المنطقة الآمنة تهدد الوجود الكردي في شمال شرق سوريا

حديث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن "وعود أميركية" بشأن عمق المنطقة الموعودة يوحي بأن الاتفاق لم يتضمن تحديد تلك المسألة.
الجمعة 2019/08/16
مصير تسطره القوى الكبرى

المنطقة الآمنة وفق الرؤية التركية تعني إنهاء وجود المكون الكردي على الحدود السورية والاستعاضة عنه بوجود عربي سني، وإزاء هذا الأمر بدأت تتعالى الأصوات محذرة الولايات المتحدة من مغبة الانسياق خلف رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان.

دمشق- كشفت تركيا الخميس أن الولايات المتحدة وعدتها بإقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا على عمق 20 ميلا (30 كيلومترا)، وهذا يتعارض ورؤية الأكراد الذين يطالبون بألا يتجاوز عمق تلك المنطقة 14 كلم على أقصى تقدير.

وصرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الخميس، بـ”أن الرئيس دونالد ترامب وعد بأن يكون عمق المنطقة الآمنة 20 ميلا”، مشددا على أنه “يجب إخراج تنظيم وحدات حماية الشعب من تلك المنطقة”.

وحذر أوغلو من أن “أي تكتيك للمماطلة من طرف الولايات المتحدة لن يكون مقبولا.. فسبق وأن لجأت إلى المماطلة في منبج ولم تلتزم بوعودها”، في إشارة إلى خارطة الطريق التي تم التوصل إليها في الرابع من يونيو 2018 والتي تقضي بانسحاب القوات الكردية من منبج الواقعة غربي الفرات.

وتوصلت الولايات المتحدة وتركيا إلى اتفاق بشأن إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا وذلك بعد مباحثات شاقة احتضنتها العاصمة أنقرة بين 5 و7 أغسطس الجاري، ما جنب المنطقة هجوما كان لوح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير دفاعه خلوصي أكار لطرد وحدات حماية الشعب الكردي.

ويقول محللون إن غموضا كبيرا يلف الاتفاق، لافتين إلى أن حديث أوغلو عن “وعود أميركية” بشأن عمق المنطقة الموعودة يوحي بأن الاتفاق لم يتضمن تحديد تلك المسألة. وأوضح الوزير التركي “هناك مسائل يتعين تحديد تفاصيلها ضمن الاتفاق التركي – الأميركي حول المنطقة الآمنة بسوريا، لهذا قررنا إنشاء مركز عمليات مشتركة، لقد جاء بعض العسكريين من الولايات المتحدة لإنشاء هذا المركز. واليوم (الخميس) سيأتي وفد يرأسه نائب قائد القوات الأميركية في أوروبا إلى ولاية شانلي أورفة”.

ماريا زخاروفا: لا يمكن القبول باقتطاع أراض سورية تحت أي ذريعة
ماريا زخاروفا: لا يمكن القبول باقتطاع أراض سورية تحت أي ذريعة

وأشار جاويش أوغلو إلى أن طائرات تركية دون طيار بدأت تحوم فوق المنطقة الآمنة المخطط لإقامتها، مبينا أنه سيتم إنشاء نقاط مراقبة في المنطقة، وتسيير دوريات مشتركة. وبيّن الوزير التركي أن الغاية هو تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة، لكي يعود السوريون إليها.

ويعد إرجاع اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا أحد الأهداف الرئيسية للنظام التركي، الذي يرمي من وراء ذلك إلى ضرب عصفورين بحجر واحد وهو إنهاء حالة التذمر الشعبي المتصاعدة من اللجوء والتي كلفته غاليا في الانتخابات البلدية الأخيرة، والأهم هو تغيير التركيبة الديمغرافية على طول الشريط الحدودي التركي السوري. وتقطن غالبية كردية في أبرز المناطق الحدودية السورية، وتطمح تركيا لإرسال نحو مليون نازح سوري (عرب سنة) وتوطينهم في تلك المناطق.

ويقول سياسيون أكراد إن النظام التركي يحاول فرض أمر واقع جديد في المنطقة، وإنهاء الوجود الكردي المتجذر في تلك المنطقة تحت ذرائع واهية كالتسويق إلى أن هذا المكون السوري يشكل تهديدا للدولة التركية، وهو أمر غير صحيح. وتصنف تركيا وحدات حماية الشعب الذراع الكردية المسلحة الأبرز في المنطقة تنظيما إرهابيا، زاعمة أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي ينشط على أراضيها.

وقال أوغلو “إن اللاجئين لا يشعرون بالأمن في ظل وجود عناصر تنظيم وحدات حماية الشعب الإرهابي في المنطقة.. لأن التنظيم قام بتهجيرهم منها”. ولفت إلى أن “منطقة شرق الفرات أصبحت مأوى للإرهاب، وفي الوقت الذي نجري فيه مباحثات مع الأميركان، تقوم واشنطن بمواصلة دعم الإرهابيين بالأسلحة، وقد أرسلت مجددا شاحنات محملة بالسلاح إليهم”.

وتابع الوزير التركي “أولا ينبغي على الأميركان أن يكونوا صادقين، وثانيا أي محاولة للمماطلة لن تكون مقبولة من جانب تركيا، وإن الخطوة الأولى في الاتفاق كانت صائبة يتوجب أن نستكملها”.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية كشفت الأربعاء أن الاتفاق بشأن المنطقة الآمنة في شمال غرب سوريا سيتم تنفيذه بشكل تدريجي، مشيرا إلى أن بعض العمليات المتعلقة بالاتفاق ستبدأ في وقت قريب.

وقال المتحدث باسم البنتاغون شون روبرتسون “نراجع في الوقت الحالي الخيارات حول مركز التنسيق المشترك مع نظرائنا العسكريين الأتراك”. وأضاف روبرتسون أن “آلية الأمن سيتم تنفيذها على مراحل”، موضحا أن “الولايات المتحدة جاهزة لبدء تنفيذ بعض الأنشطة بسرعة في الوقت الذي نتابع فيه المحادثات مع الأتراك”.

ووفقا لبنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي بين أنقرة وواشنطن، ستستخدم السلطات مركز التنسيق الذي سيكون مقره في تركيا من أجل الإعداد لمنطقة آمنة في شمال سوريا.

جوزيف فوتيل: فرض منطقة أمنية بعمق 20 ميلا ستكون له نتائج عكسية
جوزيف فوتيل: فرض منطقة أمنية بعمق 20 ميلا ستكون له نتائج عكسية

ويرى مراقبون أنه وفق التصريحات التركية بشأن عمق المنطقة الآمنة فمن الصعب توقع موافقة الأكراد عليها، فذلك لا يعني فقط إنهاء طموحهم في حكم ذاتي بل إن وجودهم في حد ذاته صار مهددا.

ويبدي المسؤولون الأكراد حذرا في التصريحات، ويقول المراقبون إن ذلك أمر طبيعي خاصة وأنه حتى اللحظة لم يكشف بعد عن التفاصيل الدقيقة للاتفاق للبناء على الشيء مقتضاه. وعلقت روسيا الخميس للمرة الأولى على الاتفاق التركي الروسي الذي اعتبرته محاولة جديدة لفصل شمال شرق سوريا.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خلال مؤتمر صحافي “من دواعي القلق استمرار محاولات لما يبدو أنه فصل شمال شرق سوريا. لا نزال نقف مع تحقيق الاستقرار والأمن طويلي الأمد في شمال شرق سوريا عبر تأكيد سيادة سوريا وإجراء حوار مثمر بين دمشق والأكراد، باعتبارهم جزءا من الشعب السوري”.

وأضافت زاخاروفا أنه لا يمكن القبول باقتطاع أراض سورية تحت أي ذريعة، بما في ذلك حجة مكافحة الإرهاب. وشددت على أن الشرعية الدولية تتطلب موافقة دمشق على أي عمليات تجري على أراضيها. وهناك تحفظات حتى في الداخل الأميركي على الاتفاق عبر عنها الرئيس السابق للقيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل.

وحذّر فوتيل في مقال رأي نشرهموقع “ناشونال انتيرست” الاثنين من أن منطقة آمنة سورية تسيطر عليها تركيا “ستسبب المزيد من المشاكل لكل الأطراف المعنية”. وأضاف أن “فرض منطقة أمنية بعمق عشرين ميلا شرق الفرات ستكون له نتائج عكسية، منها على الأرجح التسبب في نزوح تسعين بالمئة من السكان الأكراد، ومفاقمة الوضع الإنساني الذي يشكل أساسا تحديا كبيرا، وإيجاد بيئة للمزيد من النزاعات”.

ونفذت تركيا عمليتين في سوريا في عامي 2016 و2018، وشهدت العملية الثانية دخول القوات التركية جيب عفرين الكردي في الشمال الغربي، نتج عنه نزوح مئات الآلاف من المدنيين الأكراد.

2