النخلة منبع إلهام "عِذْق" للفنانة فوزية آل عثمان

المعرض يستلهم من شجرة النخيل العريقة ويمثل امتدادا لحالة وجدانية تنبض بجمال التفاصيل وسط صخب الحياة.
الاثنين 2025/05/12
استلهام للتراث والتاريخ

الدمام (السعودية) - "من صميم الطبيعة.. من النخل، الزهر، وكل عِذْق ممتد على الأرض كأنه يهمس للحياة ولدت فكرة ‘عِذْق‘، كانت الطبيعة هي ملهمتي الأولى، بتفاصيلها البسيطة والعميقة، بخطوطها المنحنية، برموزها المخزنة في ذاكرتي منذ الطفولة، كل تلك المشاهد المتراكمة، من سعف النخيل إلى حبات الرطب المتدلية، شكّلت بذرة هذه الفكرة".

هكذا عبرت الفنانة التشكيلية فوزية آل عثمان بمناسبة افتتاح معرضها الشخصي “عِذْق” في جمعية الثقافة والفنون بالدمام مؤخرا حيث قدمت خلاله 32 لوحة فنية بمقاسات وأحجام مختلفة، وافتتحت المعرض الفنانة التشكيلية شعاع الدوسري، ويستمر حتى الاثنين 12 مايو الجاري.

وتُعبر الفنانة فوزية في أعمالها بالأسلوب التجريدي كلغة بصرية تبرز من خلالها مشاعرها، وتجاربها المستلهمة من الطبيعة بسكونها ودهشتها.

أشجار النخيل جزء هام من التاريخ والتراث السعودييْن، حيث ارتبطت النخلة بكل تفاصيل حياة السعوديين اليومية منذ القدم، فأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم الاجتماعية والاقتصادية ومن نشاطهم الثقافي. وتصوراتهم الفنية، وهو ما يؤكده المعرض الجديد للفنانة آل عثمان.

 يُمثل التراث بكل صوره وعناصره مصدر إلهام رئيسي للفنانة التشكيلية السعودية وشجرة النخيل كانت منذ القدم من أهم مقومات الحياة في منطقة الخليج العربي، وسكان المناطق الصحراوية اعتمدوا عليها في معظم تفاصيل حياتهم، واستعانوا بها في تشييد معظم مرافق معيشتهم، وتعددت استخداماتهم لها لتشمل كل أجزاء النخلة.

المعرض يثبت أن جماليات شجرة النخيل كانت ومازالت مصدر إلهام للفنانين التشكيليين في السعودية وفي غيرها من بلدان العالم العربي

واستخدمت جذوع النخلة في صناعة العوارض؛ وهي أعمدة تستخدم لبناء المنازل القديمة التي عاش فيها الأهالي، كما استخدمت كأعمدة للخيام، وأحيانا كانت تُفلق إلى نصفين وتستخدم كحماية فوق أفلاج المياه أو الوديان الصغيرة، وقد تقطع إلى قطع صغيرة وتستعمل وقودا أو لتغطية أسقف المساجد والمنازل.

واستخدم السعف في الخيام وصنعت منه أيضا السفن الصغيرة التي كانت تستخدم في صيد الأسماك. كان الأجداد يستخدمون ساق النخلة في عملية بناء المنازل كما كان النجارون، قديما، يقطعون ساق النخلة لعمل الألواح الخشبية لاستخدامات متعددة.

وتتم الاستفادة من سعف النخيل في عمل العديد من الأدوات المنزلية مثل سفر الطعام، والسلال الخاصة بحمل الأغراض، والأمتعة والمراوح اليدوية وغيرها.

وأيضا يستخدم الجريد وهو الجزء الذي يتصل بسعف النخل في عمليات متعددة مثل بناء الحواجز وأماكن الاستراحة. كما يستفاد من الجمار وهو يؤخذ من داخل النخلة كغداء، كما كانوا يخلطون الطين بأجزاء من سعف النخيل ليعطيه نوعا من التماسك مثل الإسمنت؛ حيث تليّس بها الجدران فيعطيها منظرا جميلا ورائحة زكية عند نزول المطر.

النخيل إذن بكافة مكوناته ليس مجرد أدوات عابرة بل هو مكون أصيل ومحوري في مخيال السعوديين ومن هنا جاء اهتمام الفنانة به واستعادته في جل لوحاتها.

وركزت آل عثمان على النخلة التي تمثل رمزاً للثبات والعطاء في ثقافة المملكة، حيث جاءت المحصلة النهائية التي أخرجتها الفنانة من امتزاج الخطوط والألوان وكانت منبع إلهام قوي في تشكيل وإنتاج هذه المجموعة من الأعمال الفنية.

وأكدت الفنانة فوزية آل عثمان “أن ‘عِذْق‘ ليس مجرد اسم، بل هو امتداد لحالة وجدانية، تنبض بجمال التفاصيل التي قد نغفل عنها وسط صخب الحياة.”

وأضافت أن اختيار “عِذْق” يرجع لأنها الكلمة التي ترمز إلى لحظة نمو الأزهار عندما تمتد من الداخل إلى الخارج، حتى تلتقي في مستوى مشترك من التفتح والتكامل، وهذا المعنى العميق شكّل جوهر رحلتها الفنية.

Thumbnail

ولفتت آل عثمان إلى أن “عِذْق” رسم للوطن، لتحقيق رؤية المملكة 2030، “السعودية الخضراء”، ورسم أيضاً لكل متذوّق، ولكل كبير وصغير في السن، ولكل من يرى في الأفق مستقبلًا مشرقًا، أو يحمل في قلبه حنينًا لماضٍ جميل.

وأوضحت الفنانة أن “عِذْق” كلمة عربية تحمل دلالات عميقة وثرية. أصلها يُستخدم غالبًا للإشارة إلى عذق النخل، أي سعفة النخلة التي تحمل التمر، لكنها لا تقتصر على النخل فقط، فـ”العِذق” يمكن أن يُفهم أيضًا على أنه رمز للخير، والامتداد، والنماء، والارتباط بالجذور ما يجعله كلمة مُلهمة تعبّر عن: العطاء المستمر، الجذور، الهوية، الوفرة، النماء، والجمال الطبيعي.

وقدمت الفنانة في الختام شكرها الجزيل لكل من كان جزءًا من نجاح “عِذْق” وفي مقدمتهم جمعية الثقافة والفنون بالدمام لاحتضانها وإبرازها رحلتها الفنية التي قُدمت خلال معرضها هذا بأجمل صورة، ولكل من حضر من الأصدقاء والأهل ومحبي الفن.

يثبت المعرض الجديد “عذق” أن جماليات شجرة النخيل كانت ومازالت مصدر إلهام للفنانين التشكيليين في المملكة العربية السعودية وفي غيرها من بلدان العالم العربي، لما تضمه بين جنباتها من مفردات وصور تراثية، وعناصر غنية بكل ما يُلهم الفنانين التشكيليين؛ حيث جسدتها صور فنية متعددة.

تجدر الإشارة إلى أن الجمعية تقدم خلال الأسبوعين القادمة من شهر مايو عدة فعاليات ترتبط في: الفنون البصرية والأفلام والموسيقى والمسرح والفنون الأدائية من خلال الجلسات الإبداعية والحوارية والورش التدريبية وتختتم الشهر بتوقيع كتاب الكاتب المسرحي عباس الحايك.

13