النظرة الإيجابية للجدارة الائتمانية تعكس صمود الأردن في وجه الصدمات

عمّان - استقبلت أوساط الخبراء في الأردن بالكثير من التفاؤل تعديل وكالة ستاندرد آند بورز نظرتها إلى الوضع الاقتصادي الذي يعكس صموده في وجه الصدمات الخارجية، ويمنح السلطات دفعة قوية لاستكمال طريق الإصلاح رغم التحديات.
ويتضمن برنامج الإصلاحات المدعوم من صندوق النقد الدولي زيادة زخم الاستثمار والتوظيف وتعزيز دور القطاع الخاص، وأيضا دعم القطاعات الإنتاجية المهمة ومحركات النمو الأساسية مثل السياحة.
ووصف خبيران ماليان رفع التصنيف الائتماني للأردن بالخطوة المهمة باعتبارها جاءت لأول مرة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وستشكل حافزا هاما للاقتصاد الوطني.
وأكدا أن هذا الإنجاز جاء نتيجة إدارة مالية عامة تسير على المسار الصحيح، ولسلامة النهج المتبع والمرتكز على مواصلة الإصلاح، والمضي في تنفيذ مبادرات وأولويات رؤية التحديث الاقتصادي 2033، رغم التحديات بسبب الحرب على غزة.
وكانت ستاندرد آند بورز قد رفعت الجمعة الماضية التصنيف الائتماني السيادي للأردن طويل الأجل بالعملة المحلية والأجنبية من بي+ إلى بي.بي- مع نظرة مستقبلية مستقرة.
ويأتي التقييم الإيجابي لأول مرة منذ 21 عاما على الرغم من الصدمات العالمية والإقليمية الخارجية التي يتعرض لها البلد، وخاصة منذ تفشي وباء كورونا، ثم الحرب الروسية – الأوكرانية، وأخيرا توترات الشرق الأوسط.
وأشارت الوكالة في تقريرها إلى أن رفع التصنيف جاء نتيجة بقاء الإدارة المالية العامة على المسار الصحيح، وتحقيق أهدافها خلال العام الماضي بانخفاض نسبة العجز الأولي إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ونسبت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى الخبير المالي والمصرفي عدلي قندح قوله إن “هذا التصنيف يعني أن الأردن أصبح أكثر موثوقية في نظر المستثمرين والمقرضين، ما يتيح له الوصول إلى التمويلات الدولية بتكاليف أقل”.
وأوضح أن هذا من شأنه التخفيف من عبء خدمة الدين العام ويتيح توجيه الموارد المالية نحو قطاعات أخرى، مثل البنية التحتية والتعليم والصحة، وهي أهم ثلاثة قطاعات اقتصادية واجتماعية على تماس يومي مع المواطنين بمختلف فئاتهم.
كما أن التقييم سيسهم في تعزيز الثقة لدى المستثمرين المحليين والدوليين في الاقتصاد الأردني، ويشجع على تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الجديدة، إضافة إلى إمكانية تنفيذ إصلاحات هيكلية بمرونة أكبر.
وبين قندح أن تحسين شروط الاقتراض قد يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الديون، ما يزيد من حجم الدين العام على المدى الطويل، الأمر الذي يتطلب تعزيز القطاعات الإنتاجية غير التقليدية مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والسياحة.
وتضرر قطاع السياحة الحيوي بشدة منذ بداية التصعيد الإسرائيلي على غزة في أكتوبر الماضي، حيث خسر نحو نصف الحجوزات الفندقية، وانخفض الإقبال على المطاعم بنسبة 60 في المئة، وفقاً لوزير السياحة مكرم القيسي.
ولضمان نمو اقتصادي مرن ومستدام، فإن قندح يرى أن على السلطات تعزيز كفاءة الإنفاق وتقليل الاعتماد على الديون مع توجيه السياسات نحو دعم القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وقال إن “رفع التصنيف يتطلب مواصلة الإصلاحات الهيكلية وتجنب الاعتماد المفرط على الديون وإدارتها بفاعلية من خلال الاستفادة من تكاليف تمويل أقل وزيادة في الاستثمارات”.
وفي أبريل الماضي وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد على برنامج قرض جديد يتيح للأردن الحصول على 1.2 مليار دولار لدعم الإصلاح الاقتصادي والمالي في البلاد.
◙ التقييم الإيجابي يأتي لأول مرة منذ 21 عاما على الرغم من الصدمات العالمية والإقليمية الخارجية التي يتعرض لها الأردن
وتظهر بيانات وزارة المالية التي تم نشرها في يوليو الماضي أن إجمالي الدين العام للبلاد وصل إلى نحو 42.5 مليار دينار (قرابة 60 مليار دولار) بنهاية مايو الماضي.
ويعتقد أستاذ المالية في كلية الاقتصاد بجامعة آل البيت عمر الغرايبة أن رفع التصنيف يعد تحولا إيجابيا ومهما للاقتصاد الأردني، وإشارة إلى زيادة قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية، ما يعكس استقرارا ماليا أكبر. وقال “هذا التصنيف يشير ضمنيا إلى التحسن النسبي في درجة الجدارة الائتمانية والمخاطر المرتبطة بالاستثمار والاقتصاد الأردني”.
وأرجع الغرايبة ذلك إلى التحسن النسبي في النمو والاستقرار السياسي وقدرة الحكومة على سداد الديون ومتانة القطاع المصرفي وسط ظروف يمر بها العالم من تباطؤ اقتصادي وتعرقل سلاسل الإمداد، وزيادة المخاطر الجيوسياسية والتوترات التجارية.
واعتبر الخبير أن مخاطر السندات التي تصدرها الدولة المصنفة ضمن بي.بي- تكون أقل من مخاطر السندات المصنفة بي+، ما يعني أن الوضع المالي للدولة أفضل ماليا وأكثر استقرارا، ولديها قدرة معقولة على السداد.
كما يسهّل التصنيف الوصول الى الأسواق المالية والعالمية ويحسّن شروط التمويل الدولي والحصول على قروض بشروط أفضل من مؤسسات مثل صندوق النقد والبنك الدولييْن، ويسهل الحصول على مساعدات.
ويجذب هذا التصنيف أيضا المستثمرين المضاربين الأقل تحملا للمخاطر والباحثين عن عوائد مرتفعة نسبيا، ما يزيد من قدرة الدولة على تمويل نفقاتها الرأسمالية بكلفة أقل مقارنة مع التكاليف السابقة عندما كان تصنيفها الائتماني أقل، بحسب الغرايبة.
وفضلا عن ذلك سيسهم التصنيف في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال الإضافية من جهة، وسيزيد من سيولة السوق بسبب تعزيز قدرة الشركات المحلية على الاقتراض بشروط أفضل من جهة أخرى.
وفوق كل ذلك يلعب التقييم الجديد دورا كبيرا في تخفيف الضغوط عن العملة المحلية وتعزيز استقرار الدينار الأردني من خلال زيادة الثقة في الاقتصاد.