الناقد الصحفي والمجاملات وتراجع الوعي أفقدوا النقد مكانته

نقاد وكتاب سوريون: غياب النقد خطر على الثقافة.
الثلاثاء 2022/04/05
حين يصمت الناقد يفسد الأدب (لوحة للفنانة سندس عبدالملك)

انتهت العلاقة الإشكالية بين النقد والإبداع إلى طلاق بائن، خاصّة بعدما استعلى النقد على الإبداع، واتّهم المبدعون الناقد بالغموض والتباهي بالمصطلحات الغريبة؛ التي دفعت القارئ إلى البحث عن البديل، فيما احتج النقاد بتردي المنجز الذي لا يمكن التأسيس عليه، وهي خصومة يبدو أنها أضرت بالأدب بشكل لافت. وتميزت سوريا على امتداد تاريخها بتجارب نقدية مميزة، وفي ما يلي رصد لمآلات الساحة النقدية السورية راهنا.

دمشق – لطالما اتهم النقد الأدبي في العالم العربي بأنه خاضع للشللية، أي أن يعلي “الناقد” من شأن المقرّبين منه أيديولوجيا أو فكريا أو اجتماعيا، ولو كان نتاجهم لا يرقى إلى الدرجة الصفر من الكتابة؛ أو لقانون العرض والطلب، أي أن يثيب النقاد من يجزل لهم العطاء، أيا ما تكن صيغته، بمقالات مدحية تنزّل المعطي منزلة الفحول. بل إن ثمة من هو متخصص في بعض الأسماء، من تلك التي تدفع بسخاء، ولا يكتب في الغالب إلا عنها.

وأما النقد الأكاديمي، الذي يفترض فيه أن يتوسّل بمناهج نقدية من ابتكاره لتفكيك الأثر الأدبي والوقوف على جوانب القوة والضعف فيه، فهو في عمومه يعاني بدوره من هنات كثيرة رغم أهميته.

النقد ضروري

يتهم النقد الأدبي الأكاديمي غالبا بأنه منشغل بذاته، يبحث في مدونة القدماء عن نظريات نقدية قد تصلح لمقاربة الأدب الحديث؛ أو أنه آثر اقتفاء خطى السابقين ليمعن في تكريس من لم يعد في حاجة إلى تكريس، ويعيد إنتاج ما كتب عمن صاروا من الأعلام؛ أو هو مفتون بالمناهج الغربية يَلوث مصطلحاتها بغير بيان، ويجهد في فرضها على نصوص من بيئة غير البيئة التي وضعت لها.

النقد المعاصر يحاكي في بعض اتجاهاته مناهج ونظريات غربية إلا أنه لم يشكل مناخا ثقافيا ونقديا عاما

ولم يخرج النقد الأدبي في سوريا منذ نشأته مطلع القرن العشرين عن كونه إبداعا فوق إبداع من خلال أسماء أدبية كبيرة حملت لواءه وسارت به جنبا إلى جنب مع الأدب ليحمل الراية من بعدهم نقاد أكاديميون ومتخصصون حققوا ريادة عربية ولاسيما مع عقد السبعينات، ولكن رغم البدايات المهمة والمؤثرة عربيا فإن واقع النقد في سوريا تغيّر في السنوات الأخيرة.

تغير المشهد الأدبي لاسيما بعد الحرب التي شهدتها سوريا، وبالتالي تراجع معه المشهد النقدي، كما نرى من خلال آراء عدد من المختصين في هذا الشأن.

يجد الناقد نذير جعفر الذي ظل مقررا لجمعية النقد الأدبي في اتحاد الكتاب العرب لثلاث دورات أن النقد المعاصر لدينا يحاكي في بعض اتجاهاته مناهج ونظريات غربية إلا أنه لم يشكل مناخا ثقافيا ونقديا عاما.

ويعول مؤلف كتاب “بنية الخطاب السردي” على دور النقد في النهوض بالأدب لأنه لم يعد ملحقا سطحيا له ووظيفته انتقلت من شكلها الكلاسيكي إلى ضرورة الوعي الفلسفي بالعصر وبالأدب وأجناسه وشروط تحققه عبر منظومة نظرية جمالية فكرية يتحاور في ضوئها الناقد مع النصوص ويحاول أن يكشف عن أنساقها ويستبطن أعماقها ودلالتها ورسالتها.

وقريبا من وجهة نظر جعفر تصف الناقدة ريما دياب النقد الأدبي بأنه فن وإبداع يقوم على تفسير وتأويل وتحليل الأعمال الأدبية بغرض الكشف عن مواطن الجمال وتقويم نقاط الضعف فيها، لافتة إلى أن الناقد ليقوم بهذه الوظائف لا بد أن يمتلك أدوات تمكنه من قراءة النص والولوج إلى عالمه الخفي بحيث يقرأ ما لا يقرؤه القارئ.

وحول واقع النقد الأدبي في سوريا تقول دياب “نشهد اليوم غيابا للنقد الحقيقي عن الساحة الثقافية فكثيرا ما نجد احتفاء بالشعراء أو الأدباء ولكن لا نجد نقدا للنصوص وتقويما لها، وهذا بدوره يشكل برأيها خطرا على الثقافة وخاصة مع ما نشاهده على صفحات التواصل الاجتماعي التي تطلق أشخاصا يدعون النقد وهم لا يمتلكون معرفة أو ثقافة نقدية”.

الناقد الصحفي

الملاحظ في السنوات الأخيرة انتشار الكتابات الصحفية السطحية التي تدعي النقد، وهي مقالات سريعة وعارضة، فيها من المحاباة قدر كبير، وفيها من النزوع إلى تصفية حسابات سابقة أو لاحقة ما يجعل الدارس حذرا مما يقف عليه من أحكام، إذ عادة ما يتجاوز التعريف بالأثر وإحلاله موقعه من المنجز الأدبي، إلى التشهير بصاحبه ووصمه بما ليس فيه، أو مدحه بما لا يستحق، لاعتبارات مزاجية ونفعية، وغالبا ما يكون الموقف من الأثر المنقود متسما بالاِنطباعية والاِرتجال.

ولا تخفي دياب، مدرسة النقد العربي القديم في جامعة دمشق مخاوفها من ظهور المجاملة والمحاباة والعلاقات الشخصية والمصالح الذاتية على الساحة النقدية وهذا برأيها يسهم في تضليل وظيفة النقد الحقيقية في حين يجب أن تسود الثقة بين المبدع والناقد الذي يجب أن يكون أكثر اطلاعا لكي يستطيع الإحاطة بالمنجز الأدبي من خلال سعة معرفته أولا ومن ثم يأتي الذوق تاليا.

أما الأديب منذر يحيى عيسى رئيس فرع طرطوس لاتحاد الكتاب وصاحب التجربة التي جمعت الشعر والدراسة النقدية، فيؤكد أيضاً على عملية الثقة بين المبدع والناقد وتوسيع الأخير لمعارفه لكي يحيط بالعمل بحيادية مع عدم مراعاة العلاقات الشخصية.

هناك مخاوف يبديها الكثيرون من هيمنة المجاملة والمحاباة والعلاقات الشخصية والمصالح الذاتية على الساحة النقدية العربية

والنهوض بعملية النقد يستدعي من القائمين عليه كما يؤكد عيسى دقة الملاحظة ومن ثم تليها خطوات أخرى من تفسير النص ومن ثم الحكم على القيمة.

وفي معرض الحديث عن واقع النقد الأدبي اليوم تعرب الشاعرة والأكاديمية زينب حسين، المدرسة في المعهد العالي للغات، عن اعتقادها بأننا نعيش أزمة نقد أدبي اليوم ولكن لا بد من مراجعة لواقع النتاج الأدبي والثقافة الذي يعاني من تراجع دور المراكز التي خرجت لنا أهم النقاد، وتشدد على ضرورة تفعيل دور الجامعات وتطوير ما يقدم فيها من مواد وبرامج لتوجد نقادا في ظل التطور المعرفي والثقافي.

وتبدي معدة برنامج مبتدأ الكلام الذي يتناول سير حياة مبدعين أسفها لطغيان الناقد الصحفي على الأدبي في الساحة الثقافية لأن الأول ينظر للنص نظرة وصفية بعيدة عن التحليل الحقيقي فيما على الناقد أن يبحث في النص من دون النظر لصاحبه.

13