الناصرية "المتمردة" تقلق راحة منظومة الحكم في العراق

يرفض أهالي الناصرية التسليم بواقع مدينتهم المتدهور، والخضوع للمحاولات الدؤوبة لتكميم الأفواه عبر استخدام أساليب القوة والترهيب، وهو ما يفسر التحركات الاحتجاجية المستمرة في المدينة الواقعة جنوب العراق والتي عادة ما تنتهي بمواجهات دامية مع قوات الأمن على غرار المواجهات الأخيرة التي استخدمت فيها الذخيرة الحية.
الناصرية (العراق) - تشهد مدينة الناصرية من محافظة ذي قار في جنوب العراق هدوءا حذرا، بعد أيام من وقوع مواجهات بين محتجين وقوات الأمن أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
ويرى مراقبون أن عودة الهدوء إلى الناصرية لا تعني نجاح حكومة محمد شياع السوداني في احتواء الأزمة، في ظل حالة الاحتقان السائدة في المدينة، التي يطالب أبناؤها بضرورة محاسبة قتلة المتظاهرين وتقديم تعويضات للجرحى في المواجهات الأخيرة.
ويحذر المراقبون من عودة الاحتجاجات بزخم أكبر، لاسيما مع استمرار الرهان على المقاربة الأمنية، دون وجود إرادة سياسية حقيقية لمعالجة جذور الأزمة المتمثلة في تحسين واقع المدينة والكف عن ملاحقة النشطاء المعارضين.
وسقط ثلاثة قتلى ونحو 23 جريحاً الأربعاء، إثر اشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين طالبوا بإسقاط التهم عن الناشط حيدر الزيدي، الذي صدر حكم يقضي بسجنه ثلاث سنوات بتهمة الإساءة إلى “الحشد الشعبي”، كما طالب المحتجون بإسقاط التهم “الكيدية” عن نشطاء آخرين، وتنفيذ تعهدات سابقة بتوزيع قطع أراض سكنية على جرحى التظاهرات التي شهدتها المدينة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وتعد الناصرية مركزا رئيسيا لاحتجاجات تشرين التي انطلقت في أكتوبر 2019 ردا على تردي الخدمات وغياب فرص العمل، واتسعت تلك الاحتجاجات لتشمل أغلب المحافظات العراقية، وانتهت باستقالة حكومة عادل عبدالمهدي.
وعلى الرغم من نجاح المنظومة السياسية الحاكمة في احتواء حراك تشرين في باقي أنحاء العراق، رفض أهالي الناصرية الاستسلام وأصروا على مواصلة الضغط لتحقيق مطالبهم.
ويقول المراقبون إن لامبالاة السلطة السياسية، واعتمادها التسويف والمماطلة في الاستجابة لمطالب أبناء المدينة “المنتفضة”، مع إصرار هذه السلطة على انتهاج المقاربة الأمنية في معالجة الأزمة، ستبقي شعلة الحراك موقدة في المدينة.
وكشف مصدر أمني مطلع الجمعة عن صدور أوامر باعتقال رجال أعمال في محافظة ذي قار، على خلفية الأحداث الدموية الأخيرة التي شهدتها الناصرية.
وذكر المصدر لوكالة شفق نيوز المحلية أن “أوامر القبض صدرت من القضاء، بحق أكثر من 20 شخصية في المحافظة، من بينها 9 رجال أعمال ومقاولين في الناصرية”.
وأكد المصدر أن “أوامر القبض تمخض عنها اعتقال رجلي الأعمال علي الشامي وعلي الخرسان، بتهمة الحضّ على التظاهرات الأخيرة، إضافة إلى رئيس هيئة الاستثمار السابق في ذي قار حميد الحصونة”.
وأوضح أن “رجل الأعمال علي الخرسان يشغل حاليا منصب رئيس غرفة تجارة ذي قار”، مؤكداً “نقل المعتقلين إلى مركز احتجاز سري لإكمال الإجراءات التحقيقية معهم”.
وكان رئيس الوزراء العراقي أمر في وقت سابق بإعادة العمل بلجنة تقصي الحقائق للكشف عن قتلة المتظاهرين وتعويض الجرحى في الأحداث الأخيرة في الناصرية.
ووفقاً لبيان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء صدر الجمعة، فإنه “استناداً إلى توجيهات السوداني، تمت إعادة العمل بلجنة الأمر الديواني (293)، الخاصّة بتقصّي الحقائق عن قتلة المتظاهرين وتعويض جرحى التظاهرات”، مشيراً إلى أنّ “اللجنة باشرت أعمالها فعلياً مطلع الأسبوع الماضي”.
وكان رئيس الحكومة السابقة مصطفى الكاظمي قد شكّل لجنة لتقصي الحقائق، من أجل متابعة ملف سقوط قتلى وجرحى من المتظاهرين في الناصرية، لكن هذه اللجنة لم تحقق نتائج ملموسة.
ويبدي نشطاء في المدينة “المتمردة” تشاؤما حيال جدوى لجنة التحقيق التي أعلن عنها السوداني، مشيرين إلى أن الإعلان عن مثل هذه اللجنة في كل مرة الغاية منه امتصاص غضب الشارع لا غير.
واعتبر المتحدث باسم ذي قار أبوالحسن البدري أن ما حصل من أحداث في المحافظة “نتيجة خطأ من قبل القوات الأمنية، تسبب في سقوط عدد من الضحايا”. وقال في تصريحات لوسائل إعلام محلية إنّ “محافظ ذي قار سبق أن وجه كتباً رسمية لقادة الشرطة، حذر فيها من استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين”، مؤكداً “نحن لسنا مع القتل”.
وشدد على أنّ “حكومة ذي قار لن تتهاون مع من يدعم هذه الفوضى، وسيُحاسَب المقصرون”، واعداً بأنّ “نتائج التحقيق ستعلن خلال الـ24 ساعة المقبلة”.
من جهته ذكر النائب عن المحافظة علاء الركابي أنّ “إنجاز التحقيق في أحداث التظاهرات في ذي قار سيتم قبل عرض النتائج”. وقال الركابي لوكالة الأنباء العراقية (واع) “طلبنا من اللجنة أن تستشهد بشهادات الجرحى وعائلات الضحايا الذين سقطوا خلال التظاهرات، وأن تُتابع الكاميرات الموجودة”، مبيّناً أنّ “اللجنة من المحتمل أن تنجز عملها اليوم (الجمعة)”.