المهرجان المغربي "موسم" في بلجيكا نافذة على الثقافة العربية في أوروبا

نادرة هي المؤسسات الثقافية العربية في أوروبا التي تبلور برمجة ثقافية وفنية معاصرة ومنفتحة، لا تسجن العرب في تراثهم وصورهم النمطية، بل تنطلق من هذا التراث لتحاور به الحاضر والعالم، وذلك في تواصل جاد على أرضية الاحترام والتفاعل الندِّي الخلاق بين الثقافة العربية والثقافة الأوروبية وبحثا عن تطوير كليهما، على غرار ما يفعله المهرجان الثقافي المغربي “موسم” ببلجيكا.
بروكسل- يمثل المهرجان الثقافي المغربي “موسم” في بلجيكا نقطة التقاء بين مثقفي وفناني العالم العربي وفناني ومثقفي المهجر والمبدعين في بلجيكا وغيرها من البلدان الأوروبية، التي بلغها إشعاع “موسم” واستفاد فنانوها وجمهورها من ديناميته.
بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس “موسم” يسلط مديره ومؤسسه محمد إقوبعان الضوء على مسار هذا المهرجان وأهم المحطات التي مر بها، ومساهمته الغنية في الفعل الثقافي والتعريف بالموروث الفني والتراثي المغربي والعربي في بلجيكا وأوروبا عموما.
عشرون عاما

محمد إقوبعان:طيلة 20 عاما لعب المهرجان دورا رائدا في إدماج الثقافات المغربية والعربية في المشهد الثقافي البلجيكي والأوروبي
عام 2001 اجتمع الفاعل الثقافي المغربي محمد إقوبعان وبعض عشاق الثقافة من أصول مغربية وبلجيكية حول فكرة بسيطة: تنظيم مهرجان في مدينة أنتويربن يحتفي بالثقافة المغربية.
كانت الجالية المغربية حاضرة بالفعل في بلجيكا منذ ثلاثين عاما، وكانت ممثّلة في كل الإحصائيات وعلى أكثر من صعيد، علاوة على حضورها الدائم في خطاب سياسي مُستقطِب لأصوات أبنائها؛ لكنها ظلت مع ذلك دون إشعاع ثقافي، فقد ظل الحضور الثقافي والفني لمغاربة بلجيكا باهتا.
والعجيب أن عام 2001 الذي عرف انبعاث هذه الدينامية الثقافية المغربية الصاعدة كان أيضا عام الحادي عشر من سبتمبر، الذي واجهت إثره الجاليات العربية والإسلامية خطابا سياسيا قاسيا ورأيا عامًّا معاديا جزئيًا.
وبعد عشرين عاما على تأسيس مهرجان “موسم” يقيم إقوبعان هذه التظاهرة معتبرا أنها تمكنت من تلبية تطلعات الجالية المغربية واحتياجاتها الثقافية بشكل أساسي، لكن سرعان ما توسع مجال فعل المؤسسة ليشمل كذلك الفنانين والمشاريع الفنية المرتبطة بالمنطقة العربية.
ويضيف “الآن، بعد 20 عاما من الفعل الثقافي، وبعد الانتقال إلى بروكسيل، عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي، نمت المؤسسة لتصبح مشروعا ثقافيا شاملا ومركزا دوليا للفنون”.
ويتابع “لقد لعب ‘موسم‘ دورا رائدا في إدماج الثقافات المغربية في المشهد الثقافي البلجيكي والأوروبي على مدار العشرين عاما الماضية، وعبره تمكنت قائمة طويلة من الفنانين من الوصول إلى المسارح والمراكز الفنية والمهرجانات البلجيكية والدولية المرموقة. كما استطاع المركز أن يخلق روابط بين المبدعين والفاعلين الثقافيين من المغرب وزملائهم في أوروبا”.
وطوال سنواته العشرين، كان “موسم” رائدا في استقطاب فنانين وجمهور عريض إلى مختلف المؤسسات الثقافية. ومن أجل تحقيق أهدافه طور المهرجان رؤية وسياسة مدروستين للتأثير على المشهد الثقافي البلجيكي.
توسيع الأنشطة
إلى جانب تنظيم مهرجانات وعروض في مختلف الفروع الفنية، عمل المركز على دعم الفنانين والمبدعين، سواء على مستوى الإنتاج أو التوزيع. ويلفت إقوبعان إلى أن المهرجان استقطب أسماء مرموقة في مجال الموسيقى خلال فعاليات متفرقة بأرقى الصالات البلجيكية، علاوة على المهرجانات السنوية التي دأب المركز على تنظيمها كالليالي الصوفية و”موسم سوند” للموسيقى الحديثة، إضافة إلى انفتاحه على الموسيقى الأمازيغية، والطرب الأندلسي وتنويعات فنية أخرى تزخر بها بلادنا.
وأسس تظاهرة موازية بعنوان “موسم المدن” متعدد التخصصات، والتي تحتفي سنويا بمدينة عربية تتم استضافة فنانيها في بروكسيل طوال شهر كامل. وفي دورتها الثالثة في 2018 احتفت بمدينة الدار البيضاء. ويعتبر “موسم المدن” فرصة لتعريف الجالية العربية في بلجيكا على المدن العربية من باب الفن والأدب والفلسفة والسينما.
ولطالما كانت المدن التي يختارها المهرجان، ولا تزال، على صلة جيّدة مع الدول الأوروبية من حيث الدعم الثقافي ومن حيث التأثّر والتأثير، فقد استضاف سابقا مثلا تونس ومن بعدها بيروت، حيث قدمت كل منهما لمحات من ثقافتها وفنونها للجمهور البلجيكي، الذي أتاح له المهرجان المغربي نافذة على أهم الثقافات العربية وملامحها الفنية المعاصرة، إذ لا يركز على عرض الفولكلور كما هو معمول به في تظاهرات أخرى، بل يقدم لمحة عن تفاصيل الفن المعاصر والثقافة الحديثة، والتي تزخر بها العديد من المدن العربية.
سعيا لترسيخ تأثيره على الساحة الثقافية بعث المهرجان مشاريع ثقافية جديدة تترك أثرا داخل المشهد الفني المعاصر
ويقول إقوبعان “سعيا منها إلى ترسيخ تأثيرها على الساحة الثقافية، أقدمت المؤسسة على تصور مشاريع ثقافية جديدة تترك أثرا داخل المشهد الفني المعاصر. فقد كان للمؤسسة دور طلائعي في دعم الفنانين المعاصرين في مجالي المسرح وتصميم الرقص المعاصر. كما تجدر الإشارة إلى مشروع ‘موسم ربرتوار‘ الذي تتم من خلاله ترجمة ونشر كتابات مسرحية عربية، وكذا تنظيم فعاليات عامة تركز على الجامعات ومعاهد الدراسات المسرحية في أوروبا”.
كما يهدف مشروع “موسم كلكشن” أو مجموعة موسم وبالشراكة مع متاحف بلجيكية إلى شراء أعمال لفنانين تشكيليين وبصريين من المغرب والمنطقة العربية وإدماجها في المجموعات الرسمية لهذه المتاحف. وقد استطعنا بهذه الطريقة إدماج أعمال أكثر من عشرة فنانين مغاربة في مجموعة ثلاثة متاحف بلجيكية معاصرة.
فيمـا تـروم سلسلة “الإسلام والفكر النقدي”، التي يتم تنظيمها بالتعاون مع الجامعة الحرة ببروكسيل، تسليط الضوء على الإرث التنويري والنقدي عبر تاريخ الفكر الإسلامي.