد المؤتمرات عن بعد وحده في بلوغ أهدافنا المرتبطة بالطاقة والمناخ، يمكن لذلك ترك أثر ضئيل فقط”.
بدوره، اعتبر معز عجمي من شركة الاستشارات وتدقيق الحسابات إرنست ويون أن “فكرة تراجع مفاجئ ونهائي للطلب على النفط هي مجرّد خيال علمي”، مشيرا إلى أنه يتوقّع تعافي الطلب بشكل بطيء إذا تسبب فايروس كورونا المستجد في إضعاف الاقتصاد العالمي. ويرجّح أن يتسبب هذا الضعف في إبطاء عملية الانتقال إلى مصادر الوقود الصديقة للبيئة.
وقال إن “مواجهة الوقود الأحفوري، الذي لا يزال يشكّل اليوم نحو 80 في المئة من الاستهلاك العالمي الأساسي، لمنافسة حقيقية من مصادر أخرى للطاقة ستستغرق وقتا”.
في الأثناء، قد تواجه صناعة النفط تحديات تتعلّق بالتمويل. وتشير المحللة لدى منظمة أويل تشينغ إنترناشونال برونوين تاكر إلى أن “القطاع يواجه حاليا ضغوطا من المستثمرين”.
ورأت أنه بعد “موجة كبيرة من القيود على الفحم وبعض القيود على النفط والغاز، تبدو مخاطر الاستثمار في النفط والغاز حاليا ملحوظة أكثر ويدوّن القطاع من الآن قيمة الأصول لمواجهة الواقع الراهن في السوق القائم على طلب وأسعار أكثر انخفاضا”.
وأفادت شركة “رويال داتش” شال الأسبوع الفائت بأنها ستشطب أصولا بقيمة تصل إلى 22 مليار دولار في إطار إعادة تقييمها لقيمة نشاطها التجاري في ضوء أزمة كوفيد – 19. والشهر الماضي، خفضت منافستها بريتيش بتروليوم قيمة أصولها بنحو 17.5 مليار دولار.
وأفاد أنغس رودجر من شركة وود ماكنزي الاستشارية المتخصصة في مجال الطاقة بأن “هذه العملية ستتواصل ونتوقع حصول المزيد من أوجه الضعف الكبيرة في أنحاء القطاع”.
