النبيذ الفرنسي في مواجهة غوغل وأمازون وأبل وفيسبوك

دخل النبيذ الفرنسي في تقاطع نيران الحروب التجارية المتزايدة يوما بعد يوم، والتي قاسمها المشترك تذمر الإدارة الأميركية من السياسات التجارية لعدد كبير من دول العالم، في ظل عدم استعداد أي منها للرضوخ لإملاءات واشنطن.
باريس – أثار تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستهداف صادرات النبيذ الفرنسي إلى الولايات المتحدة، قلق باريس، التي سارعت إلى الإعلان عن رغبتها بالتوصل إلى اتفاق مع واشنطن بشأن الضرائب التي فرضتها فرنسا على عمالقة التكنولوجيا.
وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير إن باريس تريد التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة قبل قمة دول مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في أواخر الشهر المقبل، بشأن الضرائب على الشركات الرقمية العملاقة.
وجاء موقف الوزير ردا على مهاجمة ترامب يوم الجمعة للضريبة الفرنسية على شركات الإنترنت العملاقة والتي أقرها البرلمان الفرنسي في الأسبوع الماضي.
وكان ترامب قد تحدث مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي وقال إنه أخبره بأنه يشعر بقلق من ضريبة الخدمات الرقمية المقترحة. ووصف القرار بأنه “حماقة” وهدد بفرض رسوم مضادة على النبيذ الفرنسي.
وأضاف أنه يعتقد أن “النبيذ الأميركي أفضل من الفرنسي… رغم أنني لا أشرب النبيذ” وأن انطباعه ذلك مبني على الشكل واللون. وذكر أنه قال للفرنسيين “لا تفعلوا ذلك لأنكم لو فعلتم فسوف أفرض ضريبة على نبيذكم”.
وكتب ترامب على موقع تويتر “إذا كان لأي أحد أن يفرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الكبرى (ومعظمها أميركية) فينبغي أن يكون ذلك من طرف بلدها، الولايات المتحدة”. وأضاف “سنعلن قريبا عن إجراء مضاد كبير ردا على حماقة ماكرون”.
وقال وزير الاقتصاد الفرنسي خلال مؤتمر صحافي في باريس “نأمل العمل بشكل وثيق مع أصدقائنا الأميركيين حول الضرائب الشاملة على الأنشطة الرقمية من أجل التوصل لاتفاق قبل موعد قمة رؤساء دول مجموعة السبع في بياريتز في فرنسا نهاية الشهر المقبل”.
وعبر عن استغرابه لربط ترامب بين الضرائب الرقمية وفرض رسوم على النبيذ. وقال إنها “ليست سياسة جيدة”. ودعا إلى وضع مسألة “الرسوم” جانبا لأنها أمر “مختلف جدا”.
وتعد الولايات المتحدة أكبر سوق منفردة لصادرات النبيذ والخمور الفرنسية والتي تعدّ ثاني أكبر صادرات البلاد. وقد استأثرت لوحدها بربع تلك الصادرات في العام الماضي بقيمة بلغت نحو 3.6 مليار دولار.
وكان الرئيس الفرنسي قد أكد أنه تحدّث “مطولا” مع ترامب يوم الجمعة. وأعلن على هامش زيارة لمدينة بورم لي ميموزا الفرنسية “سوف نواصل العمل معا في مجموعة السبع. سنتحدث عن مواضيع الضرائب الدولية ومواضيع التجارة ومواضيع الأمن المشترك”.
ويأتي تصعيد ترامب ومعارضته الشديدة للضرائب الفرنسية على شركات التكنولوجيا، رغم أنها حظيت بإجماع خلال قمة مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية الشهر الماضي، حيث تضمن البيان الختامي توافقا على تحرك عالمي موحد لفرض تلك الضرائب.
ويبدو أن تذمر ترامب نابع من تحرك فرنسا الأحادي الجانب، حيث سبقت باريس جميع الدول إلى فرض تلك الضرائب، رغم استمرار المداولات في الاتحاد الأوروبي لفرض ضريبة موحدة على عمالقة الإنترنت.
وأعلنت بريطانيا أيضا عن خطط لفرض مثل تلك الضرائب، التي أصبحت تشغل الكثير من دول العالم بسبب عدم دفعها لأي ضرائب تذكر مقارنة بالشركات المحلية، التي تعاني من عدم قدرتها على المنافسة.
وذكّر لومير أن الهدف هو التوصل لاتفاق بهذا الشأن على مستوى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قبل نهاية عام 2020.
وأشار أيضا إلى أن الضريبة الفرنسية على الشركات الرقمية العملاقة لا تستهدف الشركات الأميركية فقط، رغم إطلاق اسم “غافا” عليها وهي الأحرف الأولى لأسماء شركات غوغل وأمازون وفيسبوك وأبل.
ونفى وجود أي نية “لاستهداف الشركات الأميركية” مشيرا إلى أن “الشركات المتعددة الجنسية أميركية وأوروبية وصينية تقوم بأنشطة رقمية، أحيانا من دون وجود مادي على أراض معينة، ولا تدفع إلا القليل من الضرائب”.
وأضاف أن “هذا الوضع غير مقبول ومن مصلحتنا المشتركة أن نتوصل إلى ضريبة عادلة على الأنشطة الرقمية في العالم”.
وتنص الضريبة الرقمية الفرنسية على أن تدفع الشركات نسبة 3 بالمئة من الإيرادات التي تجنيها داخل فرنسا، خصوصا تلك التي تحققها من الدعاية على الإنترنت وبيع البيانات لأهداف إعلانية والعمليات التجارية عبر مواقع الإنترنت.
ويجمع الخبراء إلى أن تداعيات هيمنة شركات الإنترنت والتجارة الإلكترونية بدأت تحدث تغييرات خطيرة في نشاط شوارع المدن والنشاطات المرتبطة بها وفي سوق العمل، بعد أن أصبحت توفر معظم السلع من الملابس إلى الأجهزة المنزلية وصولا إلى المواد الغذائية.
وتشكو شركات مبيعات التجزئة التقليدية من أنها ضحية منافسة غير عادلة لأن شركات التجزئة عبر الإنترنت لا تدفع الكثير من الرسوم والضرائب التي تترتب على المتاجر التقليدية.
وتعاني الكثير من الدول من تراجع حصيلة الضرائب بسبب اختفاء المبيعات عن رقابتها بسبب اتخاذ شركات مبيعات الإنترنت والتجارة الإلكترونية مقرات في ملاذات ضريبية أو بلدان تمنحها إعفاءات كبيرة.
وتسعى دول كثيرة للحد من تهرب شركات التكنولوجيا العابرة للحدود من الضرائب من خلال حصولها على تسهيلات غير قانونية، الأمر الذي يقلص إيرادات الحكومات والسلطات المحلية من الضرائب.