المواطن مصدر رئيسي لتمويل موازنة الدولة في مصر

الحكومة تفرض ضرائب جديدة تثير موجة غضب شعبي مكتوم.
الأحد 2023/05/28
حيرة لدى المصريين في ظل الأزمة الاقتصادية

القاهرة- فجّر لجوء الحكومة المصرية إلى زيادة الرسوم والضرائب في الموازنة العامة الجديدة للدولة لمواجهة شح السيولة النقدية غضبا شعبيا جديا بعد إصرارها على استخدام نفس الحلول القديمة لمعالجة الأزمات، باللجوء إلى جيوب المواطنين.

ويقف وزير المالية محمد معيط الأحد في مجلس النواب للرد على أسئلة النواب حول الزيادات الجديدة في الضرائب، ومحاولة تفسير أسباب اللجوء إليها حاليا.

وانتزعت وزارة المالية موافقة لجنة الخط والموازنة بمجلس النواب على فرض رسوم على المواطنين والأجانب عند مغادرة البلاد، ما أثار استياء واستنكارا واسعين، فيما ظهر التذمر مصحوبا بوابل من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

◙ السلع في مصر لا تحتمل المزيد من فرض الرسوم والضرائب، لأن أسعارها تفوق القدرات المالية للشريحة الأكبر من المواطنين

وتسعى مصر إلى تعزيز إيراداتها المالية عبر زيادة الحصيلة الضريبية من المواطنين، وهو إجراء قد يكون مفيدا في خفض عجز الموازنة ومواجهة أعباء الديون، لكنّ خبراء حذّروا من تأثير ذلك في زيادة مستويات التضخم.

وشملت التعديلات الضريبية إضافة رسوم وفرض جمارك على بعض السلع، وإقرار دفع المواطنين والأجانب مئة جنيه (نحو ثلاثة دولارات) عند مغادرة البلاد، وفرض رسم على السائحين القادمين لمحافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء والأقصر وأسوان ومطروح، بقيمة 50 جنيها (نحو 1.5 دولار).

وقد لا تكون القيمة التي تم فرضها ذات أهمية بالنسبة إلى البعض، لكن العبرة باستسهال اللجوء إلى جيوب الناس والتعامل معهم كخزينة لسد عجز الموازنة وتمويل مشروعات يطالب بعض الخبراء بمراجعة جدواها في ظل الأزمة الراهنة.

واعتادت الحكومة فرض ضرائب على المصريين كأحد الحلول للخروج من الأزمة الاقتصادية دون تفرقة بين البسطاء والمقتدرين، ما جعل الناس يعيشون حالة من التذمر والسخرية والاحتجاج الصامت، كون الإجراءات المتخذة تفوق طاقاتهم.

وتكفي مطالعة الفضاء الإلكتروني في مصر لمتابعة الحالة المزاجية التي صار عليها الكثير من المواطنين أمام إصرار الحكومة على مطاردتهم بإجراءات وقرارات ورسوم وضرائب دون مقابل خدمة جيدة يحصلون عليها.

وانتقد الكثيرون فرض رسوم جديدة على السياح، رغم أن القطاع يحتاج إلى تشجيع وجذب لا رسوما تثير امتعاض القادمين، لكن الغضب الأكبر ارتبط بفرض رسوم على المغادرين، والأسباب الخفية التي تدفع مواطنا سيهاجر لدفع أموال للدولة.

سعيد صادق: تكرار فرض الرسوم والضرائب كرّس مشاعر إحباط لدى الناس
سعيد صادق: تكرار فرض الرسوم والضرائب كرّس مشاعر إحباط لدى الناس

ووصف رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس قرار فرض رسوم على الخروج من البلاد بـ”الغبي”، متسائلا عمّا إذا كان هذا الإجراء متبعا في سائر دول العالم، وهو التساؤل الذي لا يرتبط بقيمة الرسوم، بل باستسهال جني أموال بشتى السبل.

وتعتقد دوائر سياسية أن تكرار تحرك الحكومة لتنمية موارد الدولة من جيوب المواطنين رغم إدراكها مخاطر ذلك، يعكس أنها رفعت الراية البيضاء في مواجهة الأزمة الاقتصادية، وسوف تمضي في فرض المزيد من الأعباء على الناس على مراحل متفاوتة لترميم الموازنة.

ولم تترك الحكومة سلعة أو خدمة إلا وحددت لها رسوما وضاعفت عليها الضرائب وسط أزمات معيشية حادة، ما تسبب في خسارتها الكثير من الدعم الشعبي، وباتت تواجه صعوبات بالغة في إقناع الناس بالإنجازات والتحديات الموجودة على الأرض.

ويشير استسهال فرض رسوم وضرائب ولو بقيمة بسيطة إلى أن تعاطي الحكومة مع الشارع يتّسم بالعناد وعدم إدراك خطورة التعامل مع صمته المتكرر، واستخفاف وإصرار على تحميله وحده تكلفة الخروج من الأزمة الراهنة، حيث يتم الاعتماد على جيوب المصريين دون اختيار التوقيت المناسب لفرض المزيد من الأعباء.

وما زاد من سخط الشارع تلك الخطة التشاؤمية التي أعلن عنها وزير المالية محمد معيط مؤخرا بشأن وجود نية لزيادة رسوم الضرائب لسد الفجوة الشاسعة في موازنة الدولة للعام المالي الجديد، وتستهدف الحكومة جلب تريليون و350 مليار جنيه عوائد ضريبية، ما يعني أن الناس على موعد مع أعباء جديدة ستفوق قدراتهم.

وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق لـ”العرب” إن تكرار فرض الرسوم والضرائب كرّس مشاعر إحباط لدى الناس، وفي المقابل لا تدرك الحكومة تأثير ذلك على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.

ويعبّر فرض رسوم غير مبررة أحيانا عن انعدام الحنكة السياسية للحكومة، فهي تجاهد لإقناع الشارع بجدوى إنفاق مئات المليارات من الجنيهات على مشاريع تنموية وخدمية، ثم تنسف كل هذه الجهود لمجرد تحصيل مبلغ هزيل من جيوب البسطاء كان يمكن تفاديه أو تأجيله، أو أنها تتحمله نيابة عن المواطنين لتثبيت مصداقيتها.

كما أن السلع في مصر لا تحتمل المزيد من فرض الرسوم والضرائب، لأن أسعارها تفوق القدرات المالية للشريحة الأكبر من المواطنين، باعتبار أن فرض جنيه واحد كرسم على أيّ سلعة قادمة من الخارج قد يتم تحميله للناس أضعافا، وسيجد التجار والبائعون فرصة ثمينة لتبرير الغلاء واتهام الحكومة بأنها كانت السبب.

وأضاف سعيد صادق لـ”العرب” أن الحكومة تتفنن في تأليب الرأي العام ضدها، ورغم أنها مطالبة بالبحث عن حلول تراعي التوازن الاجتماعي والاقتصادي تتمادى في استفزاز الناس بإجراءات غير منطقية من خلال ممارسة أساليب التحايل على المواطنين، وما تعطيه باليد اليمنى في زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية تأخذه باليسرى عبر الضرائب والرسوم.

◙ استسهال اللجوء إلى جيوب الناس والتعامل معهم كخزينة لسد عجز الموازنة وتمويل مشروعات مشكوك في جدواها

وتكمن الخطورة السياسية في مشاركة الكثير ممّن عرف عنهم بالتأييد المطلق للسلطة في رفض الضرائب الجديدة، ما يعني أن الحكومة تفقد جانبا مهما من الظهير الشعبي الداعم لها، وأصبحت لا تترك فرصة لمؤيدي النظام الحاكم للدفاع عنه.

أما الشريحة الأخرى من المتذمرين بطبيعتهم من محاصرتهم بالأعباء المالية فهؤلاء على قناعة بأن صمتهم على لجوء الحكومة إلى جيوبهم مع كل أزمة لن يجلب لهم سوى المزيد من الصدمات، وحان الوقت للوقوف في وجه هذه الإجراءات كي تستفيق الحكومة وتدرك أن الشارع لن يرضخ لتحميله وحده فاتورة الإصلاح الاقتصادي.

ولا تزال الحكومة تستسهل اللجوء إلى جيوب المواطنين، معتقدة أن صمت الناس يعبّر عن رضاهم عن الإجراءات وقناعتهم بمشاركة الدولة في حلول الأزمة الاقتصادية، وهو توصيف غير دقيق للحالة التي عليها الشارع، لأن الهوة متسعة، مع أن الاستقرار السياسي يعني وجود أرضية صلبة وعلاقة قوية تربط الحكومة بالغالبية العظمى من المواطنين.

وطالما استمرت مفاهيم الاستقرار السياسي عند الحكومة مرتبكة، فقد يقود ذلك إلى المزيد من العناد وتراجع الغطاء الشعبي وسط المضي في اتخاذ قرارات تضاعف الأعباء، وحينها سيكون اللعب على وتر صمت المصريين وصبرهم مجازفة، فإذا كانت الأغلبية مستعدة لتحمل المتاعب للحفاظ على الاستقرار فالتمادي في الاستفزاز قد يصبح مقدمة لموجة غضب.

 

• اقرأ أيضا:

            مصر أمام لحظة الحقيقة المرتبطة بتوظيف مقوماتها الداخلية

1