الموسم الزراعي مهدد في السودان مع تزايد خطر الجوع

تنامي المخاوف من تعرض أكبر مشروع لإنتاج المحاصيل في البلاد للمزيد من التهديدات بسبب استمرار الحرب.
السبت 2024/04/27
دعك من كمية المحصول، ماذا عن الأسعار؟

تسود مخاوف دولية من أن تؤدي الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عام بشكل أكبر إلى تزايد أعداد الجياع في البلاد، فضلا عن تضرر الأنشطة الزراعية التي عادة ما توفر سبل العيش لثلثي سكان البلاد، وباعتبارها مصدرا لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

الخرطوم - تتصاعد الاستغاثات الدولية منبهة إلى أن “التحرك الآن في السودان أصبح أمرا ملحا”، حيث يقترب موسم البذر، فيما صارت الكثير من المزارع مهجورة إثر “أكبر أزمة نزوح في العالم” نجمت عن الصراع، في أحدث تحذيرات الأمم المتحدة من استفحال الأزمة.

وبفعل الأزمات المتتالية الجاثمة منذ عقود، والتي تفاقمت مع تفجر الحرب في 2023 وسوء إدارة المسؤولين للوضع المتأزم، بات السودان غير قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الأغذية أو حتى تحفيز الزراعة، المجال الإستراتيجي للبلد.

وكانت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) قد حذرت هذا الأسبوع من أنه مع استمرار الحرب وانخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 40 في المئة واقتراب حوالي 5 ملايين شخص من حافة المجاعة، يحتاج السودان إلى دعم عاجل قبل موسم الزراعة في يونيو المقبل.

ويؤكد مدير مكتب الطوارئ والصمود التابع للمنظمة رين بولسن لفرانس برس أن “هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء السودان”. ويضيف أن “الوضع حرج بصفة خاصة في دارفور (غرب) وفي كردفان (جنوب)”.

وفي العام الماضي تمكنت فاو من الوصول إلى ما يزيد قليلا عن 5 ملايين فرد من خلال الأنشطة الزراعية الطارئة في 15 ولاية (محافظة) سودانية، وتتمثل خطة المنظمة هذا العام في الوصول إلى أكثر من 10 ملايين شخص.

رين بولسن: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل البلاد
رين بولسن: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل البلاد

ووفقا لأحدث التقييمات الصادرة عن المنظمات الدولية، يواجه حوالي 18 مليون سوداني، من أصل 47 مليون نسمة هم تعداد السكان، مستويات حادة من الجوع، وقد ناشدت فاو مؤخرا توفير نحو 104 ملايين دولار كمساعدات للبلاد.

ويوضح مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان إدي رو أن كمية الغذاء المتوافرة في دارفور، حيث يعيش ربع السكان، “أقل بنسبة 78 في المئة على الأقل مما كانت عليه في العام الماضي”.

ويحتاج السودان إلى ما بين 5.5 و6 ملايين طن من الحبوب لتغطية حاجته إلى الغذاء، حيث تعتمد مناطق الوسط على الذرة والشمال على القمح والغرب على الدخن.

وأقر تقرير أعدته الحكومة بتمويل من منظمة فاو، نشرته في وقت سابق هذا العام، بأن إنتاج السودان من الحبوب الموسم الحالي انخفض بواقع 46 في المئة على أساس سنوي، بسبب تأثير النزاع.

وذكر التقرير أن الإنتاج من الذرة والدخن لهذا العام بلغ نحو 4 ملايين طن، فيما يحتاج البلد إلى نحو 5.5 مليون طن، أي أن الفجوة في حدود 1.5 مليون طن.

وبالنسبة إلى القمح وصل حجم الإنتاج في نهاية مارس الماضي إلى 377 طنا، وهو أقل بنسبة 20 في المئة تقريبا من حجم إنتاج العام السابق، ما يدفع البلد الذي كان قبل 2011 يعد أكبر سلة للغذاء في المنطقة العربية، إلى الاستيراد لسد الفجوة.

وفي مطلع مارس الماضي حذر برنامج الأغذية العالمي كذلك من أن الحرب في السودان “يمكن أن تتسبب في أكبر أزمة جوع في العالم”.

◙ 6 ملايين طن الاستهلاك السنوي للبلاد من الحبوب، بينما 37 في المئة من الأراضي مزروعة

ولم يعد القطاع الزراعي، الذي كان يوفر أكبر عدد من فرص العمل في البلاد ويعتبر مخزن حبوب أفريقيا، سوى أراض محروقة.

ويؤكد رو لفرانس برس أن “60 في المئة من السودانيين يعتمدون على الزراعة لكسب الرزق، ولكن مع نشوب الحرب هجرت الكثير من العائلات مزارعها”.

وثمة خشية من أن يتعرض مشروع الجزيرة الواقع في منطقة سنار جنوب العاصمة الخرطوم لتهديدات أكبر كونه من الركائز الأساسية للاقتصاد والأمن الغذائي في بالبلاد منذ إنشائه، لما ينتجه من محاصيل مهمة تسهم في توفير غذاء السودانيين.

وفي ولاية الجزيرة المعروفة بخصوبة تربتها تظهر التقديرات خروج 250 ألف هكتار من الأراضي الزراعية من الخدمة، ما أدى إلى انخفاض بنسبة 70 في المئة في إنتاج السودان من القمح الذي كان يبلغ 800 ألف طن سنويا.

ويقول صالح عبدالماجد المزارع في أكبر مشروع مروي بالبلاد “نزحنا من قريتنا وليس هناك أفق لعودتنا الآن، فكيف نبدأ الموسم الزراعي؟”.

والمشكلة نفسها يواجهها حامد علي المزارع في قرية قريبة من مدني عاصمة ولاية الجزيرة والذي صرح لفرانس برس قائلا “نحن لا نستطيع الخروج من القرية، فكيف نصل إلى مزارعنا لنحضرها للموسم الزراعي؟”.

إدي رو: 60 في المئة من السودانيين يعتمدون على الزراعة
إدي رو: 60 في المئة من السودانيين يعتمدون على الزراعة

كما يؤكد محمد عبدالباقي، المزارع بالمشروع ذاته، أنه لا يستطيع كذلك “الوصول إلى الأسواق لشراء البذور أو الأسمدة أو الوقود للآلات الزراعية، بل لا نستطيع الوصول إلى أرضنا، وإن لم تتوقف هذه الحرب فلن نزرع”.

وفي مختلف أنحاء البلاد لا تزال 37 في المئة فقط من الأراضي مزروعة، وفق مركز الأبحاث “فكرة”، بسبب هذه الأوضاع. ففي ولاية القضارف شرق البلاد، على سبيل المثال، يقول محمد سليمان الذي يزرع الذرة هناك، وهي الغذاء الرئيسي للسكان، إن “غالبية الشركات التي لديها المدخلات الزراعية والأسمدة والمبيدات توقفت عن العمل”.

ويخشى رو من أن السودان في “سباق مع الزمن” لأن موسم الحصاد يبدأ في أبريل، وهذا العام “لدينا 41 في المئة أقل من الغذاء عن العام الماضي”.

ويشرح أن موظفي منظمات الإغاثة الإنسانية يتمكنون بالكاد من مساعدة “خمسة ملايين سوداني ينامون مساء كل يوم وهم جوعى” بسبب صعوبة التنقل ونقص التمويل.

ويوضح أن الاستحقاق المقبل هو شهر مايو القادم، حيث “يتعين أن نوفر خلاله للمزارعين الإمدادات الزراعية” التي يحتاجون إليها من أجل بدء موسم البذر في يونيو، في إشارة إلى البذور وعلف الحيوانات الذي توزعه منظمته.

وتعد هذه المساعدة حيوية في بلد توقف فيه الاستيراد والتصدير بشكل شبه كلي جراء توقف الحركة إلى الميناء الكبير الوحيد، وهو بورتسودان، إضافة إلى انهيار النظام المصرفي، ما يمنع المزارعين من الحصول على القروض أو تحويل الأموال اللازمة لممارسة نشاطهم.

وفي منتصف الشهر الجاري، عقب مرور عام على اندلاع الحرب، عقد اجتماع دولي في باريس أعلن في ختامه منح مساعدات قيمتها نحو ملياري يورو للسودان، علما أنه نصف المبلغ الذي طالبت به الأمم المتحدة.

11