النظام الجزائري يحاول الاستفادة من زيارة أردوغان لفك عزلته

دائرة العزلة التي تواجهها الجزائر اتسعت بسبب تآمرها الدائم على الوحدة الترابية للمغرب لأسباب تاريخية وسياسية لم تعد تقنع المجتمع الدولي إلا بحسب المواقف المتوارثة من حقبة الحرب الباردة.
الثلاثاء 2023/11/28
التعلق بآخر خيوط الأمل

حاول النظام الجزائري الاستفادة من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء الماضي، في فك العزلة من حوله، والخروج من عتمتها إلى ضوء الأحداث بدعوى التأثير فيها، وهو المغيّب عن أغلبها بسبب فشله في تجاوز حالة الانغلاق التي لا يزال يخضع لها حاصرا نفسه عقودا خلت في منطقة الصراعات الوهمية التي تضمن له الاستمرار في السلطة.

بنى الجنرالات مقاربات النظام على تحالف وثيق مع تركيا وقطر ومحور الإسلام السياسي في المنطقة لتجنب أي صراع مع التيارات الدينية في الداخل وفي مقدمتها جماعة الإخوان، ولضمان وجود وسطاء مؤثرين في حالة نشوب خلاف مع تلك التيارات. ولتكريس تلك المقاربة، كان لا بد من الحديث عن مؤامرات وهمية يتعرض لها النظام من محور الاعتدال العربي.

وهو ما أشار إليه رئيس حركة البناء الوطني ومرشح الانتخابات الرئاسية السابقة عبدالقادر بن قرينة عندما دعا إلى ضرورة “تأجيل الخلافات والترفع عن الحسابات الضيقة، ما دام الهدف هو حماية الاستقرار الوطني في أبعاده المتمثلة في الاستقرار السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والأمني والمجتمعي”، وكذلك عندما  شنّ هجوما شرسا على دولة عربية وإقليمية، لم يسمّها، واتهمها بقيادة مخططات عدائية تستهدف أمن واستقرار الجزائر من خلال الانخراط في مشروع التطبيع مع إسرائيل، ودعم النظام المغربي المناوئ لبلاده، والضغط على تونس للابتعاد عنها، في إشارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت دائما محل استهداف من غرفة الاستخبارات الرسمية وأصابع الأخطبوط المتحركة على أكثر من صعيد بمزاعم العمل على مواجهة مخططات معادية.

◙ نظام الجزائر حاول الاستفادة من زيارة أردوغان، في فك عزلته، وتعمد فبركة خبر عن توافق بين البلدين حول قضية الصحراء، وذلك بهدف الاستغلال المحلي، لكن صورة الواقع مختلفة

بعد أن أمضى أردوغان في أواخر نوفمبر 2019 مذكرتي تفاهم مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية آنذاك فائز السراج، لفسح المجال أمام تدخل عسكري تركي معلن ومباشر في الحرب الأهلية التي كانت تدور رحاها في المنطقة الغربية وحول العاصمة طرابلس، ومع بداية تمركز القوات التركية وآلاف المرتزقة في الداخل الليبي، خرج الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ليعلن عن وضع نفسه في خدمة أنقرة، وذلك من خلال وصف طرابلس بالخط الأحمر، والتهديد بأن بلاده ستتدخل في حالة وصول المرتزقة إليها. هو لا يقصد مرتزقة أردوغان، وإنما كان يغمز من قناة حلفاء الجنرال حفتر كمصر والإمارات والأردن والسعودية. أدرك الكثير من المراقبين آنذاك، أن النظام الجزائري كان ينتظر موقفا تركيّا ليستظلّ بظله، وليعلن من جديد عن موقفه الداعم للميليشيات الخارجة عن القانون وخاصة منها العقائدية المرتبطة بالإسلام السياسي. لماذا؟ الجواب بسيط، لأنها تقف في مواجهة طرفين ترفض الجزائر التعامل معهما أو مجرد الحديث عن إمكانية وصولهما إلى الحكم في طرابلس: الجنرال حفتر المحسوب على مصر والإمارات، والنظام السابق الذي كان دائما في صراع نفوذ مع النظام الجزائري في منطقة الساحل والصحراء وفي القارة الأفريقية عموما.

لا يمكن فصل موقف النظام الجزائري من الوضع في ليبيا عن الوضع في تونس، بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي في 25 يوليو 2021 لم يجد أردوغان مصدرا يستشف منه ما يدور في ذهن قيس سعيد سوى الرئيس تبون، قالت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، إن الرئيسين أردوغان وتبون بحثا العلاقات الثنائية والتطورات الأخيرة في تونس، إلى جانب القضايا الإقليمية.

يدرك التونسيون أن نظام الجنرالات كان حليفا لحركة النهضة الإخوانية، وكان مرافقا لها في أغلب تحركاتها بداية من ثمانينات القرن الماضي، ومنذ وصولها إلى الحكم في العام 2011، حتى إن بعض المصادر تصف العلاقة بين الطرفين بالتاريخية. بعد عزل الحركة من الحكم، كان هناك من يعتقد أن الضمان الوحيد لعدم الزج بقياداتها في السجن، هو العلاقة التي بدت قوية بين الرئيسين تبون وسعيد، لكن قرار القضاء التونسي في منتصف أبريل الماضي، بتوقيف رئيس النهضة راشد الغنوشي، ثم صدور أحكام بالسجن في حقه، أكدا أن الموقف التونسي غير قابل للمساومة.

في أغسطس الماضي، تعرض النظام لانتكاسة من النوع الثقيل، عندما تم رفض طلبه الانضمام إلى “بريكس” مقابل الموافقة على قبول انضمام مصر والسعودية والإمارات وإثيوبيا وإيران والأرجنتين، ووجد الرئيس تبون نفسه في موقف حرج أمام شعبه، بعد أن أكد في مناسبات عدة أن الجزائر ستكون ضمن المجموعة، انطلاقا من ثقته في مستوى العلاقات الوطيدة التي تربط بلاده مع تلك الدول.

◙ الموقف الإسباني شكّل منعطفا تاريخيا، وزاد من عزلة النظام الجزائري، لاسيما بعد قرار الولايات المتحدة الأميركية الصادر في 10 ديسمبر 2020، بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء

أثبتت تلك الانتكاسة أن النـظام الجزائري وقع في فخ البروباغندا التي يحيط بها نفسه وخاصة من حيث تعمده رفع سقف التوقعات عاليا في المسائل المتعلقة بدوره السياسي وحجمه الاقتصادي في محيطيه الإقليمي والدولي، وقد كان عليه الانتباه إلى أن نموذجي الحكم والاقتصاد المعتمدين لديه يحتاجان إلى الكثير من الإصلاحات لمواكبة العصر والانفتاح على العالم وتجنب سياسات التضليل الإعلامي وتضخيم الأرقام وتزوير المعطيات التي أصبحت جزءا من بنية عقل النظام.

كان النظام الجزائري يعمل مع حليفته جنوب أفريقيا على منع منظومة “بريكس” من قبول طلب المغرب الانضمام إليها، وهو لا يدري أنه سيقع في الجب، كانت الرباط مدركة لما يجري في الخفاء، لذلك تراجعت في آخر لحظة عن ترشيح نفسها، وتركت الرياح تعصف بالطلب الجزائري وترمي به في مفترقي المحيطين الهندي والأطلسي.

في 11 نوفمبر الجاري، كان من المفترض أن تحتضن الرياض القمة العربية – الأفريقية إلى جانب القمة السعودية – الأفريقية، لكن الجزائر عملت كل ما في وسعها لإلغائها أو الدفع بها إلى أجل غير مسمى، وذلك كرد فعل منها على رفض المملكة دعوة ما يسمى بالجمهورية الصحراوية إلى الحدث بوصفها عضوا في الاتحاد الأفريقي. اختارت السعودية الانحياز إلى موقف شقيقتها المملكة المغربية في سيادتها على أقاليمها الصحراوية الجنوبية، وللمرة الخامسة تقرر تأجيل القمة بعد أن كان النظام الجزائري يعتقد أن ضغوطه ستجدي في لي ذراع الرياض. النتيجة كانت المزيد من العزلة للجزائر، فيما كان أغلب القادة الأفارقة يجتمعون في ضيافة الملك سلمان وابنه ولي العهد في سياق سعودي – أفريقي لا مكان فيه لبوليساريو.

اتسعت دائرة العزلة التي تواجهها الجزائر بسبب تآمرها الدائم على الوحدة الترابية للمملكة المغربية لأسباب تاريخية وسياسية قديمة لم تعد تقنع المجتمع الدولي إلا بحسب المواقف المتوارثة من حقبة الحرب الباردة، وهو ما واجهته الرباط بقراءة براغماتية للأحداث، وبهجوم دبلوماسي كاسح، وبقدرة فائقة على إدارة التوازنات الإستراتيجية في العلاقات الدولية. وخير دليل على ذلك ما عبر عنه رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز في مارس 2022، من دعم لا لبس فيه للمبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي، وباعترافه بـ“أهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب”.

◙ النظام الجزائري كان ينتظر موقفا تركيّا ليستظلّ بظله، وليعلن من جديد عن موقفه الداعم للميليشيات الخارجة عن القانون وخاصة منها العقائدية المرتبطة بالإسلام السياسي

الموقف الإسباني شكّل منعطفا تاريخيا، وزاد من عزلة النظام الجزائري، لاسيما بعد قرار الولايات المتحدة الأميركية الصادر في 10 ديسمبر 2020، بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء.

كما أن أغلب الدول العربية تبدي وضوحا تاما في موقفها الداعم للوحدة الترابية للمملكة، وحتى الدول القليلة التي لم تعلن ذلك رسميا، فإنها لا تدعم نظام الجنرالات، ما عدا سوريا التي يبدو أنها تتجه لسحب اعترافها بدولة بوليساريو الوهمية.

ولعل آخر نماذج الفشل والعزلة، هو انسحاب الجزائر في اللحظة الأخيرة من ترشيحها لتنظيم كأس الأمم الأفريقية 2025 و2027، حيث تسبب هذا القرار غير المتوقع في خيبة أمل ومرارة لدى الرأي العام الجزائري، خاصة عندما تم منح تنظيم كأس الأمم الأفريقية 2025 للمغرب.

إن مظاهر عزلة النظام الجزائري لا تزال تتفاقم، وهو اليوم يحاول التعلق بأحد آخر خيوط الأمل في تجاوز تلك الحقيقة، وهو النظام التركي الذي يتعامل معه ببراغماتية قصوى سواء من حيث التبادل الاقتصادي والاستفادة من عزلة نظام الجنرالات في محيطه لتتحول تركيا بالنسبة إليه إلى متنفس سياحي وتجاري، أو من حيث سعي أنقرة لبسط نفوذ أكبر في دول الساحل والصحراء.

حاول نظام الجزائر الاستفادة من زيارة أردوغان، في فك عزلته، وتعمد فبركة خبر عن توافق بين البلدين حول قضية الصحراء، وذلك بهدف الاستغلال المحلي، لكن صورة الواقع مختلفة، فالموقع التركي يقترب أكبر من الموقف المغربي، وذلك نظرا لعدة مؤشرات من بينها أن البلدين يواجهان نفس المشكلة تقريبا، وكلّ منهما يدافع عن وحدته الترابية من حركات انفصالية قادمة من زمن الحرب الباردة.

9