المهرجان الدولي لفيلم الطالب يمهد لمستقبل السينما في المغرب

الدار البيضاء - "الحرية"، هذا الشعار البراق كان مفتاح البدء والختام للمهرجان الدولي لفيلم الطالب بالدار البيضاء، والذي تُنظمه “جمعية فنون ومهن" بمدينة الدار البيضاء. ولم يكن الاهتداء إلى هذا الاختيار للدورة 12 من باب اللفظ العابر والاختيارات العشوائية، بل مرد ذلك ما تسعى إليه كل دورات المهرجان لجعل صناع السينما الطلاب منفتحين على كل إمكانية للتحرر من قيود القواعد المكرسة، لصالح سينما مستقبلية تحتفي بالجديد والمتجدد، سينما بديلة مُشرعة على الآتي، في كل حركياته الديناميكية.
رفعت هذه الدورة السقف عاليا وهي تحتفي بأحد رموز التأسيس الفني والسينمائي بالمغرب. يتعلق الأمر بالراحل عزيز الفاضلي، الذي تدرب على خشبة المسرح وتعرف عليه الجمهور المغربي بفعل حسه الفكاهي وخفة دمه في تقديم أحوال الطقس في ثمانينات القرن الماضي، بطريقة ممزوجة بروح الدعابة ورهافة التجسيد المسرحي.
استهل الدورة مدير المهرجان الباحث الجمالي عبدالله الشيخ، بكلمة ترسم الخيوط الرفيعة التي قادت مسيرة هذا الحدث طيلة أيامه، من الثاني عشر إلى الخامس عشر من ديسمبر الجاري. وتقاطعت كلمتا كل من رئيسة المهرجان وفاء البورقادي، والمدير الفني لهذه التظاهرة، الكاتب والإعلامي حسن نرايس، لتبرزا أهمية هذه التظاهرة السينمائية الفريدة، ودورها في تعزيز الحوار والتواصل واكتشاف المواهب، وجعل سينما الطلاب في العالم جسرا للمحبة والتسامح والاستمتاع بسحر السينما، وبالتالي أرضا لإعلاء خطاب الحرية.
في حضور مبهر ولافت لثلة من الأسماء الهامة والرفيعة في مجال الإبداع الفني بالمغرب، احتفى المهرجان بأسماء مضيئة في عالم السينما والصناعة الإبداعية بالمغرب الكبير، إذ فضلا عن تكريم روح الراحل عزيز الفاضلي تم تكريم كل من المخرجة والروائية التونسية ميرفت مديني، رئيسة لجنة تحكيم الأفلام الروائية، ومن ثم الناقد والأكاديمي المغربي محمد كلاوي، هو قيدوم النقاد السينمائيين المغاربة، وقد ساهم في انتعاش وتأسيس الحركة النقدية السينمائية بالمغرب.
ويؤكد المهرجان على أن سينما الطالب ليست سينما الفرجة بل سينما صناعة المستقبل والإبداع، قادمة من قلب المعامل الشابة التي تبحث عن سبل للولوج إلى فضاءات السينما الأرحب، مما يسمح بإحداث منافسة مثمرة على مستوى العملية الإبداعية كتابة وتصويرا وإخراجا وتشخيصا، في رؤية آمن بها أصحاب المهرجان، تترصد جوانب السينما المعاصرة من نواح متعددة، منها التأليفية والتحريكية والتوثيقية.
ومنذ دوراته السابقة ظل هذا الحدث البارز في خرائط التظاهرات المهتمة بفنون الشاشة الكبرى بالمغرب، والدار البيضاء خاصة، منشغلا بالقضايا المعاصرة والشابة إبداعا، ومرتهنا بإشعاع الفاعلية والطاقة الخلاقة لدى هؤلاء المبدعين الشباب، فضلا عن جعل العملية الإبداعية السينماتوغرافية غير مقتصرة على ما يحدث أمام وخلف الكاميرا، إذ رصد منذ بداياته مجموعة هامة من اللقاءات والندوات والموائد المستديرة التي تهتم بمناقشة ومعالجة القضايا السينمائية الراهنة.
وفي لقاء تقديم المنجزين النقديين للناقدين محمد شويكة وعبدالكريم واكريم الذي عرفه ثاني أيام المهرجان، بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، تسيير الناقد شفيق الزكاري، ناقش الباحثان رؤيتهما النقدية للساحة السينمائية المغربية والعربية على حد السواء. وقد تقاطعا واشتركا في عدة نقاط تصب في خانة الضعف الصناعي السينماتوغرافي المغربي، وإن كنا نشهد حركية سينمائية واعدة وهامة في هذه البلاد، التي بمقدورها أن تنافس أعمالا عالمية، إلى جانب توفر المملكة على مهرجانات تقدم صورة فضلى عن السينما في المغرب. وبالمقارنة ببلدان عربية أخرى مازالت الصناعة السينمائية المغربية في حاجة إلى دفعة للرفع من سقف الانتظارات.
ويساهم مهرجان سينما الطالب في العملية الصناعية والهندسية التي تسعى لتشييد رؤية بناءة لسينما مغرب الغد. ويشهد على هذا تنظيم ورشة حول التصوير الفوتوغرافي بين الواقع والخيال أطرها الفنان الفوتوغرافي الفرنسي جون مارك ديلتومب، إضافة إلى مائدة مستديرة تكريما لمسار الراحلين نورالدين الصايل وعمر سليم سيرها الناقد السينمائي حسن نرايس، المدير الفني للمهرجان، مع تدشين رسمي لبلاطو نورالدين الصايل وأستوديو عمر سليم بمعهد إ.ش.ب للفن والإعلام.
وفي هذا الصدد تحدث عبدالله الشيخ عن المهرجان واصفا إياه بأنه حدث ثقافي وفني يتيح للمبدعين الشباب عرض أعمالهم السينمائية بمختلف أصنافها، وهي الأفلام الروائية والوثائقية وأفلام الرسوم المتحركة، والمساهمة في تعزيز وتطوير الأعمال التي صممها وأنتجها الطلاب من المغرب ودول أخرى. ولا يمكن الرقي بالسينما عربيا دون الوقوف عند الخطوات الأولى والعتبات الممهدة، عند بدايات التجارب الواعدة، من هذا المعطى التأسيسي يستمد مهرجان سينما الطالب حضوره البارز بوصفه حدثا سنويا مساهما في إنعاش القاطرة السينماتوغرافية العربية، في تماس مع تجارب أجنبية من مختلف القارات.
وقد صرح نرايس عن رهان هذا الحدث الفني قائلا “رهان يجمعنا بشباب ومدارس ومعاهد تجمعنا بها لغة الإبداع السينمائي. إن الدورة هذه تأكيد واضح وجلي على العمق الدولي الذي يحظى به المهرجان منذ أن أصبح واحدا من أهم المهرجانات بتميزه وبخصوصيته وبعلاقته بالتكوين وبسينما المستقبل. مئات الأشرطة ومن جميع الأصناف توصلنا بها هذا العام. وهذا في حد ذاته دليل ساطع على أن المهرجان أضحت له قابلية وأصبح ذا مصداقية ملحوظة في كل أنحاء المعمورة. إنها مفخرة لنا ولا ريب في ذلك”.
وتوجت أفلام عدة بجوائز المهرجان، التي أضيفت إليها جائزة أغلام الموبايل، التي من شأنها أن تجعل السينما في بلداننا العربية تنفتح على كل أشكال التغيير التصويري البديل، الذي يعرف حركة دؤوبة ومتسارعة منفتحة على كل احتمالات المستقبل، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وما بات يتيحه من إمكانات غير مسبوقة.
وقد أسدل مهرجان سينما الطالب ستار أيامه السينمائية لهذه الدورة بتوزيع جوائز تحفيزية وداعمة وتشجيعية لمخرجين شباب، بمقدورهم أن يصيروا صناع الإبداع المستقبلي. توج بالجائزة الأولى في مسابقة الأفلام الروائية شريط “سويتكاس” لسامان هوسنبور واكو زاندكريمى (هابسمان، إيران)، فيما ذهبت الجائزة الثانية إلى شريط “لاباتريد” لتوفيق صابوني (إينساس، بلجيكا)، أما الثالثة فكانت من نصيب جميلة ويفي عن فيلمها “أحمر” (المعهد العالي للسينما بالقاهرة).
وتكونت لجنة تحكيم الأفلام الروائية التي ترأستها المخرجة التونسية ميرفت مديني من الكاتب والصحافي السيناريست عزيز الساطوري، والممثلة سناء بحاج من المغرب. وعلى مستوى مسابقة الأفلام الوثائقية كانت الجائزة الأولى من نصيب فيلم “الكنز الثمين” لأمين فيلالي ونسرين زوين من معهد إ.ش.ب للفن والإعلام (المغرب)، فيما فاز بالثانية فيلم “أويوم” لإيداي أسكاروفا من جامعة مناس (قيرغيستان)، أما الجائزة الثالثة فتحصل عليها شريط “ثروات البحر” لإليزا مزكيطا وأرميل فوات من مدرسة إنساس (بلجيكا).
◙ الجوائز والتكريمات والاحتفالات تفتح الأبواب الموصدة في وجه الجيل الصاعد وتقدم له الدفعة اللازمة للمزيد من الإبداع
وتشكلت لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية التي ترأسها المخرج المغربي عبدالقادر كريم من الفنان الفوتوغرافي الفرنسي جان مارك ديلتومب، والمخرجة المغربية وداد تافكي. وارتأت لجنة الصنف الوثائقي أن تمنح جائزة روتاري للطالب مختار الطويل عن شريطه “مستودع الأيتام” (معهد إ.ش.ب المغرب).
أما بخصوص مسابقة أفلام التحريك فكانت الجائزة الأولى من نصيب فيلم “بابا بوتاي” لكليمون بروتو ولاليطابرو غيير وآخرين من مدرسة غوبلان، فيما الثانية فاز بها فيلم “بينبوي” لإميليه إنينغ من مدرسة إنيماسيون وورك شوب (فرنسا) أما الثالثة فعادت إلى فيلم “الرقص مع الأصداف البحرية” لتيو كارم وجولي فورنيي وآخرين عن مدرسة غوبلان (فرنسا). ضمت لجنة تحكيم أفلام التحريك برئاسة المخرجة صوفيا خياري من فرنسا المخرجين المغربيين نبيل مروش وعلي الركيك.
ومنحت لجنة تحكيم أفلام الموبايل، المشكلة من المخرج عبدالحق العماري رئيسا والمخرج سعيد بازي لعروسي عضوا والفنان الفوتوغرافي وحيد التجاني، الجوائز التحفيزية لهذا الصنف الجديد لكل من شريط “حياة أخرى” لعمار كيلو (المغرب) وشريط “احتجاز” لجونيد إنصاف (المغرب) وشريط “تفكير” لسفيان المعروفي (المغرب).
هذه الجوائز وغيرها من التكريمات والاحتفالات تفتح الأبواب الموصدة في وجه جيل صاعد، وتقدم له الدفعة اللازمة للمزيد من الإبداع القادر على نقل السينما العربية والمغربية إلى المصاف الدولي، فضلا عن الاهتمام بالقضايا العاجلة والراهنة التي تأتي الحرية على رأسها. وذلك في أبعادها الإنسانية والجمالية والتقنية والصناعية، والسينمائية خاصة.
وفي تصريحه لـ”العرب” قال المدير الفني للمهرجان الناقد السينمائي حسن نرايس “لقد حقق المهرجان الدولي لفيلم الطالب، الذي يحتفى هذه السنة بذكرى ميلاده الثانية عشرة، هدفه الأسمى المتمثل في تعريف الجمهور العريض، المغربي وغير المغربي، بالانطلاقة المدهشة لسينما الطالب ومن خلالها ثراء وعمق هذه الحساسية الجديدة التي تعيش أوج تحولها. فقد انفردت هذه الدورة بإحياء ذاكرة ثلاثة أعلام من المغرب؛ عزيز الفاضلي ونورالدين الصايل وعمر سليم”.