الموانئ العربية وطريق الحرير الصيني.. شراكة تعيد صياغة التوازنات في المنطقة

خارطة الاستثمارات الصينية عبر طريق الحرير تتمدد من الخليج إلى المغرب.
الجمعة 2019/12/13
توجهات جديدة في عالم قوى متغير

توفر الممرات المائية والموانئ العربية مثل مضيق هرمز وقناة السويس وميناء طنجة وخليج عدن مزايا استراتيجية كبيرة للدول العربية، مع تصاعد أهميتها في ميزان العلاقات الدولية، خاصة بعد أن بلورت الصين مشروع طرق الحرير البحري الذراع البحرية لمشروع طريق الحرير الجديد والحزام الذي يمتد من الصين إلى الخليج العربي والبحر المتوسط مرورا بآسيا الوسطى، وغربي آسيا.

باريس - شكل الاهتمام بالقطاعات والموانئ البحرية العربية علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية العربية، فمن ناحية، تعتبر الصين المنطقة بمثابة بوابة لأفريقيا وأوروبا عبر الخليج العربي ومصر والمغرب، ومن ناحية أخرى تعتبر الدول العربية التجربة الصينية نموذجا فريدا في التنمية الاقتصادية.

وتحاول الصين في صعودها المستمر خلق قواعد تتعلق بتوسيع أسواق صادراتها، وتأمين طرق الملاحة والتجارة التي تصل عبرها صادراتها إلى الأسواق العالمية والحصول على وارداتها من المواد الخام. وصارت بذلك تنافس الولايات المتحدة في واحدة من أهم مناطق نفوذها الاستراتيجي.

وترتكز السياسة الصينية على عدة مداخل من أبرزها العامل الاقتصادي البحري، حيث يمثل أحد أبرز محددات العلاقات في مشروع الحزام والطريق. لذلك ارتفعت أسهم الموانئ البحرية العربية في أدبياتها الاستراتيجية إلى مراكز لوجيستية حساسة.

ويطرح هذا الأمر أسئلة حول مدى قدرة هذا المشروع على تغيير الديناميكيات التقليدية وصياغة توازنات جديدة في عموم المنطقة، حيث يمنح تعدد الفاعلين الدوليين الدول العربية مساحة أكبر للمناورة في إطار أسس جديدة لنظام عالمي بديل تقترح الصين أن يرتكز على خمسة أولويات: التنسيق السياسي، وربط البنى التحتية، وفتح القنوات التجارية، وتدفق التمويلات، والتواصل بين الشعوب، فهل يسترجع العرب والصينيون هذا الطريق بعد أن اختطفه الأوروبيون لأكثر من ستة قرون؟

طريق الحرير البحري

أولت الأدبيات الصينية موانئ الدول العربية اهتماما مركزيا في بناء طريق الحرير البحري. واتبعت كبرى الشركات الصينية أفق تطوير دبلوماسية الموانئ عبر تقسيم للأدوار بينها. تضطلع شركة كوسكو العملاقة للنقل البحري بالأدوار العملية، فيما تهتم شركة ميرشانت بالجوانب المالية، أما مجموعة شانغهاي الدولية للموانئ، فتهتم بالجوانب الاستكشافية.

وتصب جهود الشركات الصينية الثلاث في المساهمة في محاولة حصول بكين على نصيب الأسد في السوق الكبيرة التي تمثلها بوابة جنوب أوروبا وديناميكية الأسواق في كل من الخليج العربي وتركيا وغرب أفريقيا، فالسياسة الخارجية الصينية تتبع حتما في نهاية المطاف الاستثمارات الصينية.

ومن دول الخليج العربي إلى مصر مرورا بالجزائر وصولا إلى المغرب تم توقيع عدة شراكات ضمن مبادرة الحزام والطريق الجديد. كذلك، لا يمكن تجاهل دور الصين في تنفيذ مشروعات بنية تحتية وموانئ وطرق تربط الدول العربية، بعضها ببعض، وهو ما يبدو واضحا في الاهتمام البالغ بالاستثمار في الموانئ والمناطق الحرة (الكويت، الإمارات، مصر، تونس، الجزائر، المغرب).

ملامح الاهتمام الصيني

قناة السويس تحظى بأهمية كبيرة لدى الصين
قناة السويس تحظى بأهمية كبيرة لدى الصين

في حالة مصر، تحظى قناة السويس بأهمية كبيرة لدى الجانب الصيني، إذ يمر منها طريق الحرير الجديد. وقد تم توقيع اتفاقية إطارية بشأن ميناء عين السخنة مع ميناء تشينغداو وصندوق التنمية الصينيين. وحصلت شركة كوسكو الصينية على 40 بالمئة من محطة ميرسك في ميناء بورسعيد. وحصلت شركة الصين شيبينغ على 20 بالمئة من محطة دمياط. وستساعد هذه الاتفاقيات على استدامة وتأمين سلاسل الإمداد وتسهيل التجارة، خاصة بعد رفع البلدان شراكة التعاون بينهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية منذ عام 2016.

وشاركت الصين بفعالية في مشروع تنمية محور قناة السويس من خلال منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري على امتداد أكثر من 7 كم مربع في العين السخنة. وأنهت المرحلة الأولى منها بجذب حوالي 68 مشروعا من 77 شركة باستثمار فعلي تجاوز مليار دولار أميركي حتى نهاية 2018. كما تعهدت الشركات الصينية بضخّ نحو 20 مليار دولار في مشاريع البنى التحتية. وفازت الشركات الصينية بعقود لبناء أجزاء ضخمة من العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة.

بالإضافة إلى مصر، تحظى دولة الإمارات بكثير من الاهتمام في مراكز النقل الأساسية التي يقوم عليها مشروع الحزام والطريق، بحيث عقدت شركة كوسكو للنقل الصينية مع شريكتها موانئ أبوظبي عدة اتفاقيات ببناء موانئ جديدة لاستيعاب ارتفاع تدفق السلع.

وأصبحت الإمارات شريكا مؤسسا في البنك الآسيوي للاستثمار، وهو مصرف إنمائي متعدد الأطراف أطلقته الصين، ويهدف إلى دعم مشاريع البني التحتية في منطقة آسيا-المحيط الهادئ.

الصين في صعودها المستمر تحاول خلق قواعد تتعلق بتوسيع أسواق صادراتها، وتأمين طرق الملاحة والتجارة التي تصل عبرها إلى الأسواق العالمية

وتحتل الإمارات المرتبة الثالثة عشرة عالميا في مؤشر الربط البحري العالمي 2018 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أونكتاد، بعد أن سجلت أعلى معدل نمو بين بلدان العالم في الموانئ البحرية خلال العام 2017.

ويحتل ميناء جبل علي في إمارة دبي المرتبة التاسعة عالميا، وفق قائمة لويدز لأكبر الموانئ في العالم، وذلك بعد أن بلغت طاقته الاستيعابية ما يزيد على 19.3 مليون حاوية، حيث يضم أكثر من 180 خطا ملاحيا، و80 خدمة أسبوعية مرتبطة مع 140 ميناء حول العالم.

وفاز الميناء بجائزة أفضل ميناء بحري في الشرق الأوسط للسنة الرابعة والعشرين على التوالي ما يعد إنجازا غير مسبوق في تاريخ جوائز الشحن والخدمات اللوجيستية وسلسلة التوريد الآسيوية. ويعد ميناء جبل علي أكبر ميناء بحري في منطقة الشرق الأوسط. ويحتل ميناء خليفة بأبوظبي المركز الأول عالميا من حيث سرعة النمو، وميناء الفجيرة يعد ثاني أكبر ميناء تموين لناقلات النفط على مستوى العالم.

كما شكلت اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الكويت والصين حدثا بارزا. فمن جانبها انخرطت الكويت في المزيد من الاستثمارات في طريق الحرير. ودخلت الصين في مشروع تطوير الجزر ومدينة الحرير، وهما من بين أهم المشاريع الاقتصادية المقبلة في تاريخ الكويت. وتعهدت الصين في هذا الاتفاق باستثمار 450 مليار دولار في جزيرتي فيلكا وبوبيان. وقد استأجرتهما الصين لمدة 99 سنة.

موانئ المغرب العربي

الموانئ أولى طرق الصين لتعزيز التواصل والتبادل مع العالم العربي
الموانئ أولى طرق الصين لتعزيز التواصل والتبادل التجاري مع العالم العربي

أصبح وجود التنين الأصفر في منطقة الخليج العربي الحيوية أمرا واقعا في الخارطة الدولية، من الصعب تجاوزه، أو حتى تجاهل تداعياته الإقليمية والعالمية. لكن، هذا لا يكفي لضمان القوة المطلوبة، حيث تحتاج الصين إلى التمدد في الطرف الآخر من المنطقة العربية، والذي لا يقل أهمية، وهو المغرب العربي.

على مستوى دعم طريق الحرير البحري، تولي الصين أهمية كبرى لموانئ المنطقة المغاربية. ووعدت الصين بالقيام بمشاريع بنى تحتية وبرامج استثمارية ضخمة تدعم بها اقتصاديات دول المغرب العربي التي تشهد تباطؤا بسبب انخفاض أسعار النفط أو عدم الاستقرار السياسي.

في هذا السياق، بات تعزيز العلاقات التجارية مع الجزائر أولوية قصوى للصين، حيث تحظى الشركة الحكومية بمجموعة موانئ شنغهاي (شركة مختصة في هندسة الموانئ) وشركة الدولة الصينية للبناء بتواجد كبير في أشغال مشروع ميناء الحمدانية الجزائري (شرق مدينة شرشال بولاية تبازة) الذي يبعد حوالي 70 كلم عن موانئ الاتحاد الأوروبي بتكلفة تبلغ 3.3 مليار دولار. وسيحتوي الميناء على 23 رصيفا يسمح بمعالجة 6.5 مليون حاوية و25.7 مليون طن من البضائع سنويا. كما يتجسد التواجد الصيني المتصاعد في الجزائر في مشاريع أخرى مثل مشروع سكيكدة للغاز ومشاريع استخراج الفوسفاط في شرق البلاد.

وقد اخترقت الصين في الأعوام الأخيرة السوق الجزائرية عبر مجالات البناء والأشغال العامة، فهي في طريقها إلى الانتهاء من مشروع الطريق السيارة شرق غرب الذي يمتد لمسافة 1216 كيلومترا. وتولت بناء جامع الجزائر الكبير ليصبح ثالث أكبر مسجد في العالم، إضافة إلى توسعة مطار الجزائر.

وتحتل الصين منذ سنة 2013 مرتبة أول ممون للجزائر بحيث صدرت نحوها سنة 2016 ما قيمته 8.4 مليار دولار. والتحقت الجزائر بمشروع الطريق والحزام في عام 2018. فيما تتطلع إلى الجارة تونس عبر الاهتمام بميناء جرجيس وإنشاء منطقة صناعية في جنوب تونس.

وعلى مستوى العلاقات الصينية-المغربية، فقد شكلت زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس في عام 2016 تحولا استراتيجيا غير من طبيعة علاقات التعاون التقليدية إلى شراكة استراتيجية، مكنت الصين من أن تصبح الشريك التجاري الثالث للمغرب بعد كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وتوجت هذه الشراكة بإعلان المغرب إعفاء الصينيين من تأشيرة الدخول إلى أراضي المملكة، ما رفع نسبة الإقبال من 7800 سائح إلى 100 ألف سائح في عام 2017 (المرصد السياحي المغربي). وانضم المغرب إلى مشروع الطريق والحزام في 2017. وتراهن الصين على الاستفادة من موقع المغرب الجغرافي في حركة التبادل التجاري مع غرب أفريقيا. كما يطمح المغرب إلى أن يصبح أرضية لتوجيه الاستثمارات الصينية المباشرة بأفريقيا.

دعم جهود التعاون

الشراكة الاستراتيجية المتنامية والمستقرة بين العرب والصين ليس مفاجئا، لكن أهمية دعم جهود التعاون بين الدول العربية لتنمية قطاع النقل البحري وخاصة في ظل المنافسة الشرسة بين الموانئ البحرية العالمية تتطلب تكثيف جهود التعاون العربي المشترك للنهوض بهذا القطاع لمواكبة الطفرة التي يشاهدها في العالم.

وفي ظل ذلك، أصبح تطوير أداء الموانئ العربية ضرورة ملحة لتواكب التطور الحاصل. في المقابل، فإن الصين مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتعميق التعاون الاستراتيجي الشاملة والتنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة والامتناع عن التدخل في شؤون الدول، فالمثل العربي الشهير يقول: “الصديق قبل الطريق” وهو ربما ما يجعل العلاقة أكثر ارتياحا في التعاون بين العرب والصين.

6