الميليشيات تتجنّب قصف قاعدة فيكتوريا الأميركية حفاظا على مصالحها الحيوية في مطار بغداد

حسابات ذات صلة بمصالح إيران في العراق تقتضي من الميليشيات التابعة لها النأي بمطار بغداد الدولي عما تسميه طهران وميليشياتها “مقاومة” للوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق، نظرا لما يحتوي عليه هذا المرفق السيادي العراقي من مصلحة حيوية اقتصادية وأمنية للفصائل الشيعية ومشغّلها الأصلي الحرس الثوري الإيراني.
بغداد - تتجنّب الميليشيات الشيعية التي تعلن انخراطها في “مقاومة” الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية قصف قاعدة فيكتوريا بمطار بغداد الدولي رغم أنّها أقرب إليها من قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار وقاعدتي حرير ومطار أربيل في إقليم كردستان، وقاعدة التنف في سوريا.
وخلال المرات القليلة التي وجهت فيها تلك الفصائل صواريخها صوب القاعدة حرصت على سقوطها خارجها، أو داخل القسم التابع للقوات العراقية في إطار تصفية حسابات معها، ولتجنّب إلحاق أي ضرر بالقوات الأميركية والمعدّات التابعة لها.
وترجع مصادر عراقية ذلك إلى حرص الميليشيات، التي كثّفت خلال الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق استهدافَها بالصواريخ والطائرات المسيرة لمواقع تمركز القوات الأميركية في العراق وسوريا، على توجيه الصراع مع الولايات المتّحدة بعيدا عن المطار الذي يحتوي على مصالح حيوية أمنية واقتصادية لها ولحليفتها إيران.
وتوضّح المصادر أنّ الميليشيات تحتفظ بحضور بارز لها في المطار من خلال توظيفها لعدد كبير من العملة والموظّفين التابعين لها في مختلف مصالحه الإدارية ومرافقه الخدمية والأمنية، ما يتيح لها فرض رقابة دقيقة وعلى مدار الساعة للحركة في المطار بما في ذلك حركة المسافرين من خلال جمع البيانات من ذاكرات كاميرات المراقبة وتحليلها وتقاسم محتواها مع ممثلين للحرس الثوري الإيراني.
وكان تحقيق استقصائي أميركي قد كشف في وقت سابق أنّ إيران بذلت جهودا استثنائية لاختراق المطار والسيطرة عليه من خلال أكثر الميليشيات ارتباطا بحرسها الثوري، كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.
وقال الكاتب الأميركي مايكل نايتس، في التحقيق الذي نشره مركز أبحاث مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأميركية في وست بوينت بنيويورك، إن الميليشيات التي تدعمها إيران تمكنت في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبدالمهدي من الاستحواذ على الكثير من العقود المهمة في مطار بغداد الدولي بعد تعيين القيادي في منظمة بدر علي تقي مديرا للمطار (أعفي لاحقا من قبل رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني بسبب تردي الخدمات وانتشار الفوضى في المطار).
وفي عهد عبدالمهدي حصلت شركة تابعة للكتائب على عقد ضخم في مجال نقل الأمتعة بمطار بغداد يمتد لاثني عشر عاما وتبلغ قيمته عشرات الملايين من الدولارات سنويا.
وحاول حزب الله بعد ذلك الاستحواذ على عقد لتحديث صالتي ركاب في المطار لكنّ مصطفى الكاظمي الذي خَلف عبدالمهدي على رأس الحكومة أحبط ذلك المسعى وأوعز بإسناد العقد لشركة إقليمية متخصصة في تحديث المطارات وتجهيزها.
وتقول مصادر عراقية إنّ الحرس الثوري الإيراني تمكن من اختراق سلطة الطيران المدني العراقية عن طريق أذرعه المحليّة، مؤكّدة أن أجهزة استخبارية أميركية وأوروبية حذرت مرارا وتكرارا سلطات العراق من سيطرة الميليشيات على أجزاء من مطار بغداد، الأمر الذي أصبح يشكل خطرا على حركة الدبلوماسيين ورجال الأعمال وغيرهم من الموظفين والمواطنين الأجانب عبر المطار.
وتستخدم إيران الميليشيات الشيعية في خوض صراع بالوكالة ضد الولايات المتحدة على الأراضي العراقية والسورية. واستغلت اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية وأوعزت للميليشيات المرتبطة بحرسها الثوري بالتصعيد ضدّ مواقع تمركز القوات الأميركية في سوريا والعراق أملا في إرغامها على الرحيل.
وأصيب جنود أميركيون بجروح طفيفة في أحدث هجوم شنّته الميليشيات على قاعدة عين الأسد الجوية بغرب العراق.
وقالت القيادة المركزية الأميركية في بيان إن القاعدة تعرضت السبت للقصف بعدد من الصواريخ الباليستية وأنواع أخرى من الصواريخ أطلقتها فصائل مدعومة من إيران.
وللولايات المتحدة 900 جندي في سوريا و2500 جندي بالعراق في مهمة معلنة هي تقديم المشورة ومساعدة القوات المحلية على مواجهة فلول تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر في عام 2014 على مناطق شاسعة في كلا البلدين.
لكنّ إيران تدرك أن من أهداف الوجود العسكري الأميركي فر ض الرقابة على تحرّكات الميليشيات التابعة لها على المحور الممتد بين العراق ولبنان مرورا بالأراضي السورية.
وتحت ضغط الأحزاب والفصائل الشيعية ذات النفوذ السياسي والأمني الكبيرين في العراق، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بدء إجراءات لإخراج القوات الأميركية من البلاد، مثيرا خوف العديد من الجهات العراقية على مصالح حيوية تربط العراق بالولايات المتحدة وخصوصا منها المصالح المالية.
ومنذ تصاعد الحرب في قطاع غزّة تقصف الميليشيات مواقع تمركز القوات الأميركية مستثنية موقع قاعدة فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد.
واعتبر وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري أن مصالح الفصائل المسلحة تقف وراء عدم استهدافها للقاعدة المذكورة. وكتب زيباري، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي سبق له أن شغل أيضا منصب وزير للمالية في الحكومة الاتحادية العراقية، على موقع إكس أن الفصائل الحشدية العراقية تستهدف بكثافة قواعد التحالف العراقي – الدولي في أربيل وحرير في كردستان وعين الأسد في الأنبار والتنف في سوريا.
وأضاف موضّحا أنّ الفصائل ذاتها تتفادى استهداف قاعدة فيكتوريا في مطار بغداد لأنّ لديها مصالح تجارية ومالية ولوجستية قائمة هناك ولا تريدها أن تتضرر.
ويقول خبراء أمنيون إنّ لقاعد فيكتوريا أهمية قد تفوق مثيلاتها في باقي أنحاء العراق، كونها تقع في عاصمة البلاد وداخل المطار الذي يعتبر من أهم المواقع السيادية للدول على الصعيدين الرمزي والعملي. وتساهم القاعدة بشكل مباشر في تأمين السفارة الأميركية في بغداد وفي إيواء عوائل العدد الضخم من موظّفيها في مبان فاخرة توجد داخل القاعدة.
وتمتدّ القاعدة على مساحة تقارب الثلاثة كيلومترات مربّعة وتحوي مهبطا للطائرات المروحية والنفّاثة، وهي محاطة بسور أمني يحتوي على عدة أبراج مزودة بكاميرات مراقبة حرارية.