المُسيرات تنقذ محاصيل المغرب العربي من آثار المناخ

مطالبات بتوسيع استخدامات التقنيات المتقدمة لإدارة الحقول لتقليص التكاليف وزيادة الإنتاجية.
الاثنين 2023/12/04
رحلة جديدة نحو رقمنة الزراعة

عززت دول المغرب العربي جهودها لتطوير القطاع الزراعي من أجل زيادة إنتاج المحاصيل من خلال اللجوء أكثر إلى الاعتماد على الطائرات المسيرة لإدارة الحقول بهدف التأقلم مع موجة الجفاف التي اجتاحت المنطقة خلال السنوات الأخيرة ولا تزال مستمرة.

نابل (تونس) - اكتسب استخدام الطائرات المسيرة لإجراء مسح للأشجار وتحديد كميات الماء والأسمدة اللازمة لها اعتمادا على تقنيات حديثة دورا متزايدا في الزراعة في منطقة المغرب العربي المهددة بالتغير المناخي.

وتعد درجات الحرارة المرتفعة وقلة الأمطار أهم تحديين تواجههما الزراعة في دول المنطقة، وخاصة تونس والمغرب والجزائر وليبيا، إذ تصنّف هذه البلدان ضمن الـ33 الأولى في العالم المعرّضة لشح المياه وفقا للمعهد الأميركي للموارد العالمية.

ويدفع ذلك الوضع مستثمرين في الزراعة للجوء تدريجيا إلى تقنيات حديثة لحماية محاصيلهم. ويقول خبراء إن العمل بها ستكون له فوائد على كفاءة عملية الإنتاج في المستقبل، كما أنها تساعد على ربح الوقت في معرفة مكامن الخلل في الحقول.

وفي حقول ولاية (محافظة) نابل بشرق تونس، يخرق سكون الطبيعة هدير محرك مسيّرة وهي تحلّق لجمع معطيات من الصور التي تلتقطها ومن المستشعرات المنتشرة بين أشجار الحمضيات، ومن صور الأقمار الاصطناعية.

إيمان الهبيري: اللجوء إلى التقنيات الحديثة في الزراعة بات أمرا حتميا
إيمان الهبيري: اللجوء إلى التقنيات الحديثة في الزراعة بات أمرا حتميا

وبعد إجراء مسح شامل في الحقول يتمّ تحليلها وإعداد تقرير يقدّم للمزارعين ليكون بمثابة دليل توجيهي للوضع في حقولهم.

وتتولى الشركة التونسية الناشئة روبوكير المتخصصة في هذه التكنولوجيا، التي أطلقت نشاطها منذ العام 2020، مهمة الإسهام في مساعدة المزارعين.

وتقول مؤسستها إيمان الهبيري لوكالة فرانس براس بينما تراقب مسار الطائرة على شاشة كومبيوتر في الحقل إن “اللجوء إلى التكنولوجيات الحديثة في مجال الزراعة أصبح أمرا حتميا”.

وتبيّن الهبيري “من خلال الاعتماد على التكنولوجيا يمكن أن نصل إلى تقليل نسبة استهلاك كميات المياه بحوالي 30 في المئة وكذلك التخفيض بواقع 20 في المئة من مصاريف الأدوية والأسمدة، مقابل زيادة الإنتاجية بنحو 30 في المئة”.

ويطرح خبراء الشركة الكثير من الأسئلة على أصحاب الحقل الذي يمتد على مساحة 15 هكتارا، للحصول على معلومات أساسية بشأن نوعية التربة وطرق الريّ وأنواع الأمراض التي تصيب الأشجار وكمية المبيدات، لمقارنتها بما يتحصلون عليه من صور الأقمار الاصطناعية.

ولاحقا، يقدمون للمزارع توصيات بشأن ما يجب القيام به على المديين القريب والبعيد لحماية المحصول والزيادة في إنتاجيته.

واستعان مسؤول الحقل في نابل ياسين القرقوري بالشركة لخفض التكاليف. ويوضح لفرانس برس أن “80 في المئة من المصاريف تشمل شراء الأدوية والأسمدة بالعملة الصعبة وهذا يؤثر على الميزانية. ونريد الحد من ذلك”.

ويعزو سبب ارتفاع الإنفاق إلى عدم انتظام المناخ لأن البلاد أصبحت تشهد “درجات حرارة مرتفعة خلال شهر مايو وأمطارا خلال شهر أغسطس ما يساهم في تنامي الأمراض الجديدة”.

وأشار إلى أن ذلك الأمر يتطلب في كل مرة تغيير طرق المعالجة. وفي السابق كانت هناك طريقة واحدة، لكن الوضع تغير.

ويريد المزارع المستثمر كذلك أن يستبق تراجع الموارد المائية في بلاده من خلال “التكنولوجيا التي تقدم لنا معلومات حول كم يلزم من ماء لكل شجرة دون زيادة أو نقصان”.

وتشهد تونس ثامن عام من الجفاف والرابع تواليا، بحيث تراجعت نسبة امتلاء السدود التي تمثل المصدر الأساسي لمياه الشرب والري إلى مستوى 22 في المئة، فضلا عن أن 20 سدا غالبتيها بجنوب البلاد خرجت عن الخدمة.

ولا يختلف الوضع كثيرا في باقي دول المغرب العربي. ففي المغرب حيث تمثل الزراعة 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و14 في المئة من الصادرات و33 في المئة من الوظائف، تمر البلاد بموجة جفاف لم تشهد لها مثيلا منذ عقود.

ويقتصر استخدام التكنولوجيات الرقمية في القطاع الزراعي في المغرب حاليا على كبار المزارعين. ويستخدم ما يقرب من 3 في المئة من المنتجين الحلول الرقمية في أنشطة مختلفة في سلاسل الإنتاج.

والهدف هو تعميم هذه الخدمات على نحو مليوني مزارع بحلول العام 2030، وفق مديرة المركز الرقمي بوزارة الزراعة المغربية لبنى المنصوري.

وتشدد المنصوري على أن الطائرات المسيرة المستخدمة في عمليات ري الحقول “تستهلك أقل من 20 لترا من الماء لري هكتار واحد مقارنة بحوالي 300 لتر بالنظم التقليدية”، وفق دراسة مقارنة قامت بها الوزارة.

3

في المئة من المنتجين المغاربة يعتمدون على الحلول الرقمية في أنشطة سلاسل الإنتاج

وفي الجزائر، تقوم وزارة الفلاحة عن طريق استخدام المسيّرات وصور الأقمار الاصطناعية بإعداد “خارطة وطنية للمواقع والقدرات الإنتاجية”.

ووفق تصريحات المسؤولين في الزراعة بالبلد النفطي ستسمح هذه الأساليب “بالاستغلال الأمثل” للمنتجات الزراعية من خلال تقييم خصائصها ومدى ملاءمتها للإنتاج.

غير أنه غالبا ما تصطدم المساعي لتعزيز حضور أوسع للتكنولوجيا في عمليات الإنتاج بعوائق إدارية وقانونية تحول دون تسهيل نشاط الشركات الناشئة في هذا المجال.

وتأمل الهبيري من الحكومة التونسية أن تساعدها وغيرها من أصحاب الشركات في تكثيف الحملات التوعوية للمزارعين بضرورة توظيف التكنولوجيا. وهي تقدّر بأن 10 في المئة فقط من المزارعين في تونس يعتمدون تقنيات كهذه.

وفضلا عن ذلك تطالب بأن تكون المسائل الإدارية “سلسة” في ما يتعلق بالحصول على تراخيص استعمال المسيّرات.

وكذلك الحال في المغرب والجزائر حيث يمنع استخدام الطائرات المسيّرة من دون تراخيص يتطلّب الحصول عليها الانتظار لمدة زمنية قد تطول، من دون أن يضمن ذلك نيل الموافقة.

وتؤكد الهبيري “نريد أن نركز في عملنا على التكنولوجيا لا أن نهدر الوقت في المسائل الإدارية والتنقل بين الإدارات والبنوك ما يعيق تقدمنا”.

10