الموت حبا أم النسيان

المرء لا ينسى حبه الأول. يكبر ويتعثر بالزمن غير أنه يعود إلى خطئه الأول باعتباره المعبد الذي تنبغي العودة إليه للصلاة.
السبت 2022/06/11
الموت ذروة العشق

في قصيدة الأطلال للشاعر إبراهيم ناجي التي غنتها أم كلثوم بيت يقول “فتعلم كيف تنسى/ وتعلم كيف تمحو”. كما لو أن الإنسان يملك القدرة على التحكم في ما يتذكره وما ينساه.

وهو أمر لا يمكن تأكيده واقعيا. النسيان يحدث بقوته الذاتية. لا يقرر الإنسان ما الذي يتذكره وما الذي ينساه.

هناك ما نتذكره غير أنه لم يقع إلا في أحلامنا وهناك ما ننساه وهو أمر لا يستحق النسيان. كم رغبنا أن لا نسمع مَن يقول لنا “لسه فاكر” كما لو أن أم كلثوم تفكر نيابة عنا.

وهي علاقة مريضة. فالمرء يتمنى أن ينسى أعداءه وبالأخص ذلك العدو الذي “ما من صداقته بد” ذلك من نكد الدنيا حسب المتنبي. ولكن ذلك ليس بالأمر اليسير، ينسى المرء أصدقاءه الذين أخفقوا في الصداقة ولكن أعداءه تظل أشباحهم تحيط به.

كل ذلك يمكن أن يشكل عذابا في الذاكرة. “واللي جوه القلب كان في القلب جوه/ رحنا وتغيرنا أحنا إلا هو” كان الشاعر أنسي الحاج قد استعمل ذلك البيت من أغنية أم كلثوم في قصيدة عن ستالين. غير مرة أردت أن أسأله عن تلك الحكاية لكنني أخفقت.

لا ينسى المرء حبه الأول. يكبر ويتعثر بالزمن غير أنه يعود إلى خطئه الأول باعتباره المعبد الذي تنبغي العودة إليه للصلاة.

ذات مرة قال لي الرسام العراقي شاكر حسن آل سعيد “لقد نسيت كيف أرسم. نسيت أنني كنت رساما“.

كان في بداية غيابه في ليل فقدان الذاكرة وكان قد بلغ يومها الخامسة والسبعين من عمره غير أن المرض قد تمكن منه. لم أكن يومها أعرف شيئا عن “الزهايمر“.

المرض نفسه لم يكن التفكير فيه مشاعا على المستوى العربي. كان ذلك حدثا مؤلما بالنسبة لي. غير أن هناك مَن يفكر في “نعمة النسيان”. أن تنسى لترتاح.

ذلك الصلح الداخلي الذي يتمناه كل الناس من أجل أن ينسوا.

كان عبد الحليم حافظ صريحا حين غنى “أهواك وأتمنى لو أنساك” ما الذي يمكن أن نكتشفه من هذه المعادلة المضنية؟

لا يخضع الحب لمعادلة الذاكرة والنسيان بل يتجاوزها إلى مرحلة يكون الحب فيها فكرة وجود كما يقول أبو الطيب “وعذلت أهل العشق حتى ذقته/ فعجبت كيف يموت مَن لا يعشق” فالموت ليس لحظة نسيان. إنه ذروة العشق. نموت بسبب الحب.

كان فيلم “الموت حبا” بطولة أني جيراردو قد أحدث صدمة في الوجدان العالمي حين وضع النسيان على طاولة النقاش.

20