الناتو يتبنى سياسة فضائية لمواجهة التهديدات الروسية

أعلن حلف شمال الأطلسي تبنيه سياسة فضائية لمواجهة التهديدات الروسية المتنامية، في خطوة اعتبرها كثيرون تمهيدا لعسكرة الفضاء رغم نفي الحلف ذلك، فيما يتوجّس قادة الحلف أنفسهم من سعي الولايات المتحدة منفردة إلى تأسيس قوة عسكرية فضائية تدفع بهم إلى الهامش.
بروكسل - قال أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، إن التكتل العسكري تبنى أول “سياسة فضائية” له على الإطلاق، لتطوير إطار لمواجهة التهديدات التي تستهدف البنية التحتية الفضائية الحيوية، مثل الاتصالات والأقمار الاصطناعية الخاصة بالملاحة.
وكتب ستولتنبرغ على موقع تويتر أثناء اجتماع لوزراء الدفاع في بروكسل، “اتخذ الناتو اليوم خطوة أخرى مهمة في ما يتعلق بالمواءمة، من خلال الموافقة على أول سياسة فضائية لنا”.
وتهدف السياسة إلى تنسيق الجهود بين أعضاء الحلف لمواجهة التحديات الناشئة في الفضاء. ولا يهدف التحالف إلى تطوير القدرات الفضائية الخاصة بالحلف.
وقال الأمين العام للحلف في اليوم الأول للمحادثات الوزارية التي تستمر ليومين “لا نعتزم إضفاء الطابع العسكري على الفضاء”.
ويعتمد حلف الناتو بصورة متزايدة على تكنولوجيا الفضاء، مع استخدامات تتراوح بين الاتصالات العسكرية والملاحة إلى جمع المعلومات الاستخباراتية. ومن الممكن أيضا استخدام الهجمات على الأقمار الاصطناعية في وقت الحرب بهدف شل الأنشطة اليومية، مثل المدفوعات غير النقدية أو إدارة حركة المرور.
وأمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنشاء “قيادة عسكرية للفضاء”، وهي عبارة عن هيكل تنظيمي جديد داخل البنتاغون ستكون له السيطرة الكاملة على العمليات العسكرية الفضائية.
وستكون القيادة الجديدة منفصلة عن هدف ترامب ببناء فرع جديد تماما للجيش يسمى “قوة الفضاء”، ولكنها يمكن أن تكون خطوة في ذلك الاتجاه.
وقال في مذكرة لوزير الدفاع السابق جيمس ماتيس “بما يتماشى مع قوانين الولايات المتحدة، أوعز بإنشاء قيادة الولايات المتحدة الفضائية لتكون قيادة قتالية موحدة فاعلة”.
وشدد على أن هذه الخطوة ضرورية للتصدي للثغرات في الفضاء وتأكيد الهيمنة الأميركية في هذا المجال. لكن إنشاء هذه القيادة لا يزال يتطلب موافقة الكونغرس، ولقي مفهومها بعض التشكك من المشرعين ومسؤولي الدفاع الذين يخشون من ارتفاع التكاليف والبيروقراطية.
ويقسّم الجيش الأميركي الهائل العالم إلى قيادات مختلفة مثل القيادة الوسطى في الشرق الأوسط، والقيادة في الهند والمحيط الهادئ في آسيا. وستكون قيادة الفضاء الجديدة على نفس مستوى هذه القيادات.
وستحتاج القيادة الجديدة إلى مقر جديد وقائد ونائب قائد، يحتاج تعيينهما إلى موافقة مجلس الشيوخ.
وفي عام 2008، اقترحت روسيا والصين إبرام معاهدة لمنع أي أسلحة في مدار الأرض وما أبعد منها، ومنع الهجمات ضد الأجسام في الفضاء. ومع ذلك، قاومت دول غربية مثل هذه المعاهدة الملزمة قانونا، فيما تؤيد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات غير ملزمة.
ويبرز تقرير صدر مؤخرا عن جهاز الاستخبارات الأميركي كيفية نظر الولايات المتحدة إلى هذه البرامج، لاسيما تلك الخاصة بروسيا والصين اللتين تشكلان تهديدا مستقبليا.
ومازالت هذه القوة الفضائية، التي تتطلب موافقة الكونغرس، بعيدة، لكنها ليست ضربا من الخيال. ويبدأ مشروع القوة الأميركية بإنشاء وكالة للتطوير الفضائي بعدما بدأت بالفعل القوات الجوية الأميركية في العمل على مركزها للفضاء والصواريخ، وهو القطاع الذي سيكون نواة لبناء الوكالة المشتركة للتطوير الفضائي.
وسيتم تكوين قوة عمليات الفضاء التي ستزود المقاتلين الأميركيين بخبرات عن الفضاء والتأكد من إتاحة كافة إمكانيات وخبرات القوة الفضائية وقتما اقتضت الظروف الطارئة. ويمكن أن تتنقل الحرب الدائرة بينهم اليوم من الأرض إلى الفضاء، لتتحول أفلام هوليوود إلى واقع قد يأتي في وقت أقرب مما يتوقعه الناس.
وعلق بن ريلي سميث، محرر الشؤون الأميركية في صحيفة ديلي تلغراف في تقرير قائلا، إن الرئيس الأميركي نقل معاركه إلى الفضاء بعدما أطلق برنامج “حرب النجوم” الفضائي الجديد، مشيرا إلى أن ترامب يحول الفضاء إلى “مسرح جديد للحرب”، فيما كتب مايكل إيفانز، أن الولايات المتحدة قلقة من تحول ميزان القوة في العالم.
ويقول الخبير في الشؤون العسكرية كيلي موزكامي، إن وجود هذه القوة والجدوى من إنشائها مازالا يشكلان لغزا غامضا للكثيرين، مضيفا أنه للنظر في كيفية تبرير المؤيدين للقوة الفضائية، من المفيد النظر إلى خصوم الولايات المتحدة المحتملين، وخاصة منهم روسيا والصين، وما تدعي الحكومة الأميركية أنهم يفعلونه في الفضاء.
وتعتبر روسيا خصم الولايات المتحدة الأساسي في مجال القوة العسكرية الفضائية. ويمتد تاريخ هذا التنافس إلى أيام الحرب البادرة. وتعتبر وكالة الفضاء الروسية من أكثر وكالات الفضاء نشاطا. كما تمتلك البلاد أجهزة فضائية خارجية نشطة.
ولم يرسل الاتحاد السوفييتي روادا إلى القمر، ولم يطلق مركبة فضائية قابلة لإعادة الاستخدام مثل المكوك الفضائي، ولكنه كان أول بلد يرسل رجلا إلى الفضاء (وعلى عكس الولايات المتحدة، يمكن لروسيا فعل ذلك اليوم). كما أطلقت روسيا محطَة “مير” الفضائية المأهولة، وحامت في المدار لمدة 15 سنة. وأطلقت هذه المحطة سنة 1996، قبل إطلاق محطة الفضاء الدولية سنة 1998.
ويمكن اعتبار الاتحاد السوفييتي أول من قام بعسكرة الفضاء، مع محطة ساليوت 3، التي أُطلقت سنة 1974، وزودت بالعديد من حساسات الاستطلاع، وأجريت اختبارات على متنها لمدفع طائرة حقق أهدافه. وتواصل روسيا إلى اليوم تجاربها الفضائية.
ويتابع البنتاغون بحذر نوايا روسيا. ويرى أن البرنامج العسكري الروسي المضاد لقوات الفضاء موجه إلى الولايات المتحدة مباشرة.
ويشير تقرير لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، الذي نشر في فبراير 2019، إلى أن “روسيا تنظر إلى اعتماد الولايات المتحدة على الفضاء كنقطة ضعف للقوة العسكرية الأميركية، والتي يمكن استغلالها لتحقيق أهداف ضدها”.
وتتبع روسيا أنظمة لتحييد أو رفض الخدمات الفضائية الأميركية العسكرية والتجارية، كوسيلة لموازنة ميزة عسكرية أميركية متطورة. كما تقوم بتطوير مجموعة من الأسلحة المصممة للتدخل أو تدمير أقمار خصومها الصناعية.
ومن المرجح أن تطارد روسيا أقمار نظام التموضع العالمي، المكون من 30 قمرا اصطناعيا (24 قمرا مفعّلا و6 أقمار احتياطية) والذي يعمل تحت إشراف الجيش الأميركي، والأقمار الاصطناعية العسكرية “ميلستار” (ثمانية) والأقمار الاصطناعية التابعة لنظام الاتصالات الفضائية للدفاع (سبعة) إضافة إلى العشرات من الأقمار الاصطناعية التي تستعمل في الاستطلاع والمراقبة، والتي ترسل تحذيرا عند إطلاق صواريخ.
وقادت موسكو جهودا لتطوير تقنية التشويش على نظام تحديد المواقع. وتمكنت من تعطيل عمل نظم المدمرة الأميركية دونالد كوك في البحر الأسود عبر مجمع التشويش الإلكتروني. كما يمكن أن تتداخل روسيا مع الأقمار الاصطناعية لتعبث بقدرتها على تمرير الرسائل بين القوات الأرضية، ويمكن أن تمنع خصومها من استخدام الأقمار الاصطناعية المخترقة.