المهرجانات وحدها لا تنتج أفلاما ولا مبدعين

المهرجانات السينمائية ليست فقط ضيوفا وعرض أفلام بل هي طريقة لتنمية الإنتاج السينمائي ونوع من الدبلوماسية الثقافية.
الأحد 2021/10/17
عندما تغيب فلسفة المهرجان تغيب الغاية منه

الفيلم والمهرجان مثل وجه ومرآة، يمكن أن ترى فيها الحقيقة الفيلمية الكاملة وإلى أين وصل الفن السابع إبداعا ومخرجين ومنتجين وكتابا للسيناريو وممثلين، وبذلك تحولت المهرجانات إلى حاضنة حقيقية تكتشف من خلالها وعيا إنسانيا وثقافة بشرية تتجلى صباح مساء على الشاشات.

وبذلك أيضا عدنا إلى جوهر المهرجان وغايته في كونه نوعا من الدبلوماسية الثقافية الناعمة التي تلجأ إليها الدول وتدعمها، بل وتمرر من خلالها ما تشاء من رسائل وفي موازاة الرسالة الثقافية – الدبلوماسية هنالك أجواء السوق والتجارة والبيع والشراء، هنالك المنتجون والموزعون في شكل دكاكين مفتوحة تشاهدها في سوق مهرجان عملاق مثل مهرجان كان أو برلين أو غيرها من المهرجانات الكبرى.

فالمهرجان ليس واجهة لتبذير المال بلا طائل، بل إن المهرجانات العريقة تعي جيدا أن ما تنفقه من أموال يجب أن يسترجع من خلال مصادر أخرى ليس أقلها الإعلانات وصفقات بيع الأفلام والاتفاق مع المنتجين وأجور المشاهدة وغيرها من المنافذ الأخرى.

في موازاة ذلك عندما تغيب فلسفة المهرجان تغيب الغاية منه، التجمع الذي يستقطب الفضائيات وكاميرات الصحافة لالتقاط العابرين على البساط الأحمر والأهم صور العابرات، وحيث تسربت الطريقة الأميركية إلى العديد من المهرجانات، ومنها مهرجانات عربية، وهي كون ذلك المكان الذي اسمه المهرجان هو وسيلة تجارية لاستعراض فاتنات السينما وتسابقهن في أي الأزياء أكثر إثارة للجمهور وجلبا لاهتمام الصحافة والفضائيات.

وبعد ذلك ليس المهرجان مجرد صالة عرض خارجة عن إطارها الثقافي والفكري والجمالي، وليس من وظيفة المهرجان إجراء سباق مع مهرجان آخر في سرعة الوصول إلى الأفلام الجديدة، وذلك واقع فعلا في مرحلة ما عندما كانت المهرجانات العربية خاصة تقام في فترة زمنية متقاربة تدفع القائمين عليها إلى التسابق نحو سوق الأفلام العالمية وأي مهرجان لديه مدير شاطر يضع يده على فيلم أميركي جديد قبل أن تصل إليه يد مدير مهرجان آخر، حتى لو اقتضى ذلك دفع أموال كثيرة في بعض الأحيان.

في المقابل سوف يكون هناك مشاهد يترقب أن يشاهد سينما بلاده ومخرجي بلاده وتجاربهم الجيدة فأين هي وسط زحمة الغرباء القادمين من أقاصي الأرض وهم يحملون معهم أفلامهم؟

سوف يعلن المهرجان أنه ليس من مهامه إنتاج أفلام ولا إطلاق مخرجين، وذلك هروب من المسؤولية ولو هناك جزئية تقع على عاتقه وعلى عاتق القائمين عليه فهي أنه مطالب بتنمية السينما وليس الفرجة عليها فقط، ومطالب بإطلاق المواهب الجديدة وتسليط الضوء عليها ومنحها فرصة تستحقها، كما هو مطالب بدعم المشاريع التي تحتاج إلى الدعم لكي ترى النور وهو ما لا نراه في المهرجانات السينمائية العربية عامة وقناعتها بالاكتفاء بالتحول إلى قاعة عرض وبساط أحمر لا أكثر، وهو أقصر الطرق وأبسطها على الإطلاق، فالأفلام متاحة من كل أنحاء العالم عبر منصّات رقمية يمكن الحصول عليها باشتراك بسيط لا أكثر.

الاستغراق في هذه الدوامة لن يجعل أي مهرجان عظيما ولا مهما مهما كرّت دوراته وتعاقبت ومهما جيّر من نقاد وصحافيين لغرض إبراز الفضائل والسكوت على العيوب، ولهذا تبقى مسألة المثاقفة السينمائية ضرورية والمقصود بها هو نقل ثقافة المهرجانات الراسخة عالميا وتعلم تلك الصنعة لإطلاق المخرجين الجدد في تجاربهم الأولى، وتسليط الضوء على أفلام الشباب والمواهب الواعدة وبذلك تتنوع الندوات واللقاءات ذات القيمة الفكرية والثراء الجمالي التي يشارك فيها أولئك المبدعون القادمون الذين وإن لم ينتجهم المهرجان إلا أنه يمنحهم دفعة باتجاه التطور والنجاح.

14