المهمة المستحيلة: توحيد المصرف المركزي الليبي

طرابلس – قللت أوساط ليبية من أهمية الإعلان عن توحيد المصرف المركزي باعتبار أن الإعلان سبق أن تم أكثر من مرة دون تحقيق أي نتيجة على أرض الواقع، لافتين إلى أن التوحيد في الوقت الراهن أشبه بالمهمة المستحيلة.
واعتبرت هذه الأوساط أن مشهد الاجتماعات بين محافظ مصرف طرابلس الصديق الكبير ونائبه مرعي البرعصي تكرر كثيرا قبل ذلك مع نائبه السابق علي الحبري دون الإعلان عن خطوات حقيقية تترجم التوحيد الذي يتم الإعلان عنه كل مرة، غير مستبعدة أن يكون الإعلان هذه المرة مرتبطا بما يتواتر من أنباء منذ فترة بشأن وجود توافقات بين مجلسيْ النواب والدولة على تغيير الصديق الكبير.
وكان الكبير أرجع، خلال تصريحات صحفية في ديسمبر الماضي، تأخر التوحيد إلى الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد، وربط إمكانية المضي قدما في التوحيد بتحسن الوضع السياسي. وهو ما لم يحدث، حيث مازالت الأمور تراوح مكانها منذ أشهر.
وسجل لقاء الكبير بالبرعصي غيابا أميركيا ودوليا غير معهود حيث برزت الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية كوصي على عملية توحيد المصرف المركزي، وهو ما يعمق الشكوك في جدية الإعلان.
اختفاء عملة طبعتها طرابلس وغياب تفاهمات بشأن التعامل مع 7 مليارات دينار طبعتها روسيا يعيقان التوحيد
وجاء إعلان التوحيد بعد سبعة أشهر من صدور تقارير للمراجعة المالية، أجرتها شركة “ديلويت” البريطانية على أنشطة وحسابات مصرف ليبيا المركزي، تفيد بأن المصرف المركزي في العاصمة طرابلس فشل في الكشف عن مصير ما قيمته 4.8 مليار دولار من العملة المحلية، بعد طباعتها في شركة بريطانية لسك العملة، ما يثير تساؤلات كثيرة حول مصير تلك الأموال الذي لا يزال مجهولا إلى الآن.
وكلفت الأمم المتحدة شركة “ديلويت” بإجراء عملية المراجعة على أنشطة المصرف المركزي الليبي في عام 2018 بناء على طلب فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني آنذاك، حيث اعتبر الأخير هذه المراجعة وسيلة لاستعادة النزاهة والشفافية والثقة في النظام المصرفي الليبي.
كما كان يهدف السراج، حسب تقارير الشركة البريطانية، إلى استخدام عملية المراجعة تلك كأداة ضرورية لإعادة توحيد فرعي المصرف المركزي والمؤسسات المالية، التي انقسمت إلى شرق وغرب البلاد جراء النزاع المسلح والاضطرابات السياسية.
وبالإضافة إلى اختفاء هذا المبلغ من العملة المحلية يواجه توحيد المصرف مشكلة ما قيمته 7 مليارات دينار ليبي (حوالي 2.5 مليار دولار) تمت طباعتها في روسيا خلال السنوات العشر الماضية، إلى جانب ديون المؤسسة العسكرية بقيادة المشير خليفة حفتر لدى المصرف المركزي فرع بنغازي.
وكلّما تم الإعلان عن توحيد المصرفين ترقّب الليبيون عودة العمل بنظام المقاصة المصرفية بين مصارف المنطقتين الشرقية والغربية الذي توقف منذ تسع سنوات.
وقال المحلل الاقتصادي الليبي علي الصلح إن التحدي المقبل أمام خطوة الإعلان عن عودة المصرف المركزي “مؤسسة موحدة”، التي جرت الأحد، هو “تنفيذ مشاريع توحيد المركزي، والذهاب نحو استقرار نقدي واقتصادي يشمل تفعيل دور المصارف في الاقتصاد الوطني”.
ونقل موقع بوابة الوسط عن الصلح قوله إن “هذه الخطوة تعد من أهم الخطوات الرامية إلى تعزيز الثقة بين الأطراف، إذ تشكلت العديد من اللجان خلال الفترة الماضية دون جدوى”.
وأعلن مصرف ليبيا المركزي الأحد إعادة توحيد فرعيه في غرب ليبيا وشرقها بعد انقسام استمر قرابة عقد.
وقال محافظ المصرف ونائبه في بيان “إن مصرف ليبيا المركزي قد عاد مُؤسسة سيادية مُوحدَة”، مؤكدين “الاستمرار في بَذْل الجُهود لِمُعالجة الآثار التي نَجمت عَنْ الانقسام”.
وكان المحافظ الصديق عمر الكبير يتخذ من طرابلس مقرًا، فيما اتخذ مرعي مفتاح رحيل من بنغازي في الشرق مقرًا للفرع المنافس.
وأعلن عن توحيد المصرف خلال اجتماع حضره الأحد مدراء الإِدارات والمستشارون في مصرف ليبيا المركزي بطرابُلس وبنغازي. وفي أعقاب توحيد المصرف تولى البرعصي منصب “نائب المحافظ”.
2.5
مليار دولار تمت طباعتها في روسيا خلال السنوات العشر الماضية من التحديات التي تقف عائقا أمام توحيد المصرف الليبي
ويدير مصرف ليبيا المركزي في طرابلس عائدات النفط والغاز في أكثر بلدان أفريقيا وفرة باحتياطيات النفط، وهو الذي يخصص الأموال لمختلف مؤسسات الدولة، بما في ذلك الحكومة.
وتتنافس حكومتان على السلطة منذ عام في ليبيا: حكومة في الغرب برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وحكومة في الشرق يدعمها حفتر.
وتعقيبًا على ذلك رحب الدبيبة على فيسبوك بالإعلان وقال “هذه محطة مهمة في سبيل تعزيز أداء هذه المؤسسة السيادية الهامة، مع استمرار التزامنا بالتكامل وتعزيز إجراءات الشفافية والإفصاح التي تبنتها حكومتنا”.
وبدأت إجراءات عملية التوحيد في ديسمبر 2021 داخل المصرف المركزي المنقسم منذ عام 2014، مثل العديد من مؤسسات الدولة الأخرى بسبب صراع القوى بين المعسكرين المتنافسين.
وحظي مصرف ليبيا المركزي في طرابلس باعتراف المجتمع الدولي وكذلك الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس.
وأعاق وجود فرعين متنافسين تنفيذ سياسة نقدية واحدة في حين انخفض الدينار الليبي بشكل حاد منذ ثورة 2011 وسقوط نظام معمر القذافي.
وفي يوليو 2020 أعلنت الأمم المتحدة أنها انتهت من الإجراءات اللازمة لإجراء تدقيق دولي مستقل في حسابات الفرعين كخطوة رئيسية على طريق إعادة توحيدهما.
اقرأ أيضا: