الموالاة تغضب تبون باستحضار ممارسات ساهمت في تفجير الشارع الجزائري

وجد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون نفسه رهينة لدى قوى حزبية وسياسية تسعى إلى الاستئثار به حتى قبل إعلان قراره الرسمي بشأن الانتخابات، وتطويق الولاية الثانية، وهو ما سيدفعه، حسب المتابعين، إلى البحث عن بدائل تدعمه في الاستحقاق المرتقب.
الجزائر - يتجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى البحث عن بدائل سياسية تدعمه في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي القادم، بعد خيبة أمله في تكتل الموالاة، الذي اكتفى باستحضار سيناريو التحالف وبيانات التأييد، وهي الخطوة التي كانت قد ساهمت في تراكم أسباب الانفجار الشعبي الذي عاشته الجزائر منذ العام 2019، ولا يريد الرجل تكرارها خوفا من انفجار مماثل.
ونقلت مصادر مقربة من الرئاسة الجزائرية، غضب عبدالمجيد تبون من ممارسات سياسية عشية الاستعداد لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة بعد حوالي ثلاثة أشهر، ويقصد بها المواقف والتصريحات الأخيرة لقادة حزبيين من معسكر الموالاة، تسابقوا في الآونة الأخيرة لترشيحه قبل أن يصدر القرار رسميا من طرفه، وإعلان تحالف حزبي لنفس الغرض.
وأعادت بيانات الترشيح والتأييد الصادرة من طرف عدة أحزاب، وإعلان ميلاد ما عرف بـ”الحزام الوطني”، المكون من أربعة أحزاب سياسية تحوز على الأغلبية النيابية في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، المشاهد التي سادت البلاد قبل انتخابات العام 2019، وكانت أحد أسباب اندلاع احتجاجات الحراك الشعبي.
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لا يريد تكرار السيناريو السابق تفاديا لأي انزلاق يعكر صفو الولاية الثانية
وأثبتت التطورات الأخيرة في المشهد السياسي الجزائري حالة من القصور والفشل في تطوير آليات العمل الحزبي، حيث كرر العديد من القادة الحزبيين المخضرمين على غرار عبدالقادر بن قرينة، عبدالله حداد، وقادة تحالف الحزام الوطني، نفس الممارسات التي قام بها أسلافهم خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، رغم ما شكلته من استفزاز للشارع الجزائري، وكانت أحد أسباب انفجار الاحتجاجات الشعبية.
ويبدو أن الرئيس تبون لا يريد تكرار نفس السيناريو تفاديا لأي انزلاق يعكر عليه صفو الولاية الرئاسية الثانية، فضلا عن أنه منذ تنصيبه في 2019، بادر بحظر ممارسات الانتهازية والتملق السياسي على نشاطه التشريفي، بحسب ما أوردته تقارير في صحف خاصة مقربة من السلطة، حيث تم صب شحنة غضب من تلك الممارسات المنسوبة إلى ما أسمته بـ”العهد البائد”.
غير أن متابعين للشأن السياسي المحلي يرون أن ممارسات الأذرع السياسية للسلطة جد طبيعية، قياسا بخلو الساحة من طبقة حزبية جادة، بسبب سياسة الغلق المنتهجة في السنوات الأخيرة، مما أعاق ظهور مبادرات وأفكار جديدة تواكب تطور المجتمع، في حين تم الاحتفاظ بالقوى التقليدية التي انغلقت بدورها على نفسها ولم يعد بإمكانها تطوير خطابها إلا انتظار الفرص الانتخابية للإعلان عن دعمها للسلطة، على أمل الحفاظ على مواقعها وامتيازاتها.
ويستشف من التقارير التي نقلت وجهة نظر السلطة، أن الرئيس تبون، الذي يريد الظهور في ثوب القاطع مع ممارسات أسلافه في السلطة، وجد نفسه رهينة لدى قوى سياسية تريد الاستئثار به حتى قبل إعلان قراره الرسمي بشأن الانتخابات، وتطويق الولاية الثانية مبكرا.
وكانت حركة البناء الوطني، المنشقة عن كبرى الأحزاب الإخوانية (حركة مجتمع السلم)، أول المبادرين بتلك الممارسات التي أغضبت الرجل ودفعت محيطه إلى الإيحاء لأذرعه الإعلامية بحالة الغضب، خاصة وأن البيان الذي أعلن عنه عبدالقادر بن قرينة جاء مثيرا ومستفزا.
ولم يكتف بمفردات الدعوة إلى الترشح كما جرت عليه التقاليد مع الرئيس الراحل بوتفليقة، بل ذكر أن حركة البناء الوطني “ترشح” عبدالمجيد تبون للانتخابات القادمة، وكأن الرجل عضو من أعضاء الحزب، وأن بن قرينة يوفر له الغطاء والرعاية الحزبية، الأمر الذي اعتبر محاولة مبكرة من الحركة للتفرد بالرئيس القادم.
وكان قادة أحزاب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني، قد بادروا مؤخرا بإطلاق تحالف سياسي عبر عن دعمه لبرنامج وإصلاحات وإنجازات الرئيس تبون، تمهيدا للإعلان لاحقا عن دعمها له في الانتخابات الرئاسية، غير أن خطوة بن قرينة، فاجأتهم وسارت بمفردها في المسار المذكور.
التطورات في المشهد السياسي الجزائري أثبتت حالة من القصور والفشل في تطوير آليات العمل الحزبي، حيث كرر العديد من القادة الحزبيين نفس الممارسات التي قام بها أسلافهم
وجاء في تقرير لصحيفة “الخبر”، يبدو أن الحنين إلى الممارسات الفولكلورية التي كانت تميز المشهد السياسي قبل 2019، بدأ يتسلل إلى صدور أصحاب النفوس الضعيفة، وهو ما يستدعي التذكير والتحذير”.
وأضاف التقرير “كان غالبية المواطنين يظنون أن عهد التزلف والتملق في المواعيد الانتخابية وغيرها قد انتهى، خاصة بعدما حصدت البلاد الكثير من النقاط السوداء جراء ممارسة كادت تكرس عبادة الأشخاص، بمظاهر مقززة بعيدة كل البعد عن التبجيل والتقدير والاحترام، بل بالعكس هي سلوكيات مريضة يجب الالتفات إليها ومحاربتها بكل الوسائل”.
وتابع “نقول هذا الكلام، لأن بعض المؤشرات السلبية بدأت تلوح في الأفق، خاصة منذ أيام قليلة مع استعداد الجزائر لدخول سباق الرئاسيات، حيث شوهدت بعض الأطراف تعيد اجترار مظاهر أكل عليها الزمن وشرب، عبر رفع صور عملاقة لرئيس الجمهورية، ونصب لوحة التكريم في قاعات تجمعات واجتماعات ومؤتمرات دون أي مسوغ، لا سياسي ولا تسويقي ولا بروتوكولي.. بعض الأصداء تفيد بأن هذه السلوكيات تناهت أخبارها إلى من يهمهم الأمر في رئاسة الجمهورية وانتابتهم حالة من الغضب”.
وسيكون هذا الموقف الذي وزعته السلطة عبر أكبر صحفها انتشارا، مربكا لقوى الموالاة التي وجدت نفسها منذ مجيء الرئيس تبون، في وضع لا يحسد عليه، فلا هي شريكة للسلطة ولا هي حافظت على مكاسبها السابقة، ولا هي امتلكت الجرأة للاستقلال بنفسها وحفظت لنفسها ماء الوجه أمام الشارع الجزائري، خاصة وأن رحيلها كان أحد مطالب الحراك الشعبي في 2019.