المنتقدون للرقابة على الإنترنت تحت عدسة الحكومة التركية قبل انتخابات تاريخية

"قانون التضليل" التركي.. أحدث تشريع في البلاد يهدف إلى خنق حرية التعبير.
الخميس 2023/05/11
رواية أردوغان هي الطاغية

أنقرة - عندما انفجرت قنبلة في قلب إسطنبول العام الماضي، مما أسفر عن مقتل ستة وإصابة أكثر من 80 شخصًا، فعل سلجوق آدا ما يفعله عادة الصحافيون في الأزمات: بدأ بالتغريد، لتلاحقه المشاكل القانونية والإلكترونية بعدها.

وكتب الصحافي التركي على تويتر “بدأوا الحملة الانتخابية” في إشارة إلى أن الحكومة التركية تلقي باللائمة في الهجوم على المسلحين الأكراد. ونفى حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية أي تورط في الهجوم.

وسرعان ما أغرقه متصيدون مؤيدون للحكومة بالهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي. وتم اختراق موقعه على شبكة الإنترنت. وتعرضت عائلته للإهانة وواجه صديقه تهديدا بإغلاق عمله. ثم جاءت مكالمة من الشرطة.

ديبورا براون: الحكومة سرعت جهود فرض الرقابة على الإنترنت قبل الانتخابات
ديبورا براون: الحكومة سرعت جهود فرض الرقابة على الإنترنت قبل الانتخابات

يتذكر آدا ما سمعه عبر الهاتف “أنت قيد التحقيق وعليك الحضور إلى مقر الشرطة للإدلاء بشهادتك”. وقال لوكالة رويترز “قلت ما السبب؟ فرد المتحدث.. أنت قيد التحقيق بموجب قانون التضليل”.

ويرى محامون ونشطاء أن “قانون التضليل” التركي هو أحدث تشريع في البلاد يهدف إلى خنق حرية التعبير. وقد يواجه الصحافيون والمستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي ما يصل إلى ثلاث سنوات سجنا لنشر “معلومات مضللة” عبر الإنترنت.

وتنص المادة 29 من القانون الجديد على المعاقبة بالسجن لمن ينشر معلومات “تتعارض مع الحقيقة” حول الأمن المحلي والدولي والنظام العام والصحة، وتسبب “القلق العام ونشر الخوف والذعر في المجتمع“.

واعتبر منتقدون أنه لا يوجد تعريف واضح لـ”المعلومات الكاذبة أو المضللة”، مما يترك القانون عرضة للانتهاكات من قبل المحاكم التي يقولون إنها اتخذت إجراءات صارمة ضد المعارضة العلنية في السنوات الأخيرة في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة.

وأوضح آدا أنه احتُجز لبضع ساعات قبل إطلاق سراحه، وأن النيابة العامة لا تزال تحقق معه بموجب “قانون التضليل” الصارم للصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي الذي صدر في أكتوبر من العام الماضي.

وحذر نشطاء حقوقيون من أن قضيته جزء من جهد متزايد لإسكات المعارضة عبر الإنترنت وعرقلة عمل النشطاء والصحافيين قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية.

وسيواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصعب تحد سياسي له حتى الآن عندما يصوت الشعب يوم 14 مايو الحالي، حيث تستشعر المعارضة أفضل فرصة لها حتى الآن لإنهاء عقدين من حكمه وعكس سياساته. وستحدد الانتخابات ليس فقط من يقود تركيا ولكن أيضًا كيف ستُحكم، وإلى أين يتجه اقتصادها، وشكل سياستها الخارجية.

وقالت ديبورا براون، الباحثة البارزة في التكنولوجيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في بيان هذا الأسبوع “سرّعت الحكومة التركية جهودها لفرض الرقابة وتشديد القيود على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المستقلة على الإنترنت قبل هذه الانتخابات”.

كما أعرب باران كايا، محامي آدا الذي يعمل في جمعية دراسات الفضاء المدنية ومقرها إسطنبول الشهر الماضي، أن السلطات فرضت غرامات باهظة على بعض أكبر القنوات الإخبارية في البلاد.

وتم تغريم “فوكس.تي.في”، وهي واحدة من آخر شبكات المعارضة المرخصة المتبقية، بنسبة 3 في المئة من إيراداتها الشهرية بعد أن انتقدت سجل الحكومة في حقوق المرأة، وفقًا لمركز الموارد حول حرية الإعلام في أوروبا.

ويتضمّن القانون إجبار منصات وسائل التواصل الاجتماعي على تسليم البيانات الشخصية للمستخدمين الذين يتم التحقيق بشأنهم إلى المدعين العامين والمحاكم التركية، وفي حال رفض الشركات، هددت السلطات بتخفيض سرعة الإنترنت على مواقع المنصات بنسبة 90 في المئة، كما يتم تعيين ممثلين محليين للتعامل مع إزالة المحتوى عند الاقتضاء.

وأعرب محللون أن شركات وسائل التواصل لديها معايير خصوصية عالمية من غير المرجح أن تنتهكها في تركيا لأن ذلك قد يشكل سوابق خطيرة للدول الأخرى التي تتطلع إلى ممارسة السيطرة على المنصات الاجتماعية.

تقييد الحريات مستمر
تقييد الحريات مستمر

وفي فبراير الماضي، قالت الشرطة التركية إنها اعتقلت 78 شخصًا بتهمة إثارة الخوف والذعر من خلال “نشر منشورات استفزازية” على وسائل التواصل الاجتماعي حول الزلزال المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في تركيا وسوريا.

وقال كاجين إيروغلو، منسق المشروع في جمعية أبحاث الحرية التركية، إن عدد الوفيات الرسمي في الزلزال أقل من قيمته الحقيقية، لكن أيّ تحد لتقديرات الحكومة ينطوي على مخاطر.

وأفاد في مقابلة عبر الهاتف “لا يمكنك القول إننا قمنا بحساباتنا الخاصة.. لقد تغيرت الحقيقة”. وأضاف “يجب أن نتوافق مع الرواية الرسمية للحكومة. عليك أن تتماشى مع هذه الحقيقة حتى لا تتم مقاضاتك بموجب هذا القانون”.

وصرح المحامي كايا أنه لم يعد ينشر مواضيع معينة مثل رد فعل الحكومة على الزلزال، وتابع “أنا محامٍ، لذا أعرف التصريحات التي ترغب الحكومة في مقاضاتها، لذلك أنا حريص”.

وبالنسبة إلى باريس ألتينتاس، المدير المشارك لجمعية الإعلام والدراسات القانونية، “يبدو أن هذا القانون قبل الانتخابات عامل مخيف. إنه لردع وتخويف المجتمع المدني والمواطنين العاديين”.

وقالت لجنة البندقية، التي تقدم المشورة لمجلس أوروبا لحقوق الإنسان، إن أحكام السجن والتداعيات الأخرى للقانون ستكون غير متناسبة مع أهدافها وقد تؤدي إلى “قيود تعسفية على حرية التعبير” قبل الانتخابات.

وقال كايا “إنهم (الحكومة) يريدون أن يكونوا السلطة الوحيدة في هذا المجال”. “ليست شركات (وسائل التواصل الاجتماعي)، وليس المستخدمون”.

لا تقلقوا الكل مراقب
لا تقلقوا الكل مراقب

ويبدو أن تقارير الإعلام الدولي التي تتناول الحريات الإعلامية في تركيا، باتت تقلق السلطات بشكل متزايد في الفترة الأخيرة مع بدء العد التنازلي للانتخابات.

فقد أبدى المسؤولون الأتراك وعلى رأسهم أردوغان انزعاجا من هذه التقارير، حيث صرح مؤخرا أن بلاده لن تسمح بتوجيه سياستها الداخلية عبر أغلفة مجلات عالمية، وذلك تعليقاً على ما كتبته مجلة “الإيكونوميست” البريطانية على صفحتها الأخيرة، وقالت إن الانتخابات التركية هي “أهم استحقاق انتخابي في 2023″، واصفةً الرئيس أردوغان بـ”الدكتاتور”، كما طالبت برحيله.

وجاءت تصريحات أردوغان في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قال إن بلاده لن تسمح بتوجيه سياستها الداخلية وتهديد الإرادة الوطنية بأغلفة المجلات التي هي جهاز تنفيذي للقوى العالمية.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد انتقد تصرف الصحيفة البريطانية خلال زيارته الغرفة التجارية والصناعية بولاية أنطاليا قائلاً “إنهم يتخذون قراراتٍ نيابة عن الشعب التركي أو يحاولون إرشاد الأمة التركية”.

وأضاف جاويش أوغلو أن المجلة دعت في صفحتها الأخيرة إلى “وجوب رحيل” الرئيس أردوغان عن السلطة، وتساءل “لماذا يجب أن يرحل الرئيس أردوغان عن السلطة؟ ما هو الضرر الذي يُلحقه أردوغان بكم؟ أو بم يضر أردوغان بريطانيا مثلاً؟”.

وذهب وزير الخارجية بعيدا بامتداح أردوغان قائلا “لولا أردوغان لكان العالم سيعاني أزمة غذاء حقيقية، ولولا تركيا لكان أمن أوروبا في خطر، لماذا تتدخلون في السياسة الداخلية لهذا البلد؟”.

5