النظام الغذائي التقليدي ملاذ الجزائريين للحد من تفاقم أمراض العصر

يوصي خبراء الصحة في الجزائر بضرورة العودة إلى النظام الغذائي التقليدي الذي يقوم على استهلاك الحبوب والخضر لما فيه من فوائد على صحة الأفراد، مشيرين إلى أن نمط الحياة السريع أدى إلى إقبال الأسر الجزائرية على الأكلات الجاهزة ما أدى بدوره إلى تفاقم أمراض السمنة والسكري والقلب والضغط. وهي أمراض تتكلف باهظا على الصحة العمومية وعلى الأفراد والمؤسسات.
الجزائر - أجمع خبراء في الصحة ومسؤولون حكوميون بالجزائر على ضرورة عودة الأسرة الجزائرية إلى النظام الغذاء التقليدي، تفاديا لتفاقم أمراض العصر في المجتمع، حيث أثبتت البيانات المتوفرة أن توجه الفرد والعائلة الجزائرية إلى الغذاء الجاهز بدعوى مواكبة عصر السرعة، أدى إلى تفشي العديد من الأمراض التي أنهكت المصابين والصحة العمومية.
وأوصى مشاركون في ندوة “غذاء وصحة.. أمراض وعلاج”، بالعودة إلى النظام الغذائي التقليدي الجزائري، الذي يقوم على استهلاك الحبوب والخضر الجافة على وجه الخصوص، وذلك من أجل تفادي العديد من الأمراض التي باتت تنهك المنظومة الصحية وتكبد الأفراد والمؤسسات العمومية خسائر وخيمة.
وحسب بيانات رسمية، فإن نمط الحياة السريع وتأثير الدعاية الاستهلاكية على فئة الشباب دفعا بالعديد من الأمراض إلى تصدر اللائحة، على غرار السمنة والسكري والقلب والضغط.. وغيرها، والتي تكلف الخزينة العمومية أموالا ضخمة، فضلا عن معاناة أصحابها.
النظام الغذائي المثالي يبقى من أكبر التحديات التي تواجه الفرد الجزائري، بسبب عجز غالبية الأسر عن توفير الغذاء المتوازن
ودعا خبراء ومختصون في الصحة العمومية إلى العودة إلى النظام الغذائي التقليدي الذي يوفر السلامة للمستهلكين ويقلل فرص الإصابة بالأمراض المذكورة، وأن “نظاما غذائيا صحيا من شأنه السماح بتقليص اللجوء إلى النظام الغذائي الحالي الذي تغلب عليه الوجبات السريعة والأغذية الصناعية والمشروبات المشبعة بالسكريات”.
وأكد رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي كمال صنهاجي أن “الغذاء غير الصحي مع التغيرات المناخية والخطر الوبائي تشكل عاملا للإصابة بالأمراض، ومن أجل معالجة ذلك، يتوجب استباق ظهور الأمراض غير المتنقلة المرتبطة بالنظام الغذائي السيء على غرار السكري والسمنة والضغط وبعض السرطانات”.
وأضاف “ذلك من مهام الوكالة، لاسيما عبر تجميع مختلف المعطيات متعددة القطاعات، بغية إبراز المعلومات والإشارات الرامية إلى تقديم رسالة بيداغوجية للسكان من أجل صالح الصحة العمومية، وذلك بالحصول على معطيات من شأنها السماح باتخاذ قرارات سياسية مناسبة في مجال الأمن الغذائي للمواطنين”.
غير أن النظام الغذائي المثالي، يبقى من أكبر التحديات التي تواجه الفرد الجزائري، بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي لا تسمح لغالبية الأسر بتوفير الغذاء المتوازن على موائدها، ولذلك يجري الاعتماد في الغالب على مادة الخبز كمصدر أساسي للوجبات، وهي مادة تنطوي على عدة أضرار وتجر المستهلك إلى الإصابة بأمراض مختلفة.
ومن جانبه شدد المدير العام للوقاية وترقية الصحة بوزارة الصحة جمال فورار على ضرورة العودة إلى خصائص الغذاء الجزائري، عبر تبني خطاب يتمحور حول الصحة، لاسيما وأن العلاقة مع الغذاء هي قبل كل شيء ثقافية، حيث إن المذاق هو الذي يحدد خياراتنا وفي عصرنا الحالي فإن المنتجات المصنعة هي الأكثر استهلاكا.
في حين أوضح ممثل منظمة الصحة العالمية في الجزائر نوهو أمادو أن “حوالي شخص من ثلاثة على المستوى العالمي، يعاني من سوء التغذية بكل أشكالها، وأن البلدان ذات الدخل الضعيف والمتوسط، تواجه عبئا كبيرا بسبب تكاليف الأمراض المرتبطة بسوء التغذية”.
وأضاف “عبء تلك الأمراض كبير كونها تقتل حوالي 41 مليون شخص سنويا عبر العالم، وأن مساهمة تلك الأمراض في نسبة الوفيات الإجمالية، قد انتقلت من 24 في المئة في سنة 2000 إلى 37 في المئة في سنة 2019”.
وتابع “الإجراءات الرامية إلى التقليص أو حتى الحد من هذه الوفيات المبكرة موجودة، لاسيما عبر تغذية صحية خاصة لدى فئة الأطفال، لكن الإنتاج المتزايد للمنتجات المصنعة عبر العالم وعمليات التعمير السريع، قد ساهما في تغيير النظام الغذائي لمجموع البلدان والمتوجه نحو نظام غذائي غني بالدهون والأملاح على حساب الخضر والفواكه والألياف الغذائية”.
ورافع ممثل الحكومة في الندوة المذكورة لصالح التدابير التي اتخذتها بلاده، من أجل توفير أغذية صحية وسليمة للمستهلكين، والوقاية من التسممات الغذائية، لاسيما في ظل ظروف الحياة الراهنة التي أصبحت تتسم بالسرعة، وتعدد العروض في مجال المواد الاستهلاكية.
وأكد وزير التجارة طيب زيتوني، في مداخلته، أن وزارته “حددت من بين أولوياتها تعزيز حماية صحة وأمن المستهلك، وكذلك ضمان أغذية صحية وسليمة، وذلك بالتماشي مع الاحتياجات الغذائية للمستهلكين بالنظر للتغيرات المشهودة في الأنماط الاستهلاكية في المجتمع الجزائري، والتي مست كل الفئات العمرية، على غرار التقدم التكنولوجي الذي يشهده مجال الصناعات الغذائية”.
البلدان ذات الدخل الضعيف والمتوسط تواجه عبئا كبيرا بسبب تكاليف الأمراض المرتبطة بسوء التغذية
وأضاف أن “عدة إجراءات اتخذت من طرف القطاعات الوزارية المعنية بغية مواكبة هذه التغيرات”، مشيرا إلى أن “الدولة تبذل مجهودات حثيثة للوقاية من حالات التسمم الغذائية، وأن وزارته تقوم بإعداد تقارير تحليلية وتقييمية لحالات التسمم المسجلة سنويا، بحيث أصبحت هذه التقارير مرجعا تستند إليه كل القطاعات الوزارية المعنية، وكذلك جمعيات حماية المستهلك في العمليات التحسيسية المبرمجة سنويا، لاسيما في موسم الاصطياف”.
وتطرق إلى “مشروع بروتوكول التدخل السريع عند ظهور أي تسمم غذائي جماعي الذي تم إعداده في العام 2017 وتحيينه وإثرائه في العام 2020، والذي يعتبر آلية فعالة لضمان التنسيق بين كل المصالح المعنية في حالة حدوث تسممات”.
ولفت إلى أن بغرض التحكم في هذه الظاهرة، قامت وزارة التجارة وترقية الصادرات بمشاركة قاعدة بياناتها المتعلقة بالتسمم الغذائي خلال الفترة الممتدة من 2007 إلى 2022 مع الوكالة الوطنية للأمن الصحي، قصد استغلالها في تحليل هذه الظاهرة بعمق ووضع آلية مرقمنة لمتابعتها بصفة آنية.
وبخصوص الجانب القانوني والتنظيمي المتعلق بسلامة المواد الغذائية، فقد تم تطبيق نظام تحليل الأخطار ونقاط المراقبة الحرجة للتحكم فيها، والذي يلزم المتعاملين الاقتصاديين بوضع هذا النظام في منشآتهم قصد تقييم الأخطار والتحكم أكثر في سلامة المواد الغذائية التي ينتجونها، فضلا عن تعزيز مخابر قمع الغش بالمورد البشري والأجهزة العلمية، حيث تحصي مصالحه وجود 35 مخبرا في حالة نشاط.
وذكر أنه “تم اتخاذ تدابير عدة لتقليل الاستهلاك المفرط والتخفيض التدريجي للسكر والملح والمواد الدسمة في بعض المواد الغذائية الأكثر استهلاكا، بحيث كللت هذه المجهودات بإصدار تسعة نصوص تنظيمية تؤطر عدة مواد غذائية”.