الميليشيات الشيعية تتقاسم دَورَيْ التهدئة والتصعيد بتوجيه من الحرس الثوري الإيراني

حركة النجباء تعلن مواصلة استهدافها لمواقع تمركز القوات الأميركية في سوريا والعراق.
السبت 2024/02/03
ارتباط النجباء بإيران لا يحتاج للمزيد من الأدلة

ارتباط الميليشيات المشكّلة لـ“المقاومة الإسلامية” في العراق ومن ضمنها حركة النجباء بالحرس الثوري الإيراني، يجعل من المستحيل أنّ يكون قرارها بالتهدئة والتصعيد قرارا ذاتيا بمعزل عن حسابات إيران التي تخشى شمولها بالرد الأميركي على مقتل الجنود في الأردن، وأصبحت توزّع الأدوار على تلك الميليشيات في ضوء تلك المخاوف.

بغداد - أعلنت ميليشيا حركة النجباء عدم التزامها بالتهدئة التي سبق أن أعلنت عنها كتائب حزب الله العراق شريكتها في الانتماء لـ”المقاومة الإسلامية” والمنخرطة معها في تنفيذ هجمات على مواقع تمركز القوات الأميركية في المنطقة، أسفر أحدها قبل أيام عن مقتل وجرح جنود أميركيين، وتوعّدت إدارة جو بايدن بالردّ عليه بكلّ قوّة.

وقالت الحركة التي يتزعمها أكرم الكعبي في بيان، إنّ “أي استهداف أميركي سيواجه برد يناسبه”، مؤكدة عدم توقّفها عن شنّ الهجمات “حتى تحقيق أمرين هما إيقاف العمليات على غزة وانسحاب الاحتلال الأميركي من العراق”.

واستبعد مطّلعون على الشأن الأمني العراقي أن يكون قرار النجباء ناتجا عن خلاف مع باقي الفصائل، وتحديدا كتائب حزب الله، بقدر ما هو متعلّق بتقاسم أدوار يقوم على المراوحة بين التهدئة والتصعيد للتأكيد بأنّ الفصائل تمتلك أكثر من خيار، وأنّ تهديد الولايات المتّحدة لها لا يؤثّر في قدرتها على مواصلة استهداف القوات الأميركية.

هوشيار زيباري: قرار إيران بتعليق عمليات كتائب حزب الله عاقل، لكنّه متأخر
هوشيار زيباري: قرار إيران بتعليق عمليات كتائب حزب الله عاقل، لكنّه متأخر

وأكّد هؤلاء أنّ الفصائل الأربعة المشكّلة لـ”المقاومة الإسلامية” وهي إلى جانب حركة النجباء، كلّ من كتائب حزب الله العراق وكتائب سيد الشهداء وميليشيا أنصارالله الأوفياء، خاضعة بشكل مباشر للحرس الثوري الإيراني ومؤطّرة جيّدا من قبله، بحيث يصعب أن يكون أي قرار يصدر عنها قد اتّخذ بشكل تلقائي من قبل قادتها العراقيين المباشرين ودون تلقي أوامر من ضباط فيلق القدس التابع للحرس الثوري والحاضرين على الميدان للإشراف على عمليات تلك الفصائل والتخطيط لها وتحديد أهدافها.

وعلى هذا الأساس، توجه الاتهام الأميركي بالمسؤولية عن العملية التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف القوات الأميركية في موقع “البرج 22” بالأردن رأسا إلى إيران.

وعلى نفس الأساس، اعتبر ساسة وقادة رأي عراقيون أن قرار كتائب حزب الله بالتهدئة هو قرار إيراني بامتياز هدفه امتصاص الغضب الأميركي وتخفيف حدّة الردّ على العملية، في ظل توقّعات بأن القوات الأميركية لا تستثني خيار استهداف مواقع داخل إيران ذاتها.

وقال هوشيار زيباري القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني إنّ  من “عين العقل والحكمة من الجمهورية الإسلامية الايرانية قيامها بتعليق عمليات كتائب حزب الله وسحب مستشاري الحرس الثوري من سوريا لامتصاص الصدمة، بعد هجمات الميليشيات على مصالح وأفراد أميركيين وقتلها ثلاثة أفراد وجرح ثلاثة وأربعين فردا في الأردن وعبورها للخط الأحمر”.

لكنّ زيباري الذي سبق له أن شغل منصبي وزير للخارجية وللمالية في الحكومة الاتحادية العراقية استدرك بالقول عبر موقعه في منصّة إكس، إنّ الخطوة الإيرانية متأخرة وإنّ الضربات الأميركية قادمة.

ووصف تلك الضربات المحتملة بأنّها “ستكون مختلفة وماحقة ضد محور المقاومة الإسلامية العراقية”.

وتحمل طهران على محمل الجدّ إمكانية أن يطالها الردّ الأميركي على مقتل وجرج الجنود في الأردن.

قرار كتائب حزب الله بالتهدئة هو قرار إيراني بامتياز هدفه امتصاص الغضب الأميركي وتخفيف حدّة الردّ على العملية

وفيما قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إنّ بلاده لن تبدأ حربا لكنّها سترد بقوة على كل من يحاول أن يستأسد عليها، بادر الحرس الثوري إلى اتخاذ خطوة استباقية تمثّلت في الشروع بسحب كبار ضباطه المنتشرين في سوريا للإشراف على عمليات الميليشيات هناك.

وقالت مصادر مطّلعة، إن قرار إيران سحب هؤلاء الضباط مدفوع بحرصها على ألا تنجر إلى صراع يحتدم في أنحاء الشرق الأوسط. وكشف أحد المصادر عن مغادرة قادة إيرانيين كبار سوريا مع العشرات من الضباط من الرتب المتوسطة، واصفا ذلك بأنه “تقليص لحجم الانتشار هناك”.

ونقلت شبكة سي.بي.إس نيوز في تقرير لها عن مسؤولين أميركيين قولهم، إنه تمت الموافقة على خطط لتوجيه ضربات على مدار أيام في العراق وسوريا ضد أهداف إيرانية.

وجاء التقرير بعد مرور أيام على بروز تكهنات بشأن الكيفية التي من المزمع أن ترد بها واشنطن على مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن في هجوم بطائرة مسيرة، وهم أول قتلى أميركيين يسقطون خلال تصاعد العنف في مناطق التوتر في الشرق الأوسط، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر الماضي.

واتهمت واشنطن فصائل مدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجوم الذي نفذته طائرة مسيرة على قاعدة للدعم اللوجستي تقع في الصحراء الأردنية عند الحدود مع سوريا.

طهران تحمل على محمل الجدّ إمكانية أن يطالها الردّ الأميركي على مقتل وجرج الجنود في الأردن

وكانت كتائب حزب الله قد أعلنت قبل أيام تعليق هجماتها ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا، وقالت في بيان إنّ قرارها جاء “منعا لإحراج الحكومة العراقية”، مضيفة القول “نحن اتخذنا قرارنا بدعم المظلومين في قطاع غزة بإرادتنا ودون أي تدخل من الآخرين، وسنستمر بالدفاع عن غزة بطرق أخرى”. وتضمّن هذا القول محاولة لتبرئة إيران التي يعلم الجميع أنّها هي المشغّل الأصلي للكتائب ولباقي فصائل “المقاومة الإسلامية” في العراق.

وعلى الجهة المقابلة، قالت حركة النجباء في بيانها الصحفي الجمعة، إنّها تحترم قرار كتائب حزب الله وتقدّره، لكنّها شددت على أنّ “المقاومة الإسلامية في العراق بفصائلها الأخرى مستمرة بقرارها حتى تحقيق مطالبها”.

وجاء بيان النجباء فيما يستعد الرئيس الأميركي جو بايدن لاستقبال جثامين الجنود الثلاثة الذين قضوا في الهجوم على القاعدة العسكرية في الأردن. وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، إنّ الولايات المتحدة سترد على مقتل وجرح جنودها في التوقيت وبالطريقة المناسبين. وأضاف مخاطبا الصحافيين “كونكم لم تروا أي رد في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة لا يعني أنكم لن تروا شيئا، فما سترونه أولا لن يكون الأخير”.

ولم يستبعد محلّلون أمنيون أن تكون ميليشيا النجباء قد تلقّت الأمر من إيران بتجديد الخطاب التصعيدي، بعد أن استكمل الحرس الثوري سحب عناصره المهمّين في سوريا وتأمين من بقي منهم هناك في العراق بشكل جيّد ضد أي ضربات أميركية محتملة.

وقال مصدر مطّلع إنّ الميليشيا ما كانت لتصعّد لو أنّ مشغّليها الإيرانيين ما زالوا عرضة للعمليات الأميركية الناجعة والدقيقة، مضيفا أن تهدئة ميليشيا حزب الله كانت عملية تكتيكية غير منفصلة عن محاولة الحرس الثوري الإيراني ربح الوقت لاستكمال التوقي إلى أقصى قدر ممكن من ضربات من شأنها أن توقع خسائر جسيمة في صفوف كبار قادته الميدانيين.

3