المهرجان الدولي للفيلم بمراكش: خيبة أمل للفيلم المغربي

الثلاثاء 2014/12/16
يعاب على مهرجان مراكش السينمائي تسويقه للنجوم الأجانب على حساب أهل البلد

مراكش - بعد انتهاء الدورة الحالية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، تتوالد التساؤلات حول الأفق المنشود لهذه التظاهرة لتكون السينما فيها بمثابة المحرّك العام للضمير الإنساني، ما دامت الصورة وسيلة كونية للتواصل.

الرقي بالسينما المغربية يطرح نفسه باعتبار البلد مستقبلا للحدث، خاصة وأن تقاليد تنظيم التظاهرات الدولية بكل البلدان تقتضي التعريف بثقافته وحضارته وتنشيط الحركة الاقتصادية به، فضلا عن السموّ بالذوق العام ونشر بعض القيم الإنسانية الإيجابية.

يظهر أن أفلام هذه الدورة لا تخلو من رسائل واضحة وكامنة في آن واحد، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حاصرتنا أفلام الهجرة في هذه الدورة، لتركز على مخاطرها على المواثيق والأعراف الدولية وحقوق الإنسان، التي تعتبر حق الهجرة حقا إنسانيا، خاصة إذا تعلق الأمر بالهروب من القهر والقمع والحرب وحالات الضيق الإنسانية.

فهل تريد الإدارة الفنية للمهرجان بأن تبث خطابها من داخل المغرب، لتجعل منه شرطيّ أوروبا وحارسها الدائم؟

أما على مستوى برمجة الأفلام المغربية، فقد كان فيلم “جوق العميين” واضح الرسالة من حيث تسليط الضوء على صورة اليساري: يزوّر ويعلم التزوير، انتهازي، اتكالي، داعر. في مقابل تجميل صورة أخرى.

ومن حسن الحظ أن فيلم “نصف السماء” لعبدالقادر لقطع لم يسلك نفس الاتجاه التشويهي، أما أفلام “نبضة قلب” المخصص بعضها للسينما المغربية، فقد جاءت مخيبة في عمومها لأفق انتظاراتنا، خاصة وأن ميزانياتها مرتفعة، ولم تنعكس على شاشة العرض (يمكن أن نعتبر بعضها درسا من نوع: كيف تتعلم الاغتناء انطلاقا من فيلمك السينمائي الأول؟). فهل تمريرها بمهرجان مراكش لأغراض فنية، أم لذرّ الرماد في العيون الرمداء؟

هذا عن الجانب الفني، أما الجانب الاقتصادي فمردوده ضعيف لأن المهرجان لم يتجاوز تنشيط بعض المقاهي المجاورة له، إنه متقوقع حول ذاته، فإذا لم يستطع المهنيون (سينمائيون، نقاد..) وُلوجه، فكيف ستصل خدماته إلى الإنسان العادي؟ هذا مع العلم أن اقتناع المهنيين بعدم الجدوى من حضور المهرجان، قد جعل عبقرية المنظمين تمنح بطاقة “مرور الجمهور” لشتى الأصناف بما في ذلك النقاد، وذلك كي يملؤوا كراسي قاعات قصر المؤتمرات التي ذهل الجميع لفراغها أثناء بعض العروض.

كانت الدورة ضعيفة، بل تراجعت عن مثيلاتها السابقة من حيث حضور النجوم، وجودة لقاءات "الماستر كلاس"

فهل يعلم مشبّهو (ومقارنو) هذا المهرجان بمهرجان “كان” أن الجمهور والحرفيين لا يستطيعون مشاهدة الأفلام، إن لم ينتظروا طابور الصف منذ ساعات قبل بداية العرض. وأن مدينة “كان” تحقق مداخيل قياسية خلال فترة انعقاد المهرجان؟ فكفى من المقارنات المغالطة، فالتاريخ لن يعذر أحدا!

لنتماه مع مروجي فكرة أن المهرجان مكسب للسينما المغربية، وهم من “النقاد” المقرّبين من الفرنسيين أو بعض المغاربة، ونتساءل معهم: ماذا استفدتم أنتم أولا؟ هل تعتقدون بأنكم متساوون مع الصحافيين الأجانب؟ هل الإقامة في فندق من فئة خمسة نجوم، أو حضور حفلات عشاء خاصة تعتبر استفادة؟

يا للبؤس. هل الوطن رخيص إلى هذا الحد؟ هل يمكن أن نغض الطرف عن النقائص والهنات بالإقامة والعشاء الفاخر والتقاط الصور التذكارية؟ هل الدعاية للهيمنة الثقافية ترف وتذكار؟

كانت هذه الدورة ضعيفة، بل تراجعت عن مثيلاتها السابقة من حيث حضور النجوم، وجودة لقاءات “الماستر كلاس”، وقيمة الأفلام المشاركة في المسابقة وخارجها.

بدا الجمهور المراكشي أكثر نضجا ووعيا هذه السنة، فقد رفض البعض دعوة المهرجان لملء الكراسي الفارغة أثناء تكريم الممثل والمنتج والشاعر الأميركي “فيغومورتنسن”، وأثناء تكريم السينما اليابانية، وذلك بعد أن غاب المدعوون عنها.

أما نقاد ومثقفو المدينة فيكتفون بمتابعة ما يعجبهم من الأفلام داخل قاعة سينما كوليزي مقابل دفع بطاقة الدخول. هل تتصورون أن مدينة مراكش مليئة بالفنانين والكتاب والباحثين والموسيقيين والمطربين، ولا يفكر فيهم أحد، فهل المهرجان منفتح بالفعل على محيطه القريب؟

الجمهور المراكشي بدا أكثر نضجا ووعيا هذه السنة، فقد رفض البعض دعوة المهرجان لملء الكراسي الفارغة

التقيت بصاحب قاعة عرض فني فرنسي أثناء تحضيره لمعرض أحد الفنانين التشكيليين المغاربة، ففاجأني بهجومه اللاذع الذي انتقاه من اللغة الدارجة والفرنسية، متهما منظمي المهرجان بعدم الاهتمام والتواصل. هذا فضلا عما كالته الصحافة الفرنسية للمهرجان من انتقادات وتجاهل بعض المجلات الفرنسية لأنشطته. فلماذا نتشبث إذن بخرافة الإشراف الأجنبي على المهرجان؟ وما الذي سيقع لو تمّ اتخاذ قرارات شجاعة تدفع نحو الإصلاح؟

لم يجدّد جمهور ساحة “جامع الفنا” الشهيرة، لقاءه الشعبي هذه السنة مع كبار نجوم بوليوود الذين يعرفهم الناس أكثر من نجوم السينما الأميركية والعربية والأوروبية، والسبب يعود، طبعا، إلى عدم القدرة على إقناع هذه الفئة بالحضور (إن بعضهم في “دبي”!).

أما بالنسبة للسينما المغربية، فقد خرجت خاوية الوفاض من حيث النتائج، وأثبتت لدعاة الكمّ، ومردّدي مقولة دعم الصناعة، أن المنظومة التي لا تفبرك فيلما جيّدا يستطيع منافسة السينمات المماثلة، محتاجة عاجلا إلى تفعيل آليات المحاسبة، بدءا ببعض المنتجين الذي يهدرون أموال الدعم، مقدمين ما يشبه الأفلام التلفزيونية السخيفة، محتمين بمن يدافع عن “الكمّ أولا”. وها نحن نحصد الخيبات تلو الأخرى؟

تستغل بعض العلامات التجارية الفرنسية الشهيرة، فرصة انعقاد مهرجان مراكش لتنظيم حفلات دعاية على هامش المهرجان، مستفيدة من حضور الصحافة الأجنبية والفرنسية (120 صحافيا أجنبيا من ضمنهم 50 فرنسيا)، ممّا يجعلنا نتساءل: ألا تعتبر هذه الفرصة الدعائية رخيصة مهما ارتفع ثمنها؟ هل ستستطيع هذه الشركات إقناع هذا الكمّ من الصحافيين بالحضور، ودون دفع، لولا ظروف المهرجان السخية؟

بل السؤال الأعمق: ما الذي يقوم به هؤلاء لصالح السينما والثقافة والسياحة المغربية؟ لقد تحوّل المهرجان إلى آلة “ماركوتينغ” مجانية لبعض الشركات الفرنسية، وصرنا مجرّد منظمي حفلات لا نتقن إلاّ فن النظر والتصفيق. لماذا لا يسوّق المهرجان فضاءاته لمثل هذه الشركات؟ ولم لا يسوّق عروضه أيضا أسوة بباقي المهرجانات السينمائية الأخرى؟

مهما كان الأمر فالمهرجان في حاجة إلى تصحيح مساره، وتغيير وجوهه بما في ذلك مقدّمي فقراته، وسياسته وتوجهاته العامة (اللغة، البرمجة..) كي يتسنى له الارتباط بمحيطه القريب والبعيد، ومدّ جسور التواصل بين الثقافات الأخرى.

16