المنفي والدبيبة يتفقان على إنهاء فوضى الصلاحيات بالمؤسسات الليبية

التوافق على إعادة تنظيم اختصاصات المؤسسات الأمنية والعسكرية والعدلية مجرد تكتيك مؤقت لا يتعدى كونه استجابة للضغوط الأممية والدولية المتزايدة.
الخميس 2025/06/26
هل ينهي التوافق التنافس

طرابلس - اتفق رئيسا المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، على إعادة تنظيم اختصاصات المؤسسات الأمنية والعسكرية والعدلية في البلاد "بما يضمن عدم التعارض في الصلاحيات".

ويأتي هذا اللقاء في وقت تشهد فيه العاصمة طرابلس تحركات سياسية وأمنية متسارعة، وسط دعوات محلية ودولية لتفادي التصعيد، وتغليب الحلول المؤسساتية على النزاعات الفردية.

وقد سبق هذا الاجتماع سلسلة من القرارات المتضاربة التي عكست التنافس بين المنفي والدبيبة، ففي الرابع من يونيو الجاري، أصدر رئيس المجلس الرئاسي قرارا بتشكيل لجنة ترتيبات أمنية وعسكرية مؤقتة في طرابلس، تتولى إعداد وتنفيذ خطة شاملة للترتيبات الأمنية والعسكرية في العاصمة، بهدف إخلاء المدينة من كل المظاهر المسلحة.

وفي المقابل، أحال مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها مذكرة إلى النائب العام، بشأن طلب تشكيل لجنة لمتابعة أوضاع المحتجزين بسجون جهاز الردع والشرطة القضائية، وهو ما أثار جدلا حول قرار المنفي، وأظهر تنافسا واضحا في إدارة الملف الأمني.

وتأتي هذه التحركات على خلفية اشتباكات مسلحة شهدتها طرابلس في 12 مايو الماضي، تركزت في منطقتي صلاح الدين وأبوسليم، بالتزامن مع أنباء عن مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، عبد الغني الككلي، على يد اللواء 444 العسكري التابع لحكومة الدبيبة، وفق إعلام ليبي.

وتجددت الاشتباكات فجر 13 من الشهر نفسه بين "جهاز الردع" التابع للمجلس الرئاسي وكتائب مسلحة أخرى تابعة لحكومة الوحدة في مناطق متفرقة بطرابلس، إلا أن وزارة الداخلية في حكومة الوحدة أعلنت أن الوضع الأمني بالعاصمة "مستقر وتحت السيطرة" قبل أن تُعلن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وقالت حكومة الوحدة إن المنفي والدبيبة عقدا اجتماعا موسعا الأربعاء بالعاصمة طرابلس "تناول عددا من الملفات السياسية والأمنية والمالية ذات الأولوية الوطنية".

وخلال الاجتماع أكد الجانبان "أهمية تنفيذ الترتيبات الأمنية ودعم مديرية أمن العاصمة طرابلس وإنهاء كافة مظاهر الحجز خارج سلطة القضاء وإخضاع جميع السجون للولاية القضائية الكاملة بالتنسيق مع النائب العام باعتبار ذلك أساسا لترسيخ سيادة القانون وضمان الحقوق".

وعقب تلك الاشتباكات، شكل المنفي في 5 يونيو الحالي لجنة للترتيبات الأمنية والعسكرية برئاسته تتولى "إعداد وتنفيذ خطة لإخلاء طرابلس من المظاهر المسلحة".

كما شكل المنفي لجنة حقوقية مؤقتة برئاسة قاضٍ تتولى "متابعة أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز وإجراء زيارات تفتيش ميدانية دورية، وحصر ومراجعة حالات التوقيف التي تمت خارج نطاق السلطة القضائية أو دون الإحالة إلى النيابة العامة".

وبينما قالت حكومة الوحدة الوطنية في بيان سبق قرارات رئيس المجلس الرئاسي، إن تلك اللجان جاءت عقب اتفاق بين رئيسها والمنفي.

وخلال اجتماع الأربعاء، أوضح البيان أن المنفي والدبيبة اتفقا على "إعادة تنظيم اختصاصات المؤسسات الأمنية والعسكرية والعدلية بما يضمن عدم التعارض في الصلاحيات والاختصاصات وفق الهيكلية التنظيمية الأساسية وبما يدعم وزارتي الداخلية والدفاع في أداء مهامهما في بيئة آمنة ومنظمة".

وفي الملف السياسي، جدد الطرفان دعمهما الكامل لجهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مع التأكيد على استمرار التنسيق معها في المسارات السياسية والأمنية، بما يخدم فرص التوافق الوطني ويقود نحو تسوية شاملة ومستدامة.

كما ناقشا ضرورة تفعيل المفوضية العليا للاستفتاء والاستعلام الوطني، من أجل الشروع في استطلاع شعبي واسع، محايد وشفاف؛ يمهّد الطريق لأي مسار دستوري مرتقب، على أن يستند إلى توافق شعبي حقيقي ويحقق شرعية المرحلة المقبلة.

وفيما يخص الجانب المالي أوضح المكتب أن الطرفين أكدا على اتخاذ تدابير مشتركة لمواجهة أوجه الإنفاق العام التي تخالف القانون المالي ونصوص الاتفاق السياسي، مع التشديد على ضرورة وجود ميزانية موحدة، وخضوع المال العام لآليات الرقابة والتخطيط المسبق، والمراجعة والإفصاح بعد التعاقدات، بما يكفل احترام حق الشعب في المعرفة والمحاسبة.

ويُمثّل هذا الاتفاق الأخير بين المنفي والدبيبة، رغم مظهره الإيجابي، مجرد تكتيك سطحي يُخفي صراعًا أعمق على السلطة والنفوذ، فبعد فترة طويلة من القرارات المتنافسة والاشتباكات الدموية التي كشفت بوضوح عن التنافس المحتدم بين الرجلين على الصلاحيات وتهديده للاستقرار الهش، يظهر هذا التوافق وكأنه محاولة يائسة لاحتواء التوترات وتقديم جبهة موحدة أمام الضغوط الدولية المتزايدة.

ومع ذلك، فإن هذا التوافق لا يُمثل حلًا جذريًا لمشكلة الصلاحيات المتضاربة، بل هو على الأرجح هدنة مؤقتة تُخفي وراءها صراعًا أعمق على بسط النفوذ والتحكم في مفاصل الدولة.

وتثير هشاشة الوضع الأمني في طرابلس قلقا أمميا ودوليًا كبيرا، حيث أعربت المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيته، عن قلقها من احتمال انهيار الهدنة، داعية جميع الأطراف إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس.

وفي السياق ذاته، دعت روسيا إلى تشكيل لجنتين أمنيتين لتوحيد القوات النظامية واحتواء الأزمة الليبية المتفاقمة، بما يضمن أمن العاصمة ويحول دون عودة الاقتتال الداخلي.

هذه الدعوات الدولية، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية لتجاوز الخلافات الجوهرية بين المنفي والدبيبة حول تقاسم السلطة وتحديد الأدوار، واللذين لم يُظهرا حتى الآن إرادة حقيقية لتقديم تنازلات تخدم المصلحة الوطنية العليا بدلا من مصالحهما الشخصية.

وتعاني ليبيا الغنية بالنفط من انقسام سياسي ومؤسساتي منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في فبراير 2011، حيث تدير البلاد حاليا حكومتان متنافستان: حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة ومقرها طرابلس، وتشرف على غرب البلاد. أما الحكومة الثانية، فهي حكومة أسامة حماد التي كلّفها مجلس النواب منذ أكثر من ثلاث سنوات، ومقرها بنغازي، وتدير شرق البلاد وبعض مدن الجنوب.

في ظل هذا الانقسام، تبذل الأمم المتحدة جهودًا مكثفة لدفع البلاد نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية، بهدف تجديد شرعية جميع المؤسسات الليبية وإنهاء الصراع بين الحكومتين.