النظام السياسي في الكويت أمام تحد خطير

الكويت- تحولت أزمة الاستجوابات التي تستهدف الوزراء في الكويت إلى ما يشبه الدوران في حلقة مفرغة تضع النظام السياسي في البلاد أمام تحدّ كبير بعد إعلان استقالة وزير الدفاع الشيخ حمد جابر العلي الصباح ووزير الداخلية الشيخ أحمد المنصور، بعد يوم من استجواب وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد بتهمة “التخبط الإداري” في وزارته.
وقالت أوساط سياسية كويتية إن الاستجوابات التي باتت تستهدف الوزراء بشكل اعتباطي لا تعكس فقط مزاجا سلبيا لدى بعض نواب المعارضة الذين لا يعجبهم أيّ شيء، ولكنها تكشف عن أزمة أعمق، وهي أن هذه الاستهدافات هي جزء من الصراع داخل تيارات الأسرة.
وتشير الأوساط السياسية الكويتية إلى أن مصالح تلك التيارات باتت هي محور عمل البرلمان، وعلى ضوئها يتم توجيه الاستجوابات والضغوط على الوزراء لدفعهم إلى القبول بما يطلب منهم من وراء الكواليس أو دفعهم إلى الاستقالة كما حصل مع وزير الدفاع الذي تعرّض لضغوط كثيرة ومن جهات مختلفة في نفس الوقت.
ولفتت الأوساط إلى أن هناك من داخل الأسرة من كان متحفظا على إعادة تسمية الشيخ جابر العلي لمنصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع في الحكومة الجديدة، وأن الكاريزما التي يتحلّى بها الوزير باتت تشكل مصدر قلق داخل الأسرة وسط مخاوف من أن يقود حضوره الطاغي إلى فرضه كشخصية محورية لا يمكن تحييدها في تسميات قادمة خاصة ما تعلق برئاسة الوزراء.

ومن شأن تمسك وزيري الدفاع والداخلية باستقالتهما أن يقود إلى إسقاط الحكومة التي تشكلت منذ أسابيع قليلة فقط، ويعيد الكويت إلى مربع الفراغ الحكومي والسياسي، والذي ستكون له تأثيرات كبيرة على عمل مؤسسات الدولة وتمويلها ومراقبتها، وكذلك إشاعة حالة من اليأس لدى الكويتيين بشأن تطويق الأزمة والحفاظ على استقرار البلاد.
ويقول مراقبون محليون إن هذه الاستقالات جاءت كاعتراف بأن الوضع لم يعد أحد مهما كانت شخصيته قادرا على تحمله، متسائلين عن الجهة التي يمكنها التدخل العاجل لوقف هذا النزيف، وإن كان ما يزال من الممكن الحديث عن حل بالحوار مع معارضة تجد أن دورها الوحيد هو التعطيل ودفع البلاد إلى المجهول.
ويضيف المراقبون أن الموقف المتشدد من أهم وزراء السيادة في الكويت يضع نائب الأمير وولي العهد الشيخ مشعل الأحمد أمام فرصة للحسم داخل الأسرة لوضع حد للصراعات، ومع مجلس الأمة الذي تمادى أعضاؤه في العمل على تعطيل الحكومة.
وتزامنت استقالة الوزيرين مع تجديد البرلمان، الأربعاء، الثقة في وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد، بعد تصويت على ما جاء في استجواب يتهم وزارته بـ”التخبط الإداري”.
وجاءت استقالة الوزيرين بعد ساعات قليلة من نفى الناطق الرسمي باسم الحكومة طارق المزرم “كل ما يتم تداوله عن استقالة الحكومة أو أيّ من أعضائها”، في خطوة قال مراقبون إنها تكشف عن تحسّب داخل الأسرة من أنه لم يعد من الممكن التحكم في الأزمة، وأن الصراع خرج عن السيطرة.
وقال المزرم في تغريدة على “تويتر”، “غير صحيح جملة وتفصيلا كل ما يتم تداوله عن استقالة الحكومة أو معالي وزير الخارجية أو أيّ من أعضاء الحكومة”.
وتحدث الوزيران في تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية عن أن استقالتهما ناجمة عن “استحالة للعمل وتحقيق الإصلاحات والتطوير الذي يستحقه الشعب الكويتي”، وأن “الجو العام بات مليئاً بالمشاحنات”.
ووصف الوزيران واقع الساحة السياسية في الكويت بـ”المحزن”، وأنه “جاء نتيجة تراكمات وإخفاقات تاريخية، على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية”.
وقال وزير الدفاع “لقد أقسمنا على المحافظة على المال العام وقمنا باتخاذ خطوات إصلاحية، وقانونية ولكن لا يمكن أن ننجز في هذه الأجواء وكأن المطلوب هو الفشل وليس الإنجاز”.
وأضاف “الاستجوابات حق دستوري ولكن وجدت نفسي ومعي باقي الوزراء غير قادرين على تحقيق طموحات أبناء الشعب الكويتي…الممارسات النيابية تعطلنا من أجل تحقيق طموحات الشعب”.

وأكد “قررت الاستقالة لأنني جئت للإنجاز والعمل ولدي خطة إصلاحية، لكن لا يمكن تنفيذ ذلك في هذه الظروف”.
وكثّف نواب المعارضة من استجواباتهم لأعضاء الحكومة في الأسابيع القليلة الماضية، فبعد أن صوت البرلمان بالثقة في حق وزير الخارجية، قدم النائب عبدالله المضف استجوابا جديدا لوزير الأشغال العامة علي الموسى بسبب مخالفات مزعومة في هيئة الزراعة، وهذا ثالث استجواب في نحو شهر ونصف الشهر.
وبخلاف تقديم استجوابين ضد وزيري الدفاع والخارجية، رغم قصر عمر الحكومة، فإن تسريبات إعلامية تتحدث عن أن قائمة الاستجوابات ستتسع لتشمل رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح وآخر ضد وزير الداخلية الذي استبق الاستجواب بإعلان استقالته الأربعاء.
وفي السادس والعشرين من يناير الماضي، واجه وزير الدفاع استجوابا لسحب الثقة منه لأسباب أبرزها قراره إلحاق النساء بالجيش، لكنه نجا من الاستجواب بتصويت النواب لفائدة بقائه.
وعادة ما تتسبب الاستجوابات النيابية في شلل العمل السياسي والبرلماني في الكويت، وتستغرق أسبوعين على أقل تقدير وقد تمتد لأكثر من ذلك، في وقت تسعى فيه الحكومة لإقرار عدة تشريعات تتعلق بالوضع الاقتصادي وإصلاح المالية العامة.