المنامة تحتفي بمئوية الشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة

ما تزال الشاعرة العراقية نازك الملائكة حاضرة في الوجدان العربي بصفتها تجربة رائدة في عالم الشعر والنقد وتجديد الأدب العربي، ومن ناحية أخرى استعادة المرأة العربية لدورها الثقافي الطلائعي، وهو ما يجعلها واحدة من أبرز التجارب التي يحتفى بها دائما حتى بعد عقود من رحيلها.
المنامة – الاحتفاء بشاعرة عربية رائدة مثل نازك الملائكة لا يتوقف على قطر عربي بعينه، إذ مثلت الشاعرة تجربة راسخة في نفوس كل العرب، لما تركته من إرث أدبي وفكري خالد.
ومؤخرا احتفى أكاديميون ونقاد بحرينيون بالشاعرة العراقية عبر ندوة تناولت أهم تجاربها وتأثيرها الممتد عبر الجغرافيا والزمن إلى الآن.
الشاعرة المختلفة
احتفاء بالشاعرة نظم مركز عبدالرحمن كانو الثقافي بالمنامة مؤخرا بالتعاون مع هيئة البحرين للثقافة والآثار ندوة بعنوان “الاحتفاء بالدور الريادي للشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة”، تحدث فيها الأكاديميان علوي الهاشمي وفهد حسين، والشاعرة فاطمة محسن وأدار الحوار الشاعر علي عبدالله خليفة.
واستهل الشاعر خليفة الأمسية بالحديث عن الأكاديمية الملائكة بصفتها واحدة من أبرز رواد التجديد في الحركة الشعرية العربية والتي كان لها الدور الرائد في الحركة من خلال الإنتاج والتنظير، وأعمال التدريس والنقد وتأليف العديد من الدواوين الشعرية المهمة.
وأشار إلى أن هذا الاحتفاء قد دعت إليه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم للاحتفاء بمرور مئة عام على ميلاد الشاعرة، وتم عرض فيلم للاحتفالية التي أقيمت بهذه المناسبة في العراق وعرضت فيه سيرة الشاعرة الملائكة ومحطات حياتها منذ الطفولة وعدد من قصائدها الشعرية.
وبعد ذلك تحدث الأكاديمي الهاشمي عن لقائه بالشاعرة الملائكة في العام 1972 في رحلة البصرة وعدم قدرته على الوصول إليها وتسجيل أي من قصائدها لطبيعتها المنعزلة المحبة للهدوء والوحدة.
وأضاف الهاشمي أن شخصية الشاعرة كانت تميل إلى الجدية، وقد علق خليفة على ذلك بقوله إن “الشاعرة نازك شكلت أيقونة خاصة في حركة الشعر العربي الحديث، فكانت روحها المنطوية المرتدة لداخلها التي عبرت عنها في ديوانها عاشقة الليل الذي تضمن مادة ثرية ومهمة في تفتيت وحدة البيت في القصيدة العربية القديمة التقليدية وابتداع شكل جديد”.
ثم أشارت الشاعرة فاطمة محسن إلى أن علاقتها مع شعر الملائكة بدأت منذ أن كانت على مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة، فقد وقفت أمام نصوص الشاعرة كثيرا واختلفت نظرتها للشعر.
وأضافت أن “الشعر يطرق بأسئلته الأبواب لتفتح ويتضح الوعي بالعالم والغوص بداخله، فشعر الملائكة له حضور قوي ووعي يتمثل في غوصها في الذات الإنسانية واشتباكها معها في فيض من الأسئلة”.
كما عبر الأكاديمي حسين بقوله إن الشاعرة الملائكة عبرت عن تكوين ثقافي حقيقي تأسس من المنزل، وأرض العراق أرض الثقافة التي ولدت فيها العديد من الهامات العظيمة كما تأثر أبناء الخليج بالأغنية العراقية منذ القدم.
وأضاف أن “ثقافة نازك الملائكة ولدت من الحضارات العراقية التي توالت على بلاد الرافدين، فالشاعرة الملائكة ابنة الحضارات التي تأثرنا بها منذ أيام جلجامش حتى اليوم، فتؤوّل نصوصها بمنحنى ثقافي ووجب أن تكون لها مسحة تنويرية داخل المجتمع”. وفي ختام الندوة تم فتح المجال لمداخلات الجمهور وتم تكريم المشاركين من قبل رئيس مجلس إدارة المركز.
الريادة النقدية
تثبت تجربة الملائكة من ناحية أخرى أن الكتابة عند المرأة المتسمة بالاختلاف هي خير وسيلة لتثوير الفكر وقلبه، وعندها لن ترى المرأة نفسها هامشا؛ بل تراها كيانا مدركا يرفض الهيمنة والتبعية الرمزية وكل ما له صلة بالمنشأ الاجتماعي والتكوين الجسدي.
ومعلوم أن الملائكة خاضت غمار الاختلاف على المستويين العملي والنظري، فكانت نتيجة الأول الريادة في كتابة الشعر الحر، وكانت نتيجة الثاني الريادة في التمنهج بالنقد الحداثي تنظيرا وممارسة.
“فأما حداثة نازك الملائكة الشعرية فسببها الشعور أن رقدة طويلة مرَّ بها الشعر العربي طيلة القرون الماضية، وأننا ما زلنا أسرى تسيرنا القواعد التي وضعها أسلافنا في الجاهلية وصدر الإسلام، وأن شعرنا مازال في صورة قفا نبك وبانت سعاد، لذا لا مجال للتطور إلا بأن تكون اللاقاعدة هي القاعدة الذهبية” (ديوان نازك الملائكة، المجلد الثاني، ص 7 – 9).
ومن النقاد الذين اعترفوا للملائكة بالريادة الدكتور صلاح فضل الذي وجد في دراستها لهيكل القصيدة ضمن كتابها “قضايا الشعر المعاصر” محاولة تطبيقية بنيوية، لاسيما وسمها الهيكل بالتماسك والصلابة والكفاءة والتعادل التي هي خصائص تشارف خصائص البنية (ينظر: نظرية البنائية في النقد الأدبي، د. صلاح فضل، ص 479).
وحقيقة الأمر أن ريادة الملائكة النقدية لم تنحصر في كتابها أعلاه، بل شملت كتبها كلها، على وفق رؤية تريد استقلاب النقد العربي، دافعة بعجلته نحو الحداثة. ولهذا نجدها لا تبالي بالجمع بين نظرية النص ونظرية التحليل النفسي، أو بين السيرية والنصية، مبتغية إيجاد منطقة ثقافية في الدراسة النقدية سابقة لأوانها. وهذا ما تجلى في كتابها “الصومعة والشرفة الحمراء دراسة نقدية في شعر علي محمود طه” الذي فيه وطدت الملائكة اختلاف فكرها النقدي مبتعدة عن ذاتها وتجاربها، متبعة منظورا شكليا في معالجة النصوص أيّا كانت أدبية أو نقدية.