"النسخ واللصق" من فيسبوك يورط صحيفة تونسية في تأجيج العنف الرياضي

خطأ أساء إلى نادي كرة قدم تونسي يثير سخرية وجدلا واسعا في البلاد.
السبت 2024/08/31
ضبط الخطاب ضرورة

تسبب خطأ في مقال رياضي ضمن صحيفة تونسية، يعزا إلى “النسخ واللصق”، بتأجيج العنف الرياضي؛ فقد اعتبره جمهور النادي الأفريقي إساءة واستهزاء غير مقبول، وهو ما دفع البعض إلى مهاجمة الصحافي كاتب المقال والاعتداء عليه بالإضافة إلى المطالبة بمقاضاة الصحيفة.

تونس - ضجت مواقع التواصل الاجتماعي والجمهور الرياضي في تونس بخبر نشر في صحيفة “المغرب” المحلية، تضمن ما اعتبر استهزاء وتهكما على النادي الأفريقي أحد أكبر الأندية في البلاد، ما تسبب في تأجيج العنف الرياضي وتعرض الصحافي الموقع باسمه المقال لاعتداء من “مجهولين”، رغم ترجيح الكثيرين أن خطأ الصحافي يعود إلى النسخ واللصق من فيسبوك دون التثبت.

واضطرت جريدة “المغرب” إلى نشر اعتذار عن الخطأ لجمهور النادي الأفريقي، حيث أصدرت بيانا قالت فيه “لقد ورد خطأ في عدد جريدة ‘المغرب’ ليوم الثلاثاء 27 أغسطس 2024 في الصفحة الرياضية رقم 21 حيث تم وضع برنامج المقابلات الخاصة بالدور الثاني لسباق كأس رابطة الأبطال من صفحة نشرت روزنامة المسابقة دون الانتباه إلى وجود ما يسيء إلى فريق بعراقة وتاريخ النادي الأفريقي وجماهيره”.

وأضافت الصحيفة في بيانها “وعليه تتقدم جريدة ‘المغرب’ بالاعتذار من النادي الأفريقي وجماهيره على أمل أن لا تتكرر مثل هذه الأخطاء، لذا وجب التوضيح والاعتذار”.

لكن الاعتذار لم يقنع جماهير النادي الأفريقي الغاضبة التي رفضت الاعتذار، واستمر الهجوم على الصحيفة في مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب أحدهم على فيسبوك:

فؤاد نيوز Foued News

حافظ “أوانس” نموذج لإعلام الـ ONAS

فليتحمل هو وجريدته الخرقاء مسؤوليتهما!

وطالب الكثير من جمهور الأفريقي بمعاقبة الصحيفة وكاتب المقال وتقديم دعوى إلى القضاء بهذا الخصوص، وأبدى أحدهم استياء من تأخر إدارة النادي الأفريقي في هذه الخطوة، وقال أحدهم:

Kahlaoui Sadok

منذ أن ظهرت على صفحة “المغرب” مقالة المدعو حافظ أوانس التي يسيء فيها إلى عملاق كرة القدم التونسية النادي الأفريقي واستفزاز جماهيره العريضة لم يخرج لنا الناطق الرسمي للنادي كي يوضح لجمهور الأفريقي ردة فعل إدارة النادي، والمتمثلة في تقديم شكوى إلى القضاء ضد الصحيفة وصاحب المقال…  وأنا أحد جماهير الأفريقي أكيد مستاء كثيرا من إدارة النادي التي لم تطلعنا على تحركها القانوني ضد الصحيفة وصاحب المقال المدعو حافظ أوانس.

المطلوب من السيد هيكل دخيل تقديم شكوى إلى القضاء فورا ودون تردد… كمحب غيور على جمعيتي مثل كل جماهير الأفريقي العريضة المتواجدة داخل تونس وخارجها أطالب بالإسراع بتقديم قضية إلى القضاء وإعلامنا فورا بكل الإجراءات المتخذة.

وقال آخر:

Nizar Ben Rejeb

ضروري رفع قضية ضد جريدة “المغرب” ورئيس قسم الرياضة وخاصة المدعو حافظ أوانس!

وأعرب عدد من الصحافيين عن تعاطفهم مع الصحافي الذي تعرض لعنف شديد:

Zmorda Dalhoumi

رغم تقديم جريدة “المغرب” اعتذارا رسميا إلى النادي الأفريقي وجماهيره العريضة الزميل حافظ أوانس يتعرض للعنف الشديد من قبل مجهولين عمدوا إلى إخراجه من السيارة والاعتداء عليه، وقد نقلته زوجته إلى المستشفى. وحالة هلع شديدة تصيب عائلته.

وقالت صحافية إن خطأ أوانس لا يمكن أن يكون مقصودا ويبدو أنه مجرد نسخ ولصق دون انتباه من قبله ولا يمكن قبول العنف الشديد الذي تعرض له مع عائلته بسبب هذا الخطأ:

Hajer Ben Hassen

إنْ تشتغل كثيرا تخطئ كثيرا… إن لم تشتغل أبدا لا تخطئ أبدا وتترقى في السلم الوظيفي. الزميل حافظ أوانس ارتكب خطأ فادحا لكنه يبدو غير مقصود، حتى المجنون لا يقدم عليه. من الواضح أن الزميل كان ضحية “نسخ ولصق” لبرنامج المباريات من صفحة دون التدقيق فيها وكان يمكن تفادي المشكل لو كان ثمة زملاء قرأوا المقال ودققوه. لكن في الحقيقة الكم الهائل من التشفي الذي لاحظته يفوق الخيال وأحيانا يطالبون بقطع رزقه وحتى بحبسه. ما الفائدة من ذلك؟ الله أعلم. فقط لإرضاء أنفسهم المريضة الأمارة بالسوء. لا حول ولا قوة إلا بالله، كل شخص منا معرض لارتكاب خطئ فادح في لحظة سهو، ولحظة القضاء فيها غفلة. نصبوا المشانق، والأدهى والأمر هو أن الزميل الذي تنكروا له ونكلوا به لديه عائلة وأبناء.

ودخل جمهور نادي الترجي المنافس للنادي الأفريقي على الخط لدعم الصحافي، وقال حساب”الترجي تاج فوق الرأس”:

كل الدعم للصحافي حافظ أوانس الذي يتعرض لهجوم شرس من الزناطير ويريدون تسريحه من العمل بدعوى أنه أساء إلى النادي الجبريقي. هل يُعقل أن تسعوا إلى قطع رزق الرجل يا صهاينة ويا مطبعين؟

وفتحت هذه الحادثة الباب للحديث عن الإعلام الرياضي في تونس الذي يعيش خلال الفترة الأخيرة -سواء من خلال القنوات الفئوية التابعة للأندية أو البرامج المحسوبة على هذه الأندية من خلال هوية وانتماء مقدميها- على وقع حالة من الصراع والمعارك التي تتجاوز الحد إلى التلميحات والتراشق والسباب الذي وصل إلى مرحلة حرجة قد تساهم في بث الفرقة وزيادة التعصب وربما يصل الأمر إلى حد الكارثة.

واستطاع الإعلام الرياضي خلال السنوات الماضية أن يهيمن على المشهد الإعلامي التونسي، إلا أن هذا القطاع رغم تعدد نجاحاته لا يزال رازحا تحت طائلة التهميش والتطفل ما جعله كرة تتقاذفها أهواء المسؤولين والجماهير. ويعاني قطاع الإعلام بصفة عامة من مشكلتين بارزتين هما الدخلاء والتهميش. لكن خصوصية الإعلام الرياضي تجعل من هاتين النقطتين عنصرين مكبلين للقطاع.

اعتذار صحيفة "المغرب" لم يقنع جماهير النادي الأفريقي التي رفضت قبوله، واستمر الهجوم على مواقع التواصل

وتستوجب خصوصية القطاع تكوينا نظريا يمكّن الإعلامي من دخول عالم المهنة لكن الواقع الميداني يبرز مدى نفاذ هذه الفئة من فاقدي التأهيل. ولئن اختلفت الآراء حول المشكلات التي يعرفها القطاع على خلفية أن لكل مجال مشكلاته -فالإذاعة تختلف عن التلفزيون وكذلك الصحافة المكتوبة- فإن الإجماع كان متمحورا حول ضرورة إبعاد الدخلاء والتسريع بسن تشريعات جديدة تمكن من هيكلة القطاع.

وهناك أسباب رئيسية لتفشي ظاهرة التعصب الرياضي أبرزها أن هذه القنوات لم تؤهل مقدمي برامجها وتدربهم على فهم معايير القيم الإعلامية وميثاق الشرف الإعلامي، فهم لم يتعلموا الالتزام الأخلاقي في العمل الإعلامي، ثانيا إذا خرج العمل عن المعايير الإعلامية لا يتم النظر إلى هذا الأمر واتخاذ موقف ضده.

ويلوم البعضُ الأنديةَ الرياضية نفسها، ويحملون المسؤولية الكاملة لرؤسائها وليس الشركات المالكة للقنوات، معتبرين أن الأندية هي التي يجب أن تؤهل نفسها أولا وتتعلم نبذ التعصب والعنف والخطاب الحاد، كما يجب أن يكون هناك دور قوي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مواجهة هذا الأمر وليس شرطا أن يكون من خلال العقاب أو إغلاق البرامج، بل يمكن علاج الأمر من خلال ندوات وحوار مجتمعي شامل، يعمل على نبذ هذه السلبيات من البرامج الرياضية.

ولا بد من إيجاد مناخ سليم لبث الروح الرياضية الكبيرة بين المنافسين، والعمل على ضرورة تنصيص قوانين وقرارات صارمة تعمل على إيقاف البرامج التلفزيونية مباشرة إذا خرجت عن الخطاب الإعلامي الجيد، ويتم اتهام هذه القنوات بالعنصرية وهو الأمر الذي يعلمه جيدا رؤساء القنوات، بأن القنوات الرياضية هي واجهة للأندية التي تعمل على إبراز قيم النادي ومبادئه للجمهور.

وكثيرا ما يوصي المشاركون في المؤتمرات الدولية بتفعيل دور وسائل الإعلام في نشر التوعية بغية مواجهة ظاهرة الشغب والتعصب والعنف الرياضي من خلال برامجها، والعمل على وضع ميثاق شرف إعلامي يهدف إلى سن معايير أخلاقية للعمل الإعلامي لاسيما على صعيد الإعلام الإلكتروني والإعلام الجديد.

وشددوا على الاهتمام بوضع مشروعات متكاملة في مجال تصميم المباني والمنشآت الرياضية تعمل على المزج بين التصميمات الهندسية والقدرات الأمنية، مع مراعاة التطورات التقنية في هذا المجال، ما يكفل تنفيذ الفعاليات الرياضية في جو من الأمن والاستقرار، وتوجيه البرامج التوعوية الأسرية والمدرسية والجامعية بشكل يكفل وضع برامج تحقق تنمية المواطن، وتسمح بممارسة الرياضة بعيدا عن التعصب الفكري.

كما أوصى هؤلاء بوضع برامج تطبيقية لترجمة نتائج الدراسات العلمية على الأصعدة الأمنية والنفسية والرياضية، بحيث تشمل تلك البرامج الدمج بين نتائجها والواقع العملي. 

5