المنافسة الصينية والأميركية تسحق شركات الألواح الشمسية الأوروبية

توقف مصنع ماير برغر في ألمانيا مثال على فقدان الأمل في إنقاذ القطاع.
الأربعاء 2024/04/17
هل تعرف ما هي مكونات الألواح؟

استسلمت شركات الألواح الشمسية في أوروبا إلى حقائق الواقع في ظل بطء بروكسل في تحفيز هذه الصناعة التي تواجه منافسة صينية وأميركية شرسة نتيجة التشجيعات التي يقدمها البلدان للمستثمرين ما حتم عليها اختيار وجهات أخرى للاستمرار في الإنتاج دون قيود.

فرايبورغ (ألمانيا) – فوّتت الحكومات الأوروبية، التي من الممفترض أن تدعم مصنعي الطاقة الشمسية هذا الأسبوع، فرصة منع شركة ماير برغر لصناعة الألواح الشمسية من نقل مصنعها من ألمانيا إلى الولايات المتحدة. وأغلق المصنع في مدينة فرايبورغ في شرق ألمانيا أبوابه في منتصف شهر مارس الماضي، وقام بتسريح 500 عامل.

وأصبحت ماير برغر المدرجة في سويسرا في قائمة متزايدة من مصانع الطاقة المتجددة الأوروبية التي تغلق أبوابها أو تنتقل، بعدما ذكرت 10 شركات أخرى على الأقل خلال 2023 أنها تواجه صعوبات مالية.

وعُلقت أذرع روبوتية بيضاء فوق منصات خشبية فارغة بالمصنع بينما كان العمال يعدون خط الإنتاج الأخير قبل الإغلاق. وانتهت في مارس الماضي، المحادثات مع الحكومة التي سعت لتأمين مستقبل للمصنع، وأكد فشلها متحدث باسم الشركة لرويترز.

وقالت وزارة الاقتصاد الألمانية إنها تدرك “وضع الشركات الألمانية الخطير” وتدرس خيارات التمويل مع الصناعة منذ أكثر من سنة. ووافقت على منح ماير برغر ضمان ائتمان تصدير للمعدات المنتجة في ألمانيا ليعتمدها في المصانع الأميركية، وسيدعم ذلك موقعا قريبا، ولكنه لن ينقذ حالة فرايبورغ.

غونتر إرفورت: سننتقل إلى الولايات المتحدة في غياب أي دعم أوروبي
غونتر إرفورت: سننتقل إلى الولايات المتحدة في غياب أي دعم أوروبي

وخفض الإغلاق إنتاج الألواح الشمسية الأوروبية بنسبة 10 في المئة، وحدث في خضم ازدهار طاقة الرياح والطاقة الشمسية في القارة.

وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الإضافات على قدرة الطاقة المتجددة كالألواح الشمسية تعمل بوتيرة قياسية، لكن الشركات المصنعة التي تزود هذه الألواح في أوروبا تعاني أمام المنافسة الصينية والأميركية التي تقدم حكومتاهما مزيدا من الدعم للمنتجين.

ويثير هذا الوضع مشاكل للحكومات الأوروبية الحريصة على مكافحة تغير المناخ، ويتوجب عليها إما تقديم المزيد من الدعم لضمان قدرة الإنتاج المحلي على المنافسة، أو السماح للتدفق غير المقيد للواردات بمواكبة وتيرة المنشآت.

ويفترض أن يكون اجتماع وزراء الطاقة الأوروبيين في بروكسل قد قدم الاثنين الماضي، بادرة دعم لهذه الصناعة المتعثرة.

وتعمل الصين على توسيع إنتاج الطاقة الشمسية وتمثل الآن 80 في المئة من قدرة تصنيع الطاقة الشمسية في العالم. وتقدر شركة الأبحاث وود ماكينزي تكلفة إنتاج الألواح هناك بنحو 12 سنتا لكل واط من الطاقة المولدة، مقارنة بنحو 22 سنتا في أوروبا.

وتمكّن الإعانات الأميركية، المدرجة ضمن قانون خفض التضخم لسنة 2022، بعض مصنعي الطاقة المتجددة ومطوري المشاريع بالمطالبة بإعفاءات ضريبية. ويجذب هذا الشركات من داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه.

وتؤكد ماير برغر إن خططها تشمل مصنعا للألواح الشمسية في أريزونا ومصنعا للخلايا الشمسية في كولورادو.

وقال رئيسها التنفيذي غونتر إرفورت في مقابلة مع رويترز “اتخذنا خطوة جريئة في غياب أي دعم لسياسة الصناعة في أوروبا ونقلنا مشروع توسيع الخلايا الشمسية من ألمانيا إلى الولايات المتحدة”.

كما أوقفت شركة البطاريات فراير بالنرويج العمل في مصنع نصف مكتمل بالقرب من الدائرة القطبية الشمالية، وهي تركز اليوم على خطط لإنشاء مصنع بولاية جورجيا الأميركية. وقالت في فبراير الماضي، إنها غيرت تسجيلها من لوكسمبورغ إلى الولايات المتحدة.

وأعلن رئيس الشركة التنفيذي بيرغر ستين “أمضينا وقتا طويلا للتأكد من أننا لم نرتكب خطأ”، حيث كانت الشركة تبحث عن الدعم من الحكومات النرويجية أو الأوروبية أولا.

وأضاف “ثم بلغنا المرحلة التي خلصنا فيها إلى أن الاستجابة على مستوى السياسة لم تكن وشيكة”.

وعلقت وزارة التجارة والصناعة النرويجية بالقول إنها “أطلقت إطارا للسياسة الصناعية يستهدف تقنيات انتقال الطاقة بما في ذلك الطاقة الشمسية والبطاريات”. لكنها لم تشر إلى التمويل الإضافي للشركات.

ميثاق

مايكل بلوس: ميثاق إنشاء صناعة أوروبية لن يحمل أي تأثير فوري
مايكل بلوس: ميثاق إنشاء صناعة أوروبية لن يحمل أي تأثير فوري

وضعت جمعية الطاقة الشمسية في أوروبا ميثاقا طوعيا للحكومات والشركات في اجتماع الاثنين، وهو يتناول دعم محطات تصنيع الطاقة الشمسية.

وينص الميثاق على أن مشتري الألواح الشمسية يجب أن يدرجوا بعض الإنتاج المحلي فيما يشترونه، لكن شركة سولار باور يوروب ترى أنه غير قابل للتنفيذ.

وأطلق مايكل بلوس، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر، عريضة خلال هذا الشهر دعا فيها إلى اتخاذ إجراءات على المستوى الأوروبي لإنقاذ مصنعي اللوحات الشمسية.

وأكد بلوس أنه يضغط على المفوضية الأوروبية لإنشاء صندوق بقيمة 200 مليون يورو (213 مليون دولار) لشراء ألواح شمسية غير مستخدمة أوروبية الصنع، لكن بروكسل لم تكن مستعدة لمتابعة ذلك.

وقال لرويترز “ندعم إنشاء صناعة الطاقة الشمسية الخاصة بالقول، ولكن العمل لا يثمر أي شيء”. وأضاف “الميثاق أشبه بإعلان سياسي وقعته الدول الأعضاء وشركات الطاقة الشمسية والمفوضية، وسيكون طويل الأجل، ولن يحمل أي تأثير فوري”.

واعتمد صانعو السياسة الأوروبيون في فبراير قانون الصناعة الصفرية، وهو مشكّل من مجموعة من التدابير تشمل هدفا لإنتاج 40 في المئة من احتياجات التكنولوجيا النظيفة في المنطقة بحلول 2030.

ووافق الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي على ما يقرب من مليار دولار واحد من المساعدات الحكومية الألمانية لشركة إنتاج البطاريات السويدية، نورثفولت، لمساعدتها في إنشاء مصنع إنتاج في ألمانيا بعد أن هددت بنقل أعمالها إلى الولايات المتحدة.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعتمد الاتحاد فيها إجراء استثنائيا يسمح للدول الأعضاء بالتدخل بالمساعدات لمواجهة خطر مغادرة الاستثمار لأوروبا. ولكن المساعدات للعمليات الجارية لم تكن سريعة، مع تواصل خلاف سياسي حول مقدار الأموال العامة، التي يمكن أن تُضخ في الشركات المتعثرة.

وأكد متحدث باسم المفوضية الأوروبية لرويترز أن القرارات المتعلقة بدعم الصناعات أو الشركات مثل ماير برغر ترجع إلى الدول الأعضاء. ويرى متحدث باسم وزارة الاقتصاد والمناخ الألمانية أن المساعدات للحفاظ على شركة قائمة مثل ماير برغر لن تكون قانونية “إذا وُجد نقص في آفاق السوق من وجهة نظر الشركة”.

كما عارض الزبائن المحتملون كشركات تركيب الطاقة المتجددة التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الصينية الرخيصة أي دعم جديد للمصانع المحلية، حيث قد تضر هذه التحركات بهم عبر التسبب في تأجيل المستهلكين لتقديم الطلبات أثناء انتظارهم قدوم الدعم.

متشابكة

ماريوس موردال: الصين ستصنع ضعف الألواح المتوقع تركيبها في 2024
ماريوس موردال: الصين ستصنع ضعف الألواح المتوقع تركيبها في 2024

ذكرت شركة ريستاد أنيرجي الاستشارية وصانعو الألواح الشمسية أن حصيلة أكثر من سنة من الألواح المستوردة منخفضة السعر تتكدّس في المستودعات الأوروبية في انتظار التركيب. وأكدت أن هذا التراكم قد يتضاعف مع استمرار توسع القدرة الصينية.

وصرّح ماريوس موردال باكي، كبير محللي الشركة أن الصناعة الصينية ستكون قادرة على صنع ضعف عدد الألواح المتوقع تركيبها في جميع أنحاء العالم خلال 2024 إذا أمكنت متابعة جميع الخطط التي أعلنتها شركاتها.

وكدّست سولاروات ومقرها دريسدن مخزونا لمدة تتراوح بين 6 إلى 9 أشهر، وشكّل هذا ارتفاعا من نحو ستة أسابيع وفق تصريحات رئيسها التنفيذي ديتليف نيوهاوس لرويترز في مارس.

وسرحت الشركة حوالي 10 في المئة من موظفيها خلال 2023. وتقول إن إنتاجها المحلي يعمل بنحو ثلث طاقته. وقال نيوهاوس إن “هذه الصناعة تعدّ مهمة جدا للمستقبل، ولا يمكننا السماح بخسارة كل كفاءتنا”.

ويؤكد المحللون غموض ماهية الدعم الذي يمكن أن يساعد بالفعل، لأن إنتاج شركات مثل ماير برغر تبقى جزءا صغيرا مما تحققه تلك الموجودة في الصين، أو المخطط لها في الولايات المتحدة.

وقال يوجين بيرغر، كبير المحللين في ريسرش بارتنرز أي.جي، “إنها صغيرة، وستكافح لذلك دائما مع الحجم للتنافس مع المنتجين الصينيين والأميركيين”.

وتبقى صناعات التكنولوجيا النظيفة المحلية متشابكة عالميا لدرجة تصعّب على المصنعين الأوروبيين تخيل سلسلة توريد مستقلة تماما.

وتقول نورصن التي تتخذ من النرويج مقرا لها، والتي تنتج رقائق شمسية وهو فيلم سيليكون رقيق يستخدم في الألواح، إن المعدات الصينية حيوية لمصنعها في النرويج ولمنشأة مقترحة في الولايات المتحدة.

وأوقفت الشركة الإنتاج في مصنع النرويج بينما تقرر ما إذا كانت ستتركه، إذ يجب أن تُستورد جل المعدات المعتمدة في أي من المشروعين من الصين. وقال كارستن رور، كبير المسؤولين التجاريين في نورصن، “لا يوجد خيار آخر”.

أمر متكرر

الطاقة المتجددة رهان المستقبل
الطاقة المتجددة رهان المستقبل

شهدت فرايبورغ كل هذا من قبل. واستفادت الشركات التي تنشئ عمليات في المنطقة منذ التسعينات من برامج التمويل الفيدرالية لإعادة بناء ألمانيا الشرقية ومساعدتها على سد الفجوة مع ازدهار ألمانيا الغربية.

ونشأت صناعات جديدة، بما في ذلك في الطاقة الشمسية وأشباه الموصلات، لكن فرايبورغ تلقت ضربة كبيرة في 2010 بعد أن ازدهرت صناعة الطاقة الشمسية في الصين وقوضت منافسيها.

وألغت الحكومة الألمانية في 2020 الحد الأقصى لدعم منشآت الطاقة الشمسية مما ساعد على رفع الطلب. وأشارت صفقة الاتحاد الأوروبي الخضراء في 2021 إلى الدعم السياسي للطلب المستقبلي، بينما ساهم غزو روسيا لأوكرانيا في نشر الطاقة الشمسية.

وانطلقت ماير برغر، التي يقع مقرها الرئيسي في غوات بسويسرا، الإنتاج في فرايبورغ خلال 2021، وبدأت الصناعة تنتعش حينها، وبدأ معه تجديد محطة شركة طاقة شمسية مفلسة كانت غير مستخدمة لحوالي ثلاث سنوات. وقال عمدة فرايبورغ سفين كروغر إنها أصبحت لفترة ما واحدة من أكبر موفّري العمل في المدينة.

أما المتدرب ماكس لانغ، (19 عاما)، فقال وهو يحيي زملاءه بإيماءة صامتة أثناء تنظيف الآلات المعطلة على أرضية المصنع “هذه هي المرة الثانية التي تتعرض فيها صناعة الطاقة الشمسية الألمانية للخطر”.

وأضاف “فشلت من قبل بالفعل. لكنني أشك في أنني سأتمكن من ممارسة مهنة في صناعة الطاقة الشمسية الأوروبية إذا فشلت مرة أخرى لأنني لا أعتقد أنها ستعود”. وتساءل عما إذا كان سيجد عملا بديلا في صناعة الطاقة الشمسية الأميركية.

10