المناهج الدراسية أداة بوتين لتربية جيل جديد على تأييد حروبه

طموحات بوتين تمتد إلى المدارس من خلال ترسيخ حكمه الدكتاتوري داخل نحو 40 ألف مدرسة يتشكل فيها وعي وقيم النشء الجديد.
الاثنين 2022/07/18
أيديولوجيا العداء للغرب تتسرب إلى أطفال روسيا

موسكو- بالتزامن مع توقيعه تشريعا جديدا ليصبح قانونا نافذا يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى خلق جيل جديد مؤيد له ويرفض الانفتاح على الغرب، وذلك عبر تعديل بعض المناهج الدراسية.

فاعتبارا من الصف الأول الابتدائي وما يليه من صفوف، سوف يباشر التلاميذ في جميع أنحاء روسيا حضور دروس أسبوعية منتظمة يشاهدون خلالها أفلاما وعروضا وثائقية وتعليمية عن “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، بالإضافة إلى جولات افتراضية لأهم المعالم في جزيرة القرم التي ضمتها موسكو قبل نحو ثمانية أعوام.

وسيتلقى التلاميذ دروسا ومحاضرات بشكل دوري وثابت تقدم فيها مواد دراسية ذات طابع أيديولوجي وتتناول أمورا مثل “الأوضاع الجيوسياسية” و”القيم التراثية والوطنية”، بالإضافة إلى مراسيم رفع العلم الوطني بشكل منتظم (تحية العلم) في الطوابير الصباحية وعند الانصراف.

◙ المكان الأكثر وضوحًا لعكس طموحات بوتين هو المدارس التي يتشكل فيها وعي وقيم النشء الجديد

ووفقًا للتشريع الذي وقعه بوتين سيتم تشجيع جميع الأطفال الروس على الانضمام إلى حركة شبابية وطنية جديدة على غرار منظمة “رواد” للأطفال والشباب التي كانت موجودة في عهد الاتحاد السوفييتي السابق وتتميز بارتداء الأطفال قبعات حمراء تعبر عن النظام الشيوعي، وستكون المنظمة الوليدة بقيادة وإشراف الرئيس الروسي نفسه.

ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتي أثبتت محاولات الحكومة الروسية لإضفاء أيديولوجيا الدولة على أطفال المدارس فشلها، كما يقول سيرجي نوفيكوف، أحد كبار البيروقراطيين في الكرملين، مخاطبا الآلاف من معلمي المدارس الروس في ورشة عمل عبر الإنترنت.

ولكن الآن، وسط الحرب في أوكرانيا، أكد نوفيكوف أن فلاديمير بوتين يرى هذا الأمر بحاجة إلى التغيير، مضيفا “عملنا الأيديولوجي يهدف إلى تغيير الوعي”.

ومع اقتراب الحرب في أوكرانيا من دخول شهرها الخامس يلفت خبراء إلى أن بوتين زادت طموحاته بشأن إنهاء 30 عاما من الانفتاح على الغرب؛ إذ أن الكرملين قد أقدم على سجن جميع النشطاء الذين انتقدوا غزو جارتهم الغربية، كما جرى القضاء على الصحافة المستقلة، ناهيك عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من يعارض سياسة بوتين بدءا من الأكاديميين والمدونين وليس انتهاء بلاعبي رياضة الهوكي المشتبه في ولائهم.

ولكن لا يوجد مكان أكثر وضوحًا لعكس طموحات الكرملين في ترسيخ حكمه الدكتاتوري أكثر من المدارس البالغ عددها نحو 40 ألف مدرسة يتشكل فيها وعي وقيم النشء الجديد. فمبادرات التعليم على مستوى البلاد، والتي بدأت في سبتمبر من العام الماضي، هي جزء من تدافع الحكومة الروسية لتلقين الأطفال عقيدة بوتين العسكرية والوطنية المعادية للغرب، مما يوضح مدى وصول حملته إلى استغلال الحرب على أوكرانيا لزيادة تعبئة المجتمع الروسي والقضاء على أي معارضة محتملة.

وفي حين أن بعض الخبراء يشككون في أن تؤتي الخطط الكبرى للكرملين أكلها بسرعة أصبحت فاعلية دعاية الكرملين في تغيير أذهان الشباب القابلين للتأثر ماثلة للعيان حتى قبل بداية العام الدراسي الجديد.

وتقول إيرينا، وهي تلميذة في الصف التاسع، إن دروس الكمبيوتر التي كانت تتلقاها في مدرستها بموسكو خلال مارس قد جرى استبدالها بمشاهدة تقرير تلفزيوني حكومي عن استسلام الأوكرانيين للقوات الروسية ومحاضرات تخبرهم بأن المعلومات الموثوقة عن الحرب موجودة فقط لدى المصادر الروسية الرسمية.

وأوضحت إيرينا أنها سرعان ما لاحظت تحولًا بين بعض الأصدقاء الذين كانوا خائفين أو مرتبكين في البداية بسبب الحرب.

وتابعت “لقد بدأوا فجأة يرددون الأمور التي يشاهدونها ويسمعونها في التلفزيون. ويعتبرون أن الحرب كانت أمرا لا مفر منه ولا بد من حدوثها، دون أن يشرحوا لي ذلك بشكل منطقي”.

◙ دعاية الكرملين لتغيير أذهان الشباب
◙ دعاية الكرملين لتغيير أذهان الشباب

وفي مدينة بسكوف بالقرب من الحدود الإستونية قالت مدرّسة اللغة الإنجليزية إيرينا ميليوتينا إن الأطفال في مدرستها جادلوا بقوة في البداية بشأن ما إذا كانت روسيا على صواب أم على خطأ حين أقدمت على غزو أوكرانيا، قبل أن يضطروا إلى تغيير رأيهم تحت زخم الدعاية الحكومية الرسمية في المدارس.

ونوهت المعلمة إلى أنه سرعان ما تبخرت أصوات المعارضة، فأضحى الأطفال يكتبون حرفي Z وV (وهما رمزا القوات الروسية الغازية في أوكرانيا) على السبورات ومقاعد الدراسة وحتى الأرضيات.

وزادت “ذات مرة تظاهر طلاب الصف الخامس والسادس بأنهم جنود روس وأن أولئك الذين لا يحبونهم كثيرًا يسمونهم الأوكرانيين”.

وأوضحت ميليوتينا (30 سنة) التي اعتُقلت في فبراير الماضي بسبب الاحتجاج على الغزو لكنها تمكنت من الاحتفاظ بوظيفتها كمعلمة “الدعاية الحكومية نجحت في تحقيق ما تريده داخل المدارس”.

◙ منذ سقوط الاتحاد السوفييتي أثبتت محاولات الحكومة الروسية لإضفاء أيديولوجيا الدولة على أطفال المدارس فشلها

وأردفت أن التوجيهات الحكومية التي تقضي بعقد سلسلة من الدروس الدعائية المؤيدة للحرب وصلت إلى مدرستها في الأسابيع الأولى التي تلت الغزو.

ووفقًا لنشطاء وتقارير إخبارية روسية، تلقت المدارس في جميع أنحاء البلاد مثل هذه التوجيهات والأوامر من قبل السلطات.

وفي الفصول الدراسية يتم تعليم الطلاب أن الإعلام الغربي يقدم معلومات وتقارير مزيفة بشأن الحرب في أوكرانيا وأنها تهدف إلى زرع الفتنة في المجتمع الروسي، ويُتبع ذلك باختبار مدرسي للتأكد مما إذا كان الطلاب قد استوعبوا ما تلقوه في تلك المحاضرات أم لم يستوعبوه.

ويبدو أن جهود الكرملين في تغيير أفكار التلاميذ، بحسب خبراء، تمثل دفعة جديدة ومكثفة من جهود بوتين المستمرة لعسكرة المجتمع الروسي، وذلك مع جهود واضحة لمسؤولي نظامه في إقناع الشباب بأن الحرب على أوكرانيا كانت مبررة.

ويقول أحد كبار موظفي الكرملين (يدعى ألكسندر خاريشيف) خلال مشاركته في ورشة عمل للمعلمين الشهر الماضي استضافتها وزارة التعليم “يجب أن تكون الوطنية هي القيمة المهيمنة على شعبنا”.  وعرّف مفهومه للوطنية قائلا إنها “الاستعداد للتضحية بالحياة من أجل الوطن الأم”.

5