الموسوعة الحرة تقاوم حجبها من قبل الحكومة التركية

مؤسسة ويكيميديا تعتزم رفع قضية الموسوعة الحرة، ويكيبيديا، إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في إطار التزامها بالمعرفة وحرية الرأي والتعبير، باعتبارهما حقا أساسيا لكل إنسان.
السبت 2019/05/25
التزام مستمر بحرية الرأي

رفعت المنظمة التي تدير الموسوعة الحرة، ويكيبيديا، دعوى قضائية على الحكومة التركية أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بعد رفض أنقرة رفع الحجب عن موقعها. وأضافت أن ذلك الحظر، الذي فرض قبل عامين، ينتهك حرية التعبير، التي تكفلها المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية

أنقرة- بدأت الموسوعة الحرة على الإنترنت “ويكيبيديا”، الخميس، محاولة جديدة لرفع الحظر الذي تفرضه حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان عليها في تركيا منذ نحو عامين. ويتركز النزاع بين الطرفين على مقالتين كتبتا باللغة الإنكليزية بعنوان “التدخل الأجنبي في الحرب الداخلية السورية” و”الإرهاب المدعوم من الدولة”.

ورجّح ناشطون حينها أن يكون الدافع وراء قرار حجب ويكيبيديا، تحديثات أضيفت في الموقع تتضمن انتقادات لمستخدمين معارضين للنبذة الشخصية لأردوغان على الموقع بعد فوزه في استفتاء 16 أبريل 2017.

وذكر مدوّنون موالون للرئيس التركي أنه بعد الاستفتاء أضيف وصف “الدكتاتور” لأردوغان على الصفحة الرئيسية الخاصة به على ويكيبيديا. وقال المدير القانوني لـ”ويكيميديا”، ستيفين لابورت، إن الحكومة طالبت بإزالة الصفحتين “من دون أي شرح رسمي للأجزاء التي تدعي أنها غير قانونية”، مضيفاً أن “قواعد ويكيبيديا تسمح بإعادة تحرير المواد لأي مستخدم، طالما كان ذلك في إطار من الحيادية والدقة”.

وقالت المديرة التنفيذية لمؤسسة “ويكيميديا” غير الربحية التي تشرف على الموسوعة الحرة، كاثرين ماهر، في مؤتمر صحافي مشترك مع مؤسس “ويكيبيديا”، جيمي ويلز، إن المؤسسة تعتزم رفع قضية الموسوعة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ووفق بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، أشارت إلى أن المؤسسة خطت هذه الخطوة، في إطار التزامها المستمر بالمعرفة وحرية الرأي والتعبير، باعتبارهما حقا أساسيا لكل إنسان.

وقالت ماهر إن “الرقابة التركية لم تحرم فقط مواطني البلاد، البالغ عددهم 81 مليونا، يستخدم 70 بالمئة منهم على الأقل الإنترنت، من الوصول إلى المعلومات المقدمة عبر الموقع، لكنها أيضا قمعت أصواتهم من أن تكون جزءا من النقاش الدائر حول الموضوع”، مؤكدة أن “ويكيميديا” تقاتل لمواجهة هذا الأمر، لأن “الوصول إلى المعرفة هو أحد الحقوق الأساسية”.

الحجب من قبل السلطات التركية قلل الدخول على موقع ويكيبيديا التركية بنحو 80 بالمئة
الحجب من قبل السلطات التركية قلل الدخول على موقع ويكيبيديا التركية بنحو 80 بالمئة

ولجأت “ويكيميديا” إلى هذه الخطوة بعد استنفاد كل الخطوات داخل تركيا، مثل الإجراءات القانونية في المحاكم والمحادثات مع السلطات وحملات رفع الوعي. وفي يناير 2018، قالت ماهر إن ويكيبيديا قامت بإزالة المحتوى المغلوط الذي كان يربط تركيا بجماعات إرهابية بعد أن تم حظرها.

وأوضحت كاثرين أن جميع المواد التي طلب تغييرها أو حذفها والتي تتضمن إظهار تركيا بأنها تعاونت مع بعض الجماعات الإرهابية تم حذفها. وأضافت “آمل أن تكون تركيا جزءا من ويكيبيديا مرة أخرى لأن هذا البلد له تاريخ كبير وثقافة غنية جدا”. وفي تغريدة نشرتها عبر موقع تويتر، قالت ماهر “حان الوقت لإعادة ويكيبيديا إلى تركيا. الوصول إلى المعلومات حق أساسي”. واعتبرت ويكيبيديا أن خطوة الحظر التركي هي الأشد التي يتعرض لها موقعها المتخصص في نشر المعرفة بالعشرات من اللغات.

وفي عام 2018، بعثت المؤسسة الأم برسالة مفتوحة إلى وزير الاتصالات التركي، تشرح فيها طبيعة الموسوعة الحرة التي تتيح لكل شخص يعرف استخدام الإنترنت تحرير محتواها. وهذا يعني أن محتوى الموسوعة خاضع للتحرير المستمر في حالات مثل ورود معلومات لا تستند إلى مصادر موثوقة. وأشارت “ويكيميديا” إلى أن قرار الحظر لا ينظر إلى الخطوات التي اتخذها محررو الموسوعة المتطوعون لتعديل النص، محل الخلاف مع تركيا.

ويتولى أكثر من مِئتي ألف شخص تحرير وتحسين محتويات ويكيبيديا التي تتجاوز 50 مليون مقال عبر نحو 300 لغة. ومنذ عام 2015، تطبق كل اللغات المستخدمة في ويكيبيديا نظام التشفير إتش.تي.تي.بي.إس (HTTPS) وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة على الحكومات، أو أي طرف ثالث، لمعرفة أي صفحة بالضبط يشاهدها المستخدم، وهو ما يعني أيضا أن هذه الجهات لن تستطيع فلترة صفحات فردية، لكنها ستحتاج إلى حجب موقع ويكيبيديا wikipedia.org بالكامل.

وقال جون لوبوك منسق العلاقات العامة في منظمة ويكيبيديا في مقال على موقع ”أحوال” العام الماضي إن “الحجب من قبل السلطات التركية قلل الدخول على ويكيبيديا التركية بنحو 80 بالمئة لكن لا يزال الكثير من الأتراك يتمكنون من الدخول على الموقع عبر خوادم كسر الحجب مثل ‘بروكسي’ وعبر الشبكات الخاصة الافتراضية (في.بي.إن) VPN”.

الرقابة التركية لم تحرم فقط مواطني البلاد، البالغ عددهم 81 مليونا، يستخدم 70 بالمئة منهم على الأقل الإنترنت، من الوصول إلى المعلومات المقدمة عبر الموقع، لكنها أيضا قمعت أصواتهم

وأشار تقرير بجريدة نيويورك تايمز إلى وصول تركيا المركز الثالث عالميا لاستخدام الشبكات الافتراضية الخاصة VPN. وأطلقت “ويكيميديا” حملة على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان “نحن نفتقد تركيا” #We Miss Turkey. ويضم محتوى ويكيبيديا التركية 300 ألف مقال ويسعى القائمون على الموقع للوصول إلى مليون مقال بعد رفع الحجب. وكانت تركيا طلبت من ويكيبيديا فتح وكالة تمثيلية في البلاد، والامتثال للقانون الدولي ودفع الضرائب مثل الشركات الأخرى العاملة في البلاد.

ولا يقتصر تضييق الرقابة في تركيا على مصادر المعلومات والمعرفة، بل إن وسائل الإعلام في تركيا تعاني أيضا تضييق السلطات المستمر وإجراءات الوقف والمصادرة، بسبب نشر معلومات لا تتفق مع توجهات السلطة الحاكمة. فمنذ محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، وحتى الآن، أُغلقت أكثر من 175 وسيلة إعلام، وهو ما ترك أكثر من 12 ألفا من العاملين في مجال الإعلام بلا وظائف.

وقد حجبت تركيا خلال الأعوام الماضية مؤقتا بعض مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، في أعقاب احتجاجات كبيرة أو هجمات إرهابية. ووسعت الصين أيضا هذا الشهر الحظر الذي تفرضه على ويكيبيديا، ليشمل جميع اللغات التي تكتب بها، وأصبحت بذلك البلد الثاني بعد تركيا الذي يفعل ذلك. وكان موقع ويكيبيديا باللغة الصينية هو الوحيد المحظور، لكن الحظر الجديد شمل اللغات الأخرى أيضا.

19