المنفي والدبيبة يتفقان على مراجعة اختصاصات المؤسسات الليبية

تنظيم اختصاصات المؤسسات الأمنية.. هدنة مؤقتة تخفي وراءها صراعا أعمق على بسط النفوذ والتحكم في مفاصل الدولة.
الجمعة 2025/06/27
توافق في مسار واحد

طرابلس - اتفق رئيسا المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، على إعادة تنظيم اختصاصات المؤسسات الأمنية والعسكرية والعدلية في البلاد “بما يضمن عدم التعارض في الصلاحيات”.

ويأتي هذا اللقاء في وقت تشهد فيه العاصمة طرابلس تحركات سياسية وأمنية متسارعة، وسط دعوات محلية ودولية لتفادي التصعيد، وتغليب الحلول المؤسساتية على النزاعات الفردية.

وأفاد المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي بأن الجانبين أكدا خلال اللقاء على أهمية تنفيذ الترتيبات الأمنية ودعم مديرية أمن العاصمة طرابلس، وإنهاء كافة مظاهر الحجز خارج سلطة القضاء، وإخضاع جميع السجون للولاية القضائية الكاملة بالتنسيق مع النائب العام باعتبار ذلك أساسا لترسيخ سيادة القانون وضمان الحقوق.

مراقبون يقولون إن هذا التوافق بين المنفي والدبيبة يخفي صراعا على بسط النفوذ والتحكم في مفاصل الدولة

كما تم الاتفاق على إعادة تنظيم اختصاصات المؤسسات الأمنية والعسكرية والعدلية، بما يضمن عدم التعارض في الصلاحيات والاختصاصات وفق الهيكلية التنظيمية الأساسية، وبما يدعم وزارتي الداخلية والدفاع في أداء مهامها في بيئة آمنة ومنظمة.

وحسب المكتب، فقد جدد الجانبان دعمهما لجهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وأكدا أهمية استمرار التنسيق معها في المسارات السياسية والأمنية، بما يعزز فرص التوافق الوطني الشامل، وفي السياق ذاته استعرض الجانبان مستجدات تفعيل المفوضية العليا للاستفتاء والاستعلام الوطني، والتأكيد على أهمية إجراء استطلاع شعبي واسع محايد وشفاف في أقرب الآجال لإرساء أي مسار دستوري على قاعدة توافق شعبي حقيقي.

وبشأن الجانب المالي، أوضح المكتب أن الطرفين أكدا على اتخاذ تدابير مشتركة لمواجهة أوجه الإنفاق العام التي تخالف القانون المالي ونصوص الاتفاق السياسي، مع التشديد على ضرورة وجود ميزانية موحدة، وخضوع المال العام لآليات الرقابة والتخطيط المسبق، والمراجعة والإفصاح بعد التعاقدات، بما يكفل احترام حق الشعب في المعرفة والمحاسبة.

وتأتي هذه التحركات على خلفية اشتباكات مسلحة شهدتها طرابلس في الثاني عشر من مايو الماضي، تركزت في منطقتي صلاح الدين وأبوسليم، بالتزامن مع أنباء عن مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي عبدالغني الككلي على يد اللواء 444 العسكري التابع لحكومة الدبيبة، وفق إعلام ليبي.

وتجددت الاشتباكات فجر الثالث عشر من الشهر نفسه بين “جهاز الردع” التابع للمجلس الرئاسي وكتائب مسلحة أخرى تابعة لحكومة الوحدة في مناطق متفرقة بطرابلس، إلا أن وزارة الداخلية في حكومة الوحدة أعلنت أن الوضع الأمني بالعاصمة “مستقر وتحت السيطرة” قبل أن تُعلن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وعقب تلك الاشتباكات، شكل المنفي في الخامس من يونيو الحالي لجنة للترتيبات الأمنية والعسكرية برئاسته تتولى “إعداد وتنفيذ خطة لإخلاء طرابلس من المظاهر المسلحة.“

هانا تيته تعرب عن قلقها من احتمال انهيار الهدنة، داعية جميع الأطراف إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس

كما شكل المنفي لجنة حقوقية مؤقتة برئاسة قاض تتولى “متابعة أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز وإجراء زيارات تفتيش ميدانية دورية، وحصر ومراجعة حالات التوقيف التي تمت خارج نطاق السلطة القضائية أو دون الإحالة إلى النيابة العامة”.

ويُمثّل هذا الاتفاق الأخير بين المنفي والدبيبة، رغم مظهره الإيجابي، مجرد تكتيك سطحي يُخفي صراعا أعمق على السلطة والنفوذ، فبعد فترة طويلة من القرارات المتنافسة والاشتباكات الدموية التي كشفت بوضوح عن التنافس المحتدم بين الرجلين على الصلاحيات وتهديده للاستقرار الهش، يظهر هذا التوافق وكأنه محاولة يائسة لاحتواء التوترات وتقديم جبهة موحدة أمام الضغوط الدولية المتزايدة.

ويقول مراقبون إن هذا التوافق لا يمثل حلا جذريا لمشكلة الصلاحيات المتضاربة، بل هو على الأرجح هدنة مؤقتة تخفي وراءها صراعا أعمق على بسط النفوذ والتحكم في مفاصل الدولة.

وتثير هشاشة الوضع الأمني في طرابلس قلقا أمميا ودوليا كبيرا، حيث أعربت المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة هانا تيته عن قلقها من احتمال انهيار الهدنة، داعية جميع الأطراف إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس.

وتعاني ليبيا الغنية بالنفط من انقسام سياسي ومؤسساتي منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في فبراير 2011، حيث تدير البلاد حاليا حكومتان متنافستان: حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة ومقرها طرابلس، وتشرف على غرب البلاد. أما الحكومة الثانية، فهي حكومة أسامة حماد التي كلّفها مجلس النواب منذ أكثر من ثلاث سنوات، ومقرها بنغازي، وتدير شرق البلاد وبعض مدن الجنوب.

4