"الموسوس" رواية تقدم الوسواس كمرآة لاضطراب الجيل الشاب

لندن – رواية “الموسوس” للكاتب السوري الكردي آلان كيكاني، وهي عمل سردي يضع القارئ أمام تجربة أدبية ونفسية شديدة الخصوصية، من خلال شخصية فتى مراهق يدعى صهيب، يعاني من اضطراب الوسواس القهري، في مواجهة مجتمع متدين ومحافظ، يخنق الفرد ويتوجس من أي اختلاف.
تدور أحداث الرواية، الصادرة عن منشورات رامينا في لندن، حول صهيب، وهو طالب متفوق في المرحلة الإعدادية، يعاني من نوبات شك ديني مفرطة، تبدأ من تفاصيل الصلاة والطهارة وتتحول تدريجيا إلى سلسلة وساوس مرهقة تسيطر على عقله وسلوكياته، مما يجره إلى الإحراج في المسجد، والعزلة في البيت، والاضطراب في علاقته بأمه وأصدقائه.
لا يجد صهيب ملاذا سوى في محادثات إلكترونية مع والده المغترب في الولايات المتحدة، أكرم، الذي سبق أن هجر دراسة الشريعة واتجه إلى الفيزياء وعلوم الفضاء، مما يجعله في نظر ابنه مشبوها في إيمانه، وربما كافرا، وفقا للقياسات الفقهية الصارمة التي بات عليها.
تبرز الرواية الوسواس القهري لا كمرض فردي فقط، إنما كأحد أعراض الانقسام الثقافي والذهني الذي يعيشه الجيل الشاب في المجتمعات المنغلقة، حين يصطدم برؤية حداثية للعالم لا يستطيع التفاعل معها.
تمثل الوساوس في الرواية شبكة سردية تفضي إلى مساءلة مفاهيم الطهارة، الإيمان، النية، والذنب، كما تظهر تأثير التربية القاسية والوعظ الأجوف على تكوين شخصية هشة تحاول أن تكون مثالية بأي ثمن.
يتنقل السرد بين الحوارات الداخلية، ومقاطع الحوار مع الأم، والمواجهات في المدرسة والمسجد، والرسائل الإلكترونية التي تكشف عن التباعد العاطفي والفكري بين الأب والابن. ويقدم كيكاني شخصيات أخرى تنسج خيوطا موازية حول الطفولة، الكبت، الانهيارات الصامتة، وأثر الحرب على العائلات السورية.
لا تتناول “الموسوس” الاضطراب كحالة مرضية معزولة، لكنها تكشف علاقته العميقة بالتدين القائم على الرهبة لا الطمأنينة، وتقدم نقدا مستترا للمؤسسة الدينية الشعبية، التي تحمّل الأطفال أثقالا أخلاقية لا تتناسب مع أعمارهم، وتزرع فيهم ذنوبا مستدامة تعيق تطورهم النفسي والوجداني.
تحمل الرواية، رغم واقعيتها، نفسا فلسفيا عميقا، وتطرح أسئلة وجودية معاصرة، خاصة حين يأتي السؤال الديني من طفل، يتساءل عما إذا كان أبوه لا يزال يصلي، وإذا ما كانت دراسته للفيزياء قد أخرجته عن الملة.
يقول الناشر حول الرواية “يجسد آلان كيكاني في هذه الرواية صراع الإنسان مع ذاته، حيث يصبح الشك في كل شيء حجر الزاوية الذي يقيد بطله صهيب، ويحوله من كائن يسعى إلى الطمأنينة إلى إنسان يغرق في دوامة من القلق والعجز عن إيجاد إجابات مقنعة.”
ويضيف “تتجاوز الرواية في عمقها فكرة الوسواس القهري كمرض نفسي، لتلقي الضوء على الجانب الروحي والفلسفي للصراع، وكيف أنها تمثل محاولة محمومة لتحقيق حالة من النقاء التام، سواء في الإيمان أو في السلوك، لكن المفارقة تكمن في أن هذا الجهد يعمق الشعور بالضعف والفشل، ويقود إلى متاهات غير مرغوبة.”
ويتابع “يثير الروائي نقاشا عن طبيعة الالتزام ومدى انسجامه مع الذات البشرية، كما يسلط الضوء على الفجوة بين الإيمان كفكرة والإيمان كممارسة. ويبرز مأساة العائلة التي تعاني بصمت من عواقب الاضطرابات النفسية لأحد أفرادها، حيث تتحول العلاقة بين الأم والابن إلى ساحة أخرى للمعاناة والشك المتبادل.”
“الموسوس” حكاية لعالم كامل من التساؤلات التي يطرحها الإنسان المعاصر حول ذاته، إيمانه، ومكانه في العالم. والوسواس تمثيل لشعور بالاغتراب عن الذات، حيث تتحول الطقوس اليومية مثل الصلاة أو الوضوء إلى معركة لا تنتهي.
لا يحاول كيكاني إدانة الوسوسة بقدر ما يفتح بابا لفهم أعمق لهذه الحالة النفسية والوجودية، ويترك القارئ في حالة من الترقب والتساؤل، ويوصل رسالة مفادها أن الشكوك جزء من تركيبتنا البشرية، لكن التحدي الحقيقي هو كيف نتعامل معها، هل نستسلم لها ونغرق في دواماتها أم نحاول مواجهتها والتصالح مع هشاشتنا؟ هل يمكن للإيمان أن يصبح عبئا؟ هل تتحول الطقوس التي يفترض أن تمنحنا السكينة إلى مصدر دائم للتوتر والقلق؟
وجدير بالذكر أن آلان كيكاني طبيب وجراح كردي سوري. ولد في حلب عام 1972. يعمل في المملكة العربية السعودية طبيبا مختصا في الجراحة العامة، كتب منذ عام 2004 العشرات من المقالات والخواطر والقصص القصيرة في العديد من الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية. من أعماله المنشورة في القصة والرواية: “قلب من ذهب”، “ليل ولات الطويل”، “مذكرات الملازم الطبيب” و”ليالي الرقة الحمراء”.