النظام المصري يروّج لحوار "شفاف" دعما لمصداقيته السياسية

تسود حالة من التفاؤل الحذر حيال الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورغم أن أوساطا سياسية ترى أن الأجواء تبدو إيجابية وأن هناك إمكانية كبيرة لتحقيق بعض المكاسب، فإن قوى أخرى لا تخفي شعورا قلقا في ظل استشعارها بأن هذا الحوار يخدم النظام أكثر من المعارضة.
القاهرة - التزمت الجهات القائمة على إدارة الحوار الوطني في مصر بتعهداتها السابقة وقررت انطلاق أولى جلساته الثلاثاء على مستوى مجلس أمناء الحوار الذي سيحدد الجدول الزمني وتفاصيل الحوار وأجندته الفترة المقبلة، وأنهت بذلك عدة تكهنات طالت موعده والأطراف المشاركة فيه وطبيعة الملفات التي سيتطرق إليها.
ووجه المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان دعوة لأعضاء مجلس الأمناء، والذي يضم شخصيات محسوبة على قوى سياسية مختلفة وشخصيات عامة ونقابيين، وعقدت الجلسة الأولى بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب التي كلفها الرئيس عبدالفتاح السيسي بمهمة التنظيم.
ويعد انعقاد مجلس الأمناء البداية الرسمية لأعمال وفعاليات الحوار الوطني، وستنظر جلسته الأولى في تفاصيله ومواعيده والقرارات اللازمة وإعلانها للرأي العام لإتاحة التفاعل مع الحوار والمشاركة فيه بمختلف الوسائل المباشرة والإلكترونية.
وتستهدف الحكومة إرسال إشارات بالشفافية التي ظلت غائبة عن بعض الملفات في الفترة الماضية بغرض دعم مصداقية الحوار الوطني وترسيخ القناعة بأنها جادة في التغيير.

عمرو هاشم ربيع: هناك بوادر إيجابية لإمكانية نجاح الحوار الوطني
ويثبت انطلاق الحوار في موعده (الأسبوع الأول من يوليو) جدية النظام المصري في التعامل مع هذه القضية وقطع الطريق على أي ضغوط قد يتعرض لها جراء محاولة إقحام تنظيم الإخوان للمشاركة في جلساته.
كما يسبق المعارضة التي مازالت غارقة في مشكلاتها دون أن تقدم رؤية واضحة وشاملة حول الحوار تؤكد بها توافقها واستعدادها وحرصها عليه.
وأدى ارتياب قوى معارضة في غياب المعلومات الكافية حول الحوار وأجندته وغياب الحس السياسي عنه إلى تزايد الشكوك في جدواه وقدرته على إحداث إصلاحات سياسية هيكلية، ما أفسح المجال أمام انتشار شائعات كانت بحاجة إلى وأدها مبكرا لعدم ضرب مصداقية الحوار الوطني.
ونفت دوائر إعلامية محسوبة على النظام المصري إمكانية طرح مسألة تعديل الدستور خلال جلسات الحوار، لافتة إلى أنها ستركز على قضايا المجتمع، ولن تتطرق إلى فكرة حل البرلمان أو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وأعلن الرئيس السيسي الأحد استثناء تنظيم الإخوان من المشاركة في جلسات الحوار بسبب “غياب الأرضية المشتركة” مع الجماعة المصنفة إرهابية في مصر، قائلا “أطلقنا الحوار الوطني لكل المفكرين والنقابات والمثقفين والقوى السياسية مع استثناء فصيل واحد فقط رفض أن يكون جزءا من العملية السياسية في العام 2013 واختار القتال”.
وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع لـ”العرب” إن الجلسة الأولى ستشهد التطرق إلى آليات عمل الحوار والإجراءات التي سيترتب عليها تحديد بنود النقاش والأولويات والتوقيت الزمني للحوار الذي سيكون محدداً لا يتجاوز الشهرين على الأكثر من دون البقاء في النقاشات لأشهر طويلة.
وكشف أنه سيطرح خلال الجلسة الأولى ضرورة الإفراج عن المحبوسين في قضايا الرأي قبل انطلاق الجلسات العامة التي ستخصص للنقاش بشأن قضايا مختلفة، وسيكون على رأس بوادر الثقة التي يجب أن توفرها الحكومة لضمان نجاح الحوار وتحقيق أهداف الشفافية التي تتبناها إدارته.
ودشنت إدارة الحوار الوطني صفحة للتواصل مع الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي وأضحت منصة لإطلاق الأخبار المتعلقة بها وفتح النقاش بشأنها.

عبدالعزيز الحسيني: استمرار الوضع الحالي يُضعف موقف قيادات المعارضة
وبدت الخطوة مؤشراً على أن هناك جهودا تبذل لخلق حالة من الاهتمام المجتمعي الذي مازال يغيب عن الحوار الذي ينصب الاهتمام به على النخب السياسية فقط، ما يعرضه لمشكلات نتيجة لامبالاة الرأي العام بتطوراته ونتائجه المرتقبة.
وسيتم عقد مؤتمر صحافي لوسائل الصحافة والإعلام المصرية والأجنبية عقب انتهاء اجتماع مجلس الأمناء للإعلان عما تم التوصل إليه، وأن هذا الحق في المعرفة والمتابعة الفورية والشفافة سيكون مكفولاً للرأي العام طوال مجريات وفعاليات الحوار.
وأوضح هاشم ربيع أن هناك بوادر إيجابية لإمكانية نجاح الحوار على رأسها الاستعانة بأسماء من اتجاهات سياسية مختلفة لتشكيل مجلس الأمناء ورعاية الرئيس السيسي المباشرة للحوار، غير أن مخرجاته تتوقف على مدى استجابة الحكومة لمطالب الإفراج عن المعتقلين والانفتاح بشكل أكبر على المعارضة.
وهناك حالة من الارتياح ممزوجة بالقلق تسيطر على المناخ العام تأتي من وجود شخصيات لديها قبول لدى التيارات السياسية المشاركة حتى وإن لم تكن محسوبة على المعارضة بشكل مباشر، كما أن انطلاقته تشكل ضغطاً على المعارضة التي تقف في منتصف الطريق وحائرة بين رغبتها في المشاركة ومساعيها ليكون ذلك وفقًا لرؤيتها، ما قد يدفعها نحو اللحاق بقطار النقاشات.
وعلمت “العرب” أن الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم ثمانية أحزاب وبعض الشخصيات المعارضة ستحدد موقفها من المشاركة وتبلور رؤيتها التي ستقدمها لإدارة الحوار الوطني قبل انطلاقه رسميا الثلاثاء.
ورغم وجود بعض الأصوات التي تعترض على عدم الاستجابة للضمانات التي أعلنتها المبادرة في مايو الماضي عقب الإعلان عن الحوار، إلا أن الأمور تتجه نحو مشاركتها في برنامج الجلسات، وقد تتم إتاحة الفرصة لها لتكون حاضرة.
وطالبت الحركة المدنية بتشكيل أمانة فنية مسؤولة عن الإعداد للحوار وإدارته وصياغة مخرجاته وكتابة تقرير ينشر دوريًا للرأي العام بما تم إنجازه، على أن تضم عشرة من كبار الخبراء الوطنيين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والتجرد وتسميتهم مناصفة من قبل طرفي الحوار (السلطة والمعارضة).
وقال نائب رئيس حزب تيار الكرامة وهو حزب معارض وأحد أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، عبدالعزيز الحسيني لـ”العرب” إن انطلاق الحوار في توقيت منطقي أمر جيد، لكن ثمة سلبيات أبرزها البطء الشديد في الإفراج عن سجناء الرأي.
وتساءل “كيف سينطلق الحوار وهناك قوائم مقدمة تضم الآلاف من المحبوسين كبادرة حسن نوايا قبل انطلاق الحوار؟ وكيف سيقود المنسق العام للحوار ضياء رشوان وهو نقيب الصحافيين حواراً في حين أن هناك صحافيين محبوسين على ذمة قضايا نشر؟”.
وأكد الحسيني أن استمرار الوضع كما هو عليه الآن يُضعف من موقف قيادات المعارضة الذاهبة إلى الحوار لأنها لم تستطع الحصول على أول المطالب التي قدمتها للسلطة ولن تكون لديها قدرة على التفاوض بارتياح وهناك محبوسون على ذمة قضايا رأي، والأمر قد يطال صورتها أمام الرأي العام.