المهرجان الوطني للفيلم المغربي بين صور وأحلام وآلام

شكل انتظام انعقاد المهرجان الوطني للفيلم المغربي بطنجة نقطة ضوء إيجابية في الساحة السينمائية بالمغرب، إلاّ أنه وبالموازاة مع انضباط الدورات بدأ يرتفع حجم الأسئلة القلقة التي تتعلق بالممارسة السينمائية بالمغرب، ومنها معضلة انحباس الإبداع وندرته، وتكريس بيروقراطية التسيير بدل ديمقراطية التشاور والتشارك، وهي ممارسات تسير بالسينما نحو حتفها حسب المؤشرات الموضوعية الحاصلة في الميدان.
الثلاثاء 2016/03/22
جوائز بالجملة لمن يستحق ومن لا يستحق

بدأ التحضير للدورة السابعة عشرة من المهرجان الوطني للفيلم المغربي بطنجة المنتهي أخيرا على إيقاع ساخن حينما انفضت اللجنة التنظيمية بعد عدم اتفاق مكوناتها على الورقة التي تقدم بها أحد أعضائها، وكذلك حول عضوية بعض الأسماء في لجان التحكيم ومواضيع الندوات وغيرهما، وهي الورقة ذاتها والأسماء عينها التي ستفرضها اللجنة التنفيذية المتمثلة في المركز السينمائي المغربي، وذلك ما يطرح أكثر من سؤال ويجيب بالملموس عما يعيشه القطاع السينمائي في المغرب من تخبطات تطول جل مجالات الممارسة.

ولكي نستحضر الوقائع عوض التحليق في العموميات نشير إلى أن أحد أعضاء اللجنة التنظيمية قد قاطع المهرجان، ولم يتم استدعاء أحد أعضاء لجان اختيار الأفلام، والتضييق على بعض الفاعلين عن طريق فرض “كُوطَا” لعدد المقاعد، إذ كيف يمكن إنجاز مهام عديدة بمقاعد محدودة مثلا؟ أليس فرض ما لم تتفق عليه اللجنة يجعلها صورية ويشكك في مصداقية كل اللجان الأخرى التي تعينها الإدارة؟ ما دور اللجان المخترقة إن قَلَّت درجة استقلاليتها وحياديتها؟

تعليب القبح

صار من نافل القول التفكير في تغيير الصيغة الحالية للمهرجان وتعويضها بليلة الفيلم المغربي على شاكلة السِّيزَار والأوسكار، لأنه أصبح من العبث أن نحبس ما يعادل أربعمئة ضيف ونُقِيمُ الدنيا احتفاء بعدد من الأفلام الرديئة، وصرف الملايين على التفاهة، وتكرار نفس الأخطاء التنظيمية، في حين يمكن تحويل أموال المهرجان إلى دعم مهرجانات وتظاهرات أخرى تنتصر للجودة والإبداع، وتروج للأفلام المغربية الجادة في صفوف الجماهير المحرومة، وذلك ما يضمن رواجا واسعا لها عوض الاكتفاء بعرضها في المهرجان الوطني واختفائها بعده.

كشفت الدورة الأخيرة عن بعض “الجوكيرات” التي تلعب بها الإدارة لتضعها تارة في لجنة الدعم، وتارة في لجنة التحكيم، وفي وضعيات أخرى عديدة. فهل يمكن أن نطلب من شخص كان مسؤولا ذات يوم عن دعم فيلم رديء أن يحجب الجائزة أو ينتقد الوضع؟

إن ما يحدث اليوم مهزلة حقيقية في حق السينما المغربية التي، ومن سوء حظها، سيعصف الدعم غير المعقلن بالمنجزات الهامة لبعض مبدعيها بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وأصبح يتسابق الكل ضد الكل بغية الحصول على نصيبه من الكعكة، ومن يشاهد الأفلام المشاركة في المسابقتين الرسميتين، وكذلك بعض الأفلام المبرمجة خارج المسابقات، وما لم يبرمج في المهرجان، فسيقف بالملموس على الضعف الناتج عن هزال السيناريوهات، والتسرع في الإنجاز، وانتصار التقنية على الموضوع (تعليب القبح)، واستئساد التسطيح على حساب العمق.

الدورة أكدت سير عجلة الاحتراف بوضوح نحو الانحراف، من خلال تراجع اهتمام الجمهور بالسينما، وتراجع القاعات

خير مثال على ما نقول حصول أفلام روائية طويلة عادية جدا، وأخرى ضعيفة للغاية، على عدد مهم من جوائز المهرجان عكس جوائز مسابقة الأفلام الروائية القصيرة التي كانت موضوعية وهي: جائزة السيناريو لفيلم “توقيع” من إخراج سناء مصباحي وجمال غراندو، وجائزة لجنة التحكيم لفيلم “نداء ترانك” لمحمد هشام الركراكي، والجائزة الكبرى لفيلم “مُولْ الكلب” للمخرج كمال لزرق.

تساهم الغرف المهنية عبر ممثليها في انتقاء الأفلام المشاركة في الأفلام الروائية الطويلة مما يجعل الحسابات غير الفنية تدخل في السياق، وهو الأمر الذي يدعو إلى تشكيل لجنة محايدة تتشكل من النقاد وذوي الصلة باستيتيقا الفن للسهر على عملية الترشح لجوائز المهرجان، كي يتم الفصل بين المستوى الفني والتمثيلية النقابية أو المهنية داخل المهرجان الذي لا يعترف بالحق الأدبي لكل من يساهم في إدارة الندوات ولجان التحكيم، ويجعلها أنشطة تقوم على التطوع أو المشاركة مقابل الاستضافة والغذاء، وتعويض تقديم حفلتي الافتتاح والاختتام مثلا، ويا لها من مفارقة عجيبة غريبة إذا علمنا أن أعضاء اللجنة التنفيذية، وهم كثر، يتلقون تعويضا عن مهامهم داخل المهرجان!

بهرجة سطحية

غابت عن دورة هذه السنة النشرة اليومية للمهرجان وعوضتها أخبار إلكترونية على الموقع الإلكتروني للمركز السينمائي المغربي، والتي كانت -نقصد الصيغة الورقية- على هناتها وانتقائيتها، منبرا يساهم في التأريخ لما يحدث في المهرجان وتقديم نقد وتحليل للأفلام يغلبان الطابع الثقافي على البهرجة والمظاهر السطحية.

وفي سياق النشر دائما أصدر المركز السينمائي المغربي كتابا جميلا يتضمن تحديثا لفيلموغرافيا الأفلام الطويلة (1915-1958)، والذي بمجرد مطالعة صفحاته الأخيرة يبدو الدمج غير المبرر في ثناياه لبعض الأفلام الوثائقية التي شاركت في مسابقات المهرجان الوطني للفيلم وإقصاء أخرى، وإذ يجب التنويه بما قامت به الإدارة على هذا المستوى، فلابد من التنبيه إلى إسناد الأمور المتعلقة بالبحث والنقد لذوي الاختصاص قصد تلافي السقوط في مثل هذه النقائص.

اعتماد مبادئ البحث العلمي التي ترتكز على معايير التصنيف الواضحة من شأنه أن يفتح أفقا فسيحا لفصل الوثائقي عن الروائي وتحيين فيلموغرافيا الفيلم الروائي القصير أيضا، وعليه، فما المعايير التي تَمَّ الاستناد عليها لوضع أفلام وثائقية وإقصاء أخرى ضمن وثيقة موضوعية من المفروض أن تكون مرجعا للباحثين والمهتمين بالسينما المغربية؟

انتصار التقنية على الموضوع

شاركت في هذه الدورة أربعة عشر فيلما روائيا قصيرا، وما يعادلها عددا من الأفلام الروائية الطويلة، منها فيلم مُمَطَّط كان في الأصل قصيرا، فضلا عن فيلمين وثائقيين طويلين وآخرين من إنتاج مشترك إن لم نقل إن أحدهما بلجيكي الهوى.

تكشف هذه الدورة عن سير عجلة الاحتراف بوضوح نحو الانحراف، وذلك ما تؤكده الحصيلة بأرقامها الصادمة على مستوى تراجع اهتمام الجمهور بالسينما، وتراجع القاعات، وهو ما لا ترغب الإدارات المتعاقبة على المركز السينمائي المغربي في التصدي إليه وفق استراتيجية واضحة، والتخلي عن انتهاج سياسة المغالطة والإقصاء والإجهاز على البعد الثقافي وإعلاء البعد الدعائي، مع العلم أن النقد الموضوعي سيخدم السينما مهما علت أصوات المطبلين، خاصة وأن التجربة قد أثبتت أنهم يخدمون من حيث لا يحتسبون الرأي الصائب ويعضدونه، إذ سرعان ما تختفي المزايدة وتنتصر النزاهة.

أبرزت الممارسة أن بعض الأشخاص المشهود لهم بالنزاهة والموضوعية من الذين يقومون بمهام التحكيم، قد يتم تطويقهم بهؤلاء “الجوكيرات” الذين يخضعونهم لديمقراطية التصويت والأغلبيات المخدومة، مما يُقَوِّي سياسة التنفيذ والجزاء والمعاقبة على حرية الاختيار والاستحقاق، وتلك أخطاء تصيب السينما المغربية في مقتل، فمنطق الاستعانة بأشخاص غير مستقلين ماديا، ولا مشروع لديهم، والعمل على زرعهم وسط أشخاص عفيفين يعصف بكل شيء.

يمكن اعتبار هذه الدورة دورة الأحلام والآلام، فقد عبرت الأفلام عن آلام المغاربة وأحلامهم، عن انتصاراتهم وخيباتهم، بطرق فيلمية متفاوتة من حيث الطرح السيناريستي والمعالجة الدرامية وأساليب الإخراج، وإن كانت متباينة من حيث الجودة والعمق بالنظر إلى اختلاف تجارب المخرجين الذين أظهرت منجزات المبتدئين منهم مدى استسهالهم للعمل السينمائي واستخفافهم بذكاء الجمهور.

وأفصحت الدورة الأخيرة أيضا عن أعمال لبعض المخضرمين أو القدامى مدى عدم قدرتهم على تقديم مقترحات ومعالجات فنية جديدة، في حين انتصر التجريب السينمائي -رغم ندرته ومعاداته- بعد أن نجح أصحابه في استثمار الواقع وفق أسلوب فني جريء، وهو الأمر الذي أثار اهتمام “السينيفيليين” والنقاد والباحثين، كما أكدته أفلام هشام العسري وكمال لزرق وغيرهما.

16