النجاح العالمي للأفلام الإيرانية لا يخفي واقع سينمائييها المظلم

لا شك أن السينما الإيرانية نالت ترحيبا عالميا واسعا، وتوجت العديد من أفلامها بأهم الجوائز العالمية المرموقة، ومثل سينمائيوها علامات فارقة في تاريخ هذا الفن. لكن الوجه الخفي لهذه النجاحات الهامة هو ما يواجهه السينمائيون الإيرانيون من تضييق وقمع واعتقال واضطهاد في بلدهم، ما جعل أغلبهم يخيّر الرحيل، فيما انتهج البعض الآخر أساليب فنية أخرى تقوم على الترميز، بينما تواصل السلطات الضغط على مخرجي الأفلام ومنتجيها.
باريس - استنكر مخرجون وممثلون إيرانيون، بينهم المخرجان جعفر بناهي ومحمد رسولوف، في كتاب مفتوح الأحد اعتقال عدد من زملائهم في الأيام الأخيرة في إيران.
وكشف الكتاب المفتوح الذي نُشر الأحد على صفحة المخرج الإيراني محمد رسولوف الحائز جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عام 2020 عن فيلمه “ذير إز نو إفيل” (لا وجود للشر) أن الشرطة الإيرانية “فتشت منازل ومكاتب عدد من المخرجين وصادرت ممتلكات شخصية ومهنية ونفذت عمليات استجواب واعتقالات”.
التضييق والحظر والاعتقال
الكثير من السينمائيين يعانون الاضطهاد وهو ما تؤكده موجة جديدة من الاعتقالات لمخرجي الأفلام الوثائقية وغيرها
تتحدى السينما الإيرانية قيود النظام الذي يصر على قمع كل من يجرؤ على نقل واقع البلد الذي يشكو تضييقا في الحريات والإبداع. ويحقق مخرجون كثيرون نجاحات هامة خارج بلادهم فيما أعمالهم ممنوعة فيها على غرار المخرج أبوالفضل جليلي.
ولم يتمكن رسولوف من تسلّم جائزته وقتها بسبب منعه من السفر، إذ حُكم عليه في العام السابق بالسجن عاما واحدا بتهمة الترويج “لدعاية معادية للنظام” السياسي في إيران، لكنه لم يبدأ بعد تنفيذ العقوبة.
واعتبر الكتاب المفتوح أن القمع والرقابة يشكّلان “انتهاكاً لحرية التعبير” و”يقللان سلامة المخرجين إلى الحد الأدنى”.
وبدوره لم يخف المخرج الإيراني أبوالفضل جليلي، في تصريح سابق، استغرابه من منع سلطات بلاده عرض أفلامه رغم تحقيقها نجاحا عالميا كبيرا، لكنّ ذلك لم يثبط عزيمته، حيث سجل حضوره في مهرجان السينما الإيرانية في شانتيي قرب باريس.
وعزا جليلي في مقابلة صحافية الجفاء الرسمي الإيراني تجاه أعماله إلى “المسؤولين الذين لا يرتاحون لي”. ومع ذلك “إذا أراد المرء فهم إيران، عليه متابعة أعمالها السينمائية لأنها تمثل روح هذا البلد”.
ولم تُذكَر أسماء المعتقلين في الكتاب الذي وقعه أيضا المخرج جعفر بناهي الفائز بالدب الذهبي عام 2015 عن “تاكسي طهران” والذي يواصل إنتاج الأفلام في إيران رغم المنع المفروض عليه.
ولم يصدر أي تعليق على هذا الكتاب من السلطات الإيرانية حتى الآن.
المنطقة الرمادية

محمد رسولوف يطلق كتابا مفتوحا حول قمع السينمائيين
على صعيد نشر الإنتاجات الثقافية الإيرانية تعتمد الجمهورية الإسلامية سياسة ملتبسة، إذ أن الرقابة ليست صارمة في كل الأحيان، وبعض السينمائيين يحظون بدعم رسمي كبير وتفاخر طهران بتقديم أعمالهم، فيما يواجه آخرون حظرا في بلدهم.
وبعض المخرجين الآخرين يقبعون في منطقة رمادية، إذ يكال لهم المديح أحيانا فيما يواجهون الحظر في أحيان أخرى أو يتم الترويج لأعمالهم فقط في الخارج.
والسينما لم تبدأ في إيران مع وصول آية الله الخميني وحزبه الإسلامي المتشدد (أي أنصاره) إلى السلطة ثم انفرادهم بها، فقد كانت السينما الإيرانية مزدهرة أيام الشاه. ولا يصلح القول إن المخرج عباس كياروستامي هو أبو السينما الإيرانية الحديثة وإلا لأغفلنا المؤسسين الحقيقيين الذين كانوا روادا في تطوير الفيلم الإيراني ومنحه طابعا حداثيا مع تعبيره عن الثقافة الإيرانية الحقيقية بطريقة يمكن للمشاهدين الإيرانيين أن يفهموها ويستوعبوها.
إن مؤسسي السينما الإيرانية الحديثة (أو الموجة الجديدة) هم داريوش مهرجوي ومسعود كيميائي وهازير داريوش وناصر تقواي وسهراب شهيد سالاس وبارفيز كيميائي وبهرام بيزاي. هؤلاء المخرجون كانوا يعملون في زمن الشاه، وكانوا يصنعون أفلاما دخلت تاريخ السينما في إيران والعالم مثل “البقرة” (1969) لداريوش مهرجوي، و”داش أكول” و”الحصان” و”رحلة الحجر” لمسعود كيميائي، وهناك أيضا هازير داريوش الذي يرى نقاد السينما الإيرانية أن فيلمه “جلد الثعبان” (1966) الذي اقتبسه عن رواية “عشيق الليدي تشاترلي”، كان البداية الحقيقية لحركة السينما الإيرانية الجديدة.
وحافظ نظام الخميني على استمرارية السينما في إيران ولكن في ظلّ قيود رقابية مشددة جديدة تتعلق بالملابس وظهور الممثلات واستبعاد معظم أنواع الأفلام (الموسيقية والعاطفية والبوليسية.. إلخ) بدعوى الالتزام بالشريعة. لكن موجة أخرى من الأفلام النقدية، التي تستخدم الرمز والإشارة وتكثر من إبراز الأطفال بديلا عن النساء، ظهرت. وظلت العلاقة بين السينمائيين والسلطة علاقة شدّ وجذب، ولقي الكثيرون العنت والاضطهاد وفضّلوا العمل خارج البلاد أو الصمت في الداخل.
وأفاد موقع “إيران واير” الإخباري الذي يبث من خارج إيران بحدوث “موجة جديدة من الاعتقالات لمخرجي الأعمال المسرحية والأفلام الوثائقية”.
وأضاف الموقع أن “مخرجتي الأفلام الوثائقية مينا كيشافارز وفيروز خسروفاني اعتقلتا في منزليهما في التاسع من مايو الجاري”، مشيراً إلى أن مذكرتي توقيف صدرتا بحقهما.
ودرجت أكبر المهرجانات السينمائية الدولية على اختيار أفلام إيرانية لإدراجها ضمن مسابقاتها وعروضها، وغالباً ما تحصل هذه الأعمال على جوائز مرموقة.