المنصات تستقطب الشباب للموسيقى الكلاسيكية وتضعهم تحت الضغط

ميونخ (ألمانيا) - إذا ذكرت الموسيقى الكلاسيكية تتوارد إلى الذهن فورا أسماء عمالقة الموسيقيين الذين أبدعوا هذا الفن، وتركوا تراثا هائلا تستمتع به الأجيال على مدى الزمن، وتلمع من بينهم أسماء بيتهوفن وموتسارت وشوبيرت وباخ وهاندل وفاغنر وريمسكي كورساكوف.
غير أنه مع تطور الحياة العصرية، شاعت ألوان أخرى من الموسيقى والغناء مثل البوب، حيث تتدفق الألحان السريعة والنغمات الراقصة لتلائم الاتجاهات الشبابية التي تستخدم هذه الألحان المنسابة بخفة لتصاحب الخطوات الراقصة.
وقد يكون هناك بعض الأشخاص الذين يعتقدون أن الموسيقى الكلاسيكية عتيقة ومملة ومخصصة لكبار السن، ولكنهم مخطئون. فمن الملاحظ أن عازفي الموسيقى الكلاسيكية الشباب اقتحموا منصات الإنترنت كالعاصفة، معبرين عن براعتهم وشغفهم بهذا الفن على منصتي تيك توك وإنستغرام، وتلهم عروضهم الموسيقية جيلا جديدا، لكي يستكشف أفراده ويتفاعلوا مع الموسيقى الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة.
إنهم يؤدون عزفهم بشكل متزايد في أشكال حفلات موسيقية، مصممة خصيصا للمشاهدة على الهواتف الذكية، وهو تطور منطقي في العصر الرقمي، رغم أنه ليس دون عيوب كما يشير المراقبون.
وعلى سبيل المثال نجد أن عازف البيانو فيليب فيليبسون من مدينة مولهيام المطلة على نهر الرور في القطاع الغربي من ألمانيا، لديه 800 ألف معجب على تيك توك ويقدم عروضا موسيقية في حفلات تباع تذاكرها بالكامل، ومن بينها “ليلة البروفات” وهي سلسلة من الحفلات الموسيقية الراقصة، التي يشاهدها المتفرجون وهم واقفون على أقدامهم، وتنظم سنويا في بلجيكا (منذ عام 1985) وهولندا وألمانيا ولوكسمبورغ.
◙ ألوان أخرى من الموسيقى والغناء مثل البوب شاعت مع تطور الحياة العصرية
ويقول فيليبسون (21 عاما) “إنه لأمر مذهل بالنسبة إلي،” وما يستمتع به بشكل خاص هو لقاؤه مع المعجبين به على منصات الإنترنت، في الحياة الواقعية أي في الحفلات. قنواته تدور غالبا حول الاستمتاع بالموسيقى، ويتحدى نفسه بأمور مثل عزف البيانو وهو معصوب العينين، أو التعامل مع قطعة موسيقية مكتوبة نوتتها على منديل من القماش.
كما يستعرض ببراعة مهارات العزف على البيانو، لشخصية دافني المحبوبة من مسلسل “بريدجرتون” التلفزيوني الرومانسي الذي يعرض في موسمه الأول، وهو يصور أحداثا روائية عن العائلة الملكية البريطانية، مقتبسة من التاريخ وإن كانت لا تطابقه تماما.
ويقول فيليبسون إنه كان ينبغي لمنصة نتفليكس أن تتعاقد مع عازف بيانو حقيقي، ويضيف “مرحبا بريدجرتون، اتصلوا بي.” ويوضح عازف البيانو توني آن الذي يقوم حاليا بجولة حول العالم، لعزف ألحان تمزج بين موسيقى السول الكلاسيكية الجديدة ورومانسية البوب، أن منصات التواصل الاجتماعي أشعلت بالتأكيد اهتمام الشباب تحت سن الثلاثين.
ويصحب آن، وهو كندي الجنسية ويبلغ من العمر 31 عاما، معه ما يصل إلى 3.1 مليون معجب به على منصة إنستغرام، في جولته التي يستخدم فيها حافلة بداخلها غرفة نوم ومكان لتناول المشروبات، وهو يريهم مقتطفات من حفلاته الموسيقية، ويرى أن منصات التواصل الاجتماعي تمثل مقياسا لمدى نجاحه.
ويقول “إذا كان هناك إقبال كبير على مشاهدة الحفلات الموسيقية على منصات التواصل، فمن المرجح حينئذ أن يوجد نفس الإقبال على بوابات البث المباشر.” وتنتمي عازفة البيانو في الحفلات الموسيقية أنيك جوتلر، وهي من منطقة شتوتغارت وولدت عام 1995، أيضا إلى جيل الموسيقيين الذي يرى أن التواجد على منصات الهاتف المحمول أصبح من المسلمات.
وكتبت جوتلر في عام 2023 مقالا للجمعية الألمانية للموسيقيين في باساو بولاية بافاريا، يقول إن “امتلاك قناة على منصة إنستغرام وموقع إلكتروني، يماثل اليوم بطاقة التعارف التقليدية.”
◙ الألحان السريعة والنغمات الراقصة تتدفق لتلائم الاتجاهات الشبابية التي تستخدمها بخفة لتصاحب الخطوات الراقصة
وتضيف أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم بمثابة “أكبر مسرح في العالم” وإن كانت تواجه أيضا منافسة كبيرة، وبشكل عام تكون أمام المشاهدين فرصة للاختيار، إما تمضية الأمسية في قاعة احتفالات لسماع الموسيقى، أو مشاهدة نتفليكس وهم جالسون على الأرائك. وتوضح جوتلر أن “أي شخص ليس له حساب على منصات التواصل، تكون فرصه ضئيلة إلى حد كبير، ويكون مصيره الفشل منذ البداية.”
غير أن البعض يتخذ موقف الانتقاد للدور المتنامي للإنترنت، وللضغوط التي تضعها المنصات الإلكترونية على الموسيقيين، ومن بين المنتقدين دورتي لينا إليرز أستاذة الصحافة الثقافية بجامعة ميونخ للموسيقى وفنون الأداء.
وتقول إليرز إن “الكثير من الفنانين الشباب يشعرون بضغوط كبيرة، نتيجة العروض التي لا نهاية لها والتي يبثها المنافسون على منصات التواصل، وهذه العروض تتعلق بالجمال والتميز على مستوى النطاق العالمي،” وتضيف “إذا أردت ألا يتم الاستحواذ عليك من الناحية العاطفية، بسبب كثرة العروض فسوف تحتاج إلى حالة نفسية قوية.”
وتتفق أنيتا بونجراتز وهي من نفس الجامعة مع هذا الرأي، وتقول “يشعر كل شخص بضغط أن يكون لديه ملف شخصي، مثالي وكامل ومثير للاهتمام على قدر الإمكان، والحفاظ عليه بأفضل طريقة ممكنة.” ولكن تحقيق ذلك وحده يحتاج إلى وظيفة ذات دوام كامل. وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي أساسية بالنسبة إلى منظمي الحفلات الموسيقية، ليس أقلها أنها طريقة للتواصل مع مروجين جدد للحفلات.
وفي هذا الصدد يقول هاني ليانج، المحاضر في فنون تصميم الحفلات الموسيقية بجامعة ميونخ للموسيقى وفنون الأداء، “إن المؤسسات والمروجين ووكالات الموسيقيين يولون اهتماما بعدد المتابعين،” ويضيف “حدث تحول في مجال المتابعة.“