المهرجانات الافتراضية لا تخدم الحالة السينمائية ولا تساهم في تطوير الفن

مع ما يشهده العالم من ظروف صحية تفرض التباعد الاجتماعي التجأت العديد من القطاعات الثقافية والفنية إلى العمل عن بعد، وبتنا نجد مهرجانات سينمائية وعروض أفلام وحتى معارض كتب وحفلات موسيقية وندوات ثقافية تقام افتراضيا، ولكن مع بداية العودة إلى الحضور الجماهيري بات التساؤل ملحّا حول مدى فاعلية استمرار الاعتماد على الفضاء الرقمي، الذي يراه البعض قاصرا عن تحقيق التفاعل الحقيقي والغايات الثقافية والفنية من التظاهرات.
عمان- أجمع مخرجون وفنانون وإعلاميون على أهمية الحضور الوجاهي في المهرجانات السينمائية، مؤكدين ضرورة أن يشعر الجمهور بالتفاعل الحي بينهم وبين المادة المعروضة أمامهم وسط الناس.
وقال متحدثون على هامش مهرجاني “كرامة لحقوق الإنسان” في الأردن و”القاهرة السينمائي” في مصر، اللذين أقيما أخيراً في عمان والقاهرة، إن فضاء العروض السينمائية وتواجد الجمهور في مكان واحد، يخلق تفاعلاً كبيراً بين الفيلم وجمهوره، بعكس مشاهدة كل فرد لوحده العرض في منزله أمام شاشة كمبيوتر أو هاتف نقال يستطيع إيقافه وقت ما يشاء، وبالتالي يفقد بهجة العرض الجماعي وتقاليده، والتحاور مع الجمهور والاطّلاع على الآراء ووجهات النظر المختلفة والمتنوعة.
التفاعل مع الأحداث

سوسن دروزة تؤكد وجود فرق كبير بين إقامة المهرجانات وجاهياً أوعن بعد
لفتت مديرة مهرجان “كرامة” المخرجة سوسن دروزة إلى وجود فرق كبير بين إقامة المهرجانات وجاهياً أوعن بعد، مبينة أن العروض الوجاهية تصنع مشاهدة مختلفة من حيث فكرة الطاقة المشتركة للجمهور، وهو الأمر غير الموجود عند المشاهدة الفردية، ففكرة الشاشة الكبيرة التي تبث الأفلام من خلالها رسائلها الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية بشكل جماعي، تختلف عن مشاهدة فيلم عبر شاشة الهاتف، وتفقد وقتها التأثير الجماعي للأفلام.
واستذكرت دروزة إقامة مهرجان “كرامة” في العام 2020 عن بعد، عازية ذلك إلى ظروف جائحة كورونا. وأضافت “أردنا ألا تغيب فكرة مهرجاننا القائم حول حقوق الإنسان، لكننا فقدنا التأثير الجماعي والاجتماعي والتعاطي الإنساني المباشر”.
بدورها، قالت المخرجة نجوى قندقجي، إن الجمهور يعتقد أن إقامة المهرجانات عن بعد بات سهلاً بسبب تطور منصات المشاهدة الإلكترونية، لسهولة استخدام تقنيات الاتصال الحديثة وتوفرها مع معظم فئات المجتمع، مبينة أن الأمر في الحقيقة صعب وأكثر تعقيداً، بسبب عدم إحساس طرفي المعادلة (المهرجان والجمهور) بالتفاعل الحقيقي بين الأفلام المعروضة وردة الفعل عليها.
وأوضحت أن الغاية الأساسية من أيّ مهرجان هي معايشة الحدث الثقافي والفني بشكل طبيعي وتفاعلي، ورصد تأثير الفن بشكل مباشر على المتلقين، مؤكدة أن تأثير الأفلام السينمائية على المشاهدين يتساوى مع تأثير العروض المسرحية، فـ”المهرجان ليس مكاناً لعرض الأفلام فقط.. بل هو حالة ثقافية فنية”.
فيما رأى رئيس المكتب الصحافي لمهرجان “القاهرة السينمائي” الكاتب المصري محمد عبدالرحمن، أن الأصل في تغطية فعاليات المهرجانات هو الحضور الوجاهي، موضحا “لا يكفي الحضور عن بعد للتفاعل مع الأحداث، لأن الجمهور سيفقد قيمة المهرجان وسيبتعد عن حضور الفعاليات بمواعيدها المقررة، وسيختار الوقت الذي يناسبه هو ليشاهد الفيلم الذي يرغب بمتابعته، وهو ما سيفقده بالتالي عنصر التشويق والدهشة الجماعية”.
وأوضح أن مشاهدة العروض السينمائية مفهوم جماعي، ولاسيما أن الفيلم السينمائي يُصنع لتتم مشاهدته في صالة عرض عامة، لا لكي يشاهده كل شخص بمفرده.
وأشار عبدالرحمن إلى انتظام انعقاد مهرجان “القاهرة السينمائي” في أيام جائحة كورونا، لافتاً إلى أن إدارة المهرجان كانت في مواجهة خيارين، الأول إقامة المهرجان وسط ضوابط صحية مشددة، والثاني تعليق الفعاليات، واخترنا الخيار الأول ونجحنا في تطبيقه، ولم نفكر إطلاقاً بإقامة المهرجان عن بعد.
الحضور هو الأساس
أما الناقدة رنا حداد فلخصت الحالة السينمائية للمهرجانات بفكرة التفاعل، مبينة أن “التظاهرات السينمائية الكبرى التي تقيمها المهرجانات المختلفة، دليل على عافية الفن وتأثيره في الناس، لذا يصنع المهرجان السينمائي الحدث عبر استقطابه أفلاماً من بيئات وثقافات مختلفة ومتنوعة، تعرض لجمهور أتى خصيصاً لمتابعة الثقافات الأخرى للوصول إلى تشابك ثقافي حقيقي مع الآخر”.
ورأت أن فكرة المهرجانات عن بعد لا تخدم الحالة السينمائية ولا تسهم في تطوير الفن، مضيفة “نعي تماما تأثير جائحة كورونا على إقامة الفعاليات المختلفة، لكن إقامتها عن بعد يفقدها قيمتها نظرا لخلوّها من الحضور العام للجمهور”.
وعلى صعيد متصل، يجد الفنان الأردني توفيق الدلو أن حلاوة المهرجانات هي الجمهور إلا أن جائحة كورونا ألزمتنا بالبقاء في بيوتنا، وبهدف تنشيط الحراك الفني قمنا بتقديم أمسيات غنائية عن بعد.
مضيفا “كفنانين كنا وكأننا نغني لأنفسنا رغم أن التطبيقات الذكية كانت تكشف أمامنا الجمهور المتفاعل بالتعليقات، لكن لم يكن ذلك كافياً، وظهر تعطش الناس لحضور الحفلات والمهرجانات بعد إقرار الحكومة الأردنية بالسماح بإقامة الفعاليات شريطة الالتزام بالإجراءات الاحترازية، فالحضور الوجاهي هو الأساس في كل المهرجانات”.

ويرى بعضهم أن شبكة الإنترنت قد توفر بشقيها المسجل والمباشر لجمهور السينما والفنون عامة ما لا توفره العروض الحية والمباشرة، من ذلك مثلا انتفاء شرط الحضور الجسدي والاشتراك المكاني، وتحقيق فرجة متزامنة في أوقات مختلفة لمشاهدين أيا كانت أماكنهم، وهذا قد يوفر لبعضهم ممن كان يتعذر عليهم مشاهدة مسرح أو حفلة أو تظاهرة مّا في بلد مّا من فرصة هامة للفرجة.
ولكنّ آخرين يقرون بأن الوسائل الافتراضية بقدر ما تخدم الفرجة بشكل كبير، فإنها في نفس الوقت تحرمها من متعة الحضور الفعلي، كما تؤثر على الفنانين بشكل كبير.
من جهة أخرى يقر بعض المتابعين بأن التكامل بين الافتراضي والواقعي يبقى ممكنا، لكن العالم الافتراضي المبني على الاستهلاك ومنطق الربح والسهولة والسرعة قد لا يتحمل فنونا فرجوية مثل السينما والمسرح وحتى الحفلات الموسيقية، وبالتالي سيسعى لتطويعها لما يناسب المنطلقات التي نشأ منها، وهي الاستهلاك السريع.