المنظومتان التشريعية والأمنية لا تكفيان لتطويق العنف ضد الأطفال في المجتمع الجزائري

التكتم على العنف يغذي التنشئة المشوهة للمراهقين.
الخميس 2023/11/23
جهود غير كافية

رغم بلوغ الجزائر مرحلة متقدمة في سنّ التشريعات الحامية للأطفال من العنف الأسري والمجتمعي عموما، إلا أن القضاء على الظاهرة يبدو صعبا حتى في ظل معاضدة المؤسسة الأمنية للمنظومة التشريعية، لذلك دعا خبراء في مجال حماية حقوق الطفل إلى ضرورة وضع منظومة متكاملة تشترك فيها عدة مؤسسات وجهات فاعلة في المجال من أجل التصدي للظاهرة.

الجزائر - تجرّم القوانين الجزائرية كل أفعال العنف الواقعة على الأطفال مهما كان نوعها، وعلى غرار غيرها من دول العالم تكفل الجزائر حماية فعالة لأطفالها الذين صاروا عرضة لجرائم عدّة، لكن تبقى المجهودات المرصودة في المجال غير كافية.

وأفاد خبير اجتماعي جزائري بأن بلاده بلغت خطوات كبيرة في مجال سن النصوص التشريعية التي تحمي الطفولة من العنف في مختلف الفضاءات، غير أن المقاربتين القانونية والأمنية تبقيان عاجزتين عن القضاء على الظاهرة خاصة في المحيطات المغلقة، أين تتحدث التقارير من حين إلى آخر عن ممارسة عنف متنوع ضد الأطفال داخل الأسر والمدارس والفضاء العام.

وأكد الرئيس السابق للجمعية الجزائرية للطب النفسي للأطفال والمراهقين والمهن المرتبطة بها إدريس تيرانتي في الندوة التي نظمتها الجمعية بالجزائر العاصمة، أن الجزائر حققت تقدما كبيرا في مجال الحماية القانونية للأطفال والمراهقين من مختلف أنواع العنف. وقال “من الواضح أنه تم إنجاز الكثير من الأمور على المستوى القانوني لمكافحة ظاهرة العنف الممارس ضد الأطفال والمراهقين في الجزائر، لاسيما من خلال انضمامها إلى الاتفاقيات الدولية”، مشيرا إلى أن “القانون الصادر في العام 2015، المتعلق بحماية الأطفال، قد سمح بتحقيق تقدم معتبر في هذا المجال”.

وقد جرّم المشرع الجزائري جميع الأفعال التي من شانها أن تمس بسلامة الطفل سواء في جسمه أو في الوظائف الطبيعية لأعضائه أو اغتصابه، وحدد القانون عقوبة مستقلة بخطف الطفل. كما جرّم جميع الأفعال التي يؤتيها الشخص على الطفل التي من شأنها أن تمس بسلامة جسده. وسلامة جسم الطفل هي مصلحة يحميها القانون بتجريمه كل أفعال الإيذاء العمدي مثل الضرب والجرح ومنع الطعام، وهناك عقوبات عدّة ومختلفة حسب الحالة.

◙ المقاربتان القانونية والأمنية عاجزتان عن معالجة العنف ضد الطفل
◙ المقاربتان القانونية والأمنية عاجزتان عن معالجة العنف ضد الطفل

ويبقى العنف المسلط على الأطفال من بين التابوهات التي يتكتم عليها المجتمع خاصة في المناطق الداخلية والمحافظة، أين يتعرض هؤلاء إلى أشكال متنوعة من العنف اللفظي والمعنوي والجسدي في مختلف الفضاءات، بما فيها الأسر والمدارس والفضاءات العامة.

وتأخذ المسألة حيزا هاما من الخطورة، حسب مختصين وشهود عيان، لما يتحول العنف إلى جزء من التربية لدى بعض الأولياء والمعلمين وحتى المشرفين في دور الحضانة، أين تطبق عليهم إكراهات وتعليمات صارمة، يتغلغل مفعولها تدريجيا في نفسية الطفل إلى أن تتحول إلى عقدة نفسية تظهر آثارها في سلوكه خلال المراحل الموالية من العمر.

وخلال مداخلة له في المؤتمر الثاني الذي نظمته الجمعية، دعا الخبير تيرانتي إلى تطبيق أحكام النص القانوني الذي يقتضي “وضع منظومة تشرك عدة مؤسسات وجهات فاعلة”. وقال “يتعلق الأمر بإنشاء شبكة وطنية مزودة بمرجعيات تسمح بالتدخل السريع بدءا من المستوى المحلي من خلال البلدية وبطريقة منسقة بين جميع الفاعلين”.

ووصف الظاهرة التي تحيط بعالم الطفولة بـ”المشكلة الصحية العمومية”، وأوضح أنها “لا تؤثر فقط على الضحايا الشباب، بل أيضا على بقية أفراد الأسرة، كما تؤثر أيضا على تطور ونمو وراحة الطفل”، مشددا على أهمية دور الحركة الجمعوية خصوصا في مجال مرافقة ضحايا الانتهاكات.

وأكد المتحدث بأن اللقاء سيركز بشكل خاص على مناقشة وسائل وطرق الوقاية والتحرك لمواجهة سوء المعاملة الجسدية والمعنوية التي تستهدف الأطفال والمراهقين، من خلال تنظيم ندوات ومداخلات لمختصين خلال يومي المؤتمر العلمي. وعلى صعيد آخر، وبما يعكس اهتمام المؤسسات الرسمية في البلاد بالتنشئة الطبيعية للطفل، نظمت المديرية العامة للأمن الوطني ندوة حول "ديناميكية العنف المنزلي وانعكاساته على الطفل"، تم خلالها التأكيد على ضرورة تكثيف الجهود لحماية الأطفال من هذه الظاهرة الاجتماعية.

وأوضح مدير مدرسة الشرطة ميلود كحول أن تنظيم مثل هذه الدورات التكوينية يندرج في إطار البرنامج السنوي الذي سطرته المديرية العامة للأمن الوطني للتعريف بمختلف مجالات العمل الشرطي، لاسيما ما تعلق بمكافحة العنف وبالخصوص العنف المنزلي الممارس أحيانا ضد الأطفال من طرف أوليائهم.

ولفت المتحدث إلى أن "هذه الدورة التكوينية التي عرفت مشاركة مختلف الشركاء من القطاعات المعنية، والمفوضية الوطنية لحماية الطفولة وخبراء في المجالات النفسية والاجتماعية والقانونية، تهدف أساسا إلى تكوين موظفي وكوادر الأمن الوطني لتحسين الأداء الشرطي في الميدان قصد بلوغ الاحترافية في مجال مكافحة العنف وحماية الطفولة من مختلف أنواع الأخطار في المجتمع، وهي فرصة للاطلاع على مختلف المعارف والخبرات المكتسبة وتبادل المعلومات في مجال حماية الطفولة مع مختلف القطاعات والخبراء".

◙ العنف قد يتحول إلى جزء من التربية لدى الآباء والمعلمين وحتى المشرفين في دور الحضانة أين يمارسونه بأريحية

وذكّرت رئيسة المفوضية الوطنية لحماية الطفولة مريم شرفي بـ”المكاسب التي حققتها الجزائر في مجال حماية الطفولة، وبمصادقتها على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل، وبدور المفوضية الوطنية لحماية الطفولة التي أنشئت من أجل التكفل بمختلف المشاكل التي قد تتعرض لها هذه الشريحة من المجتمع”، داعية إلى ضرورة مشاركة جميع القطاعات المعنية والمجتمع المدني لحماية الأطفال من مختلف أشكال العنف والأخطار التي قد تواجههم.

وفي ظل غياب بيانات ودراسات دقيقة حول العنف الذي يتعرض له الأطفال في المجتمع، تبقى المنظومتان التشريعية والأمنية غير كافيتين لوحدهما في ظل التعتيم الذي يلف الظاهرة، لاسيما وأن البعض لا يزال يصنف ذلك النوع من العنف في خانة التربية، والحرية الشخصية في تنشئة أطفاله على قناعاته واختياراته، دون تقدير للعواقب الناجمة عن التلقين القسري العنيف.

وذهب ناشطون اجتماعيون إلى اعتبار أن الإعلام والمؤسسة الدينية في الجزائر يبقيان بعيدين عن أداء دورهما في توعية المجتمع ومحاربة الظاهرة التي تساهم في استشراء العنف في المراحل العمرية الموالية، وهو ما تعانيه مدن وأحياء شعبية واقعة تحت قبضة أفراد عصابات الانحراف الذين يجرمهم القانون والمجتمع لكن في الحقيقة هم ضحايا في مرحلة معينة، بحسب ما تحدث به مهتمون بالِشأن الاجتماعي.

وحسب مختصين اجتماعيين، فإن أسباب العنف المستشري في المجتمع متداخلة، لكنها متصلة ببعضها البعض، خاصة وأن طفل اليوم هو رجل المستقبل، وأي انحراف في التربية يساهم في تشويه التنشئة والنمو، وهو ما يظهر في الأعمار والمراحل الموالية في حياة الإنسان، ولعل تسجيل جرائم داخل مؤسسات تربوية من طرف تلاميذ في سن المراهقة هو أحد أوجه ذلك العنف.

15