المناخ وعسكرة الفضاء مؤشر إلى الساعة صفر للبشر

"ساعة القيامة" تقترب من منتصف الليل إلا مئة ثانية ما ينذر بإمكانية فناء العالم.
السبت 2020/01/25
ما يقارب قرنا من التقلبات

حرك علماء وخبراء دوليون عقارب ساعة رمزية صممت للإنذار باقتراب نهاية العالم، من جديد، في إشارة إلى ارتفاع الخطر على البشرية إلى أعلى مستوياته بسبب التهديدات الناتجة عن التغيّر المناخي وسباق التسلح وعسكرة الفضاء، قائلين إن العالم أقرب ما يكون للفناء.

شيكاغو – اقتربت “ساعة القيامة” إلى نحو مئة ثانية قبل منتصف الليل الخميس، في إشارة رمزية إلى ارتفاع الخطر على البشرية إلى أعلى مستوياته منذ إنشاء الساعة في العام 1947، بسبب التهديدات الناتجة عن التغيّر المناخي والسباق النووي.

ويشرف على تحديد موقع عقارب هذه الساعة علماء وخبراء دوليون، وهي ساعة رمزية تم إحداثها منذ 73 عاما من قبل مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو، وهي تنذر من خطر حصول كارثة كبرى على الأرض كلما اقتربت عقاربها من منتصف الليل، وقد صممتها نشرة علماء الذرة كمؤشر على إمكانية فناء العالم.

ووفقا لمصادر إعلامية، صرح المدير العام لمعهد المشاكل الإقليمية، دميتري جورافليوف أن تقديم عقارب ساعة “يوم القيامة” عشرين ثانية إلى الأمام يدل على تدهور الوضع في الساحة الدولية بسبب مجموعة من العوامل.

وبحسب ما أعلن القيّمون عليها، في العام 2018، كان جرى تقديم عقارب ساعة نهاية العالم، التي ترمز إلى اقتراب حلول كارثة كبرى على كوكب الأرض، ثلاثين ثانية، بسبب الخوف المتنامي من إمكانية اندلاع حرب نووية أو أي تصرّف “غير متوقّع” من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

و”منتصف الليل” له معنى إضافي إلى جانب تهديد الحرب المستمر. هناك العديد من الأشياء التي تؤخذ في الاعتبار عندما يقرر علماء من مجلة علماء الذرة ما يعنيه منتصف الليل وما تعنيه الكارثة العالمية في الواقع في سنة معينة؛ قد تشمل “السياسة والطاقة والأسلحة والدبلوماسية وعلوم المناخ”.

وتفاقم مستوى الخطر بسبب حرب المعلومات والتقنيات التكنولوجية التخريبية التي تبدأ بفيديوهات وتسجيلات كاذبة وصولا إلى عسكرة الفضاء وتطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت.

نختبر الآن مدى اقتراب العالم من الكارثة التي لا يبتعد عنها سوى ثوان قليلة، لا ساعات ولا حتى دقائق

وتقول راشيل برونسون رئيسة “نشرة علماء الذرة” المسؤولة عن تعديل عقارب هذه الساعة سنويا، خلال إعلانها عن تقديم ساعة القيامة “نحن نختبر الآن مدى اقتراب العالم من الكارثة التي لا يبتعد عنها سوى ثوان قليلة، لا ساعات ولا حتى دقائق”.

وعند إنشاء الساعة، وضعت عقاربها قبل 7 دقائق من منتصف الليل. ولاحقا تمّ تقريبها وفقا لاشتداد الأخطار التي تهدّد البشرية.

وسجل التوقيت الأسوأ السابق الذي وصلت إليه البشرية في مرحلتين، وهما العام 1953 وخلال الفترة الممتدة بين العامين 2018 و2019 حين وضعت عقارب ساعة القيامة قبل دقيقتين من منتصف الليل، نتيجة لتهديدات كوريا الشمالية بالإضافة إلى خطر ارتفاع درجة حرارة الأرض، في حين سجّلت الساعة أبعد توقيت لها بعد انتهاء الحرب الباردة في العام 1991، مع 17 دقيقة قبل منتصف الليل.

وفي 14 يناير 2012 تم تحريكها إلى خمس دقائق قبل منتصف الليل بسبب عدم الجدية في مكافحة السلاح النووي، والنزاعات العالمية، وأحداث الربيع العربي، وخطر سقوط الأسلحة النووية بأيدي إرهابيين أو احتمال قيام نزاع مسلح في الشرق الأوسط بالإضافة إلى التغير المناخي.

وفي مطلع عام 2013 تمت مراجعة التوقيت للنظر في إمكانية التغيير إلا أنه لم يغير، وعدلت في 2017 بتحريك الساعة دقيقتين ونصف الدقيقة، بحيث أصبحت على بعد دقيقتين ونصف الدقيقة من منتصف الليل وذلك في 2017، بسبب فوز ترامب الذي غذى التوقعات بأن ذلك ينذر بوقوع كارثة كونية وشيكة.

تغير توقيت الساعة منذ احداثها

وكانت برونسون أفادت في السابق أن “العام 2017 كان خطرا وفوضويا، مع تصريحات غير مسؤولة في المجال النووي أجّجت أوضاعا خطرة أصلا”، مشيرة تحديدا إلى تجارب كوريا الشمالية النووية وانكباب الصين والهند وباكستان على تطوير الترسانة النووية وتصريحات الرئيس الأميركي، قائلة “عادت المسألة النووية إلى مركز الاهتمام”.

واتخذ القرار بتقريب الساعة من قبل مجموعة من الخبراء من ضمنهم 13 عالما حائزا جائزة نوبل.

وبحسب فريق العلماء والخبراء المكوّن من متخصصين في العلوم والشؤون الدولية والبيئة والأمن فإن “قادة العالم لم يستجيبوا بشكل فعّال للتهديدات المتزايدة حول الحرب النووية أو التغيّر المناخي”، وهي مسائل تجعل العالم في درجة من الخطر هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

ووفقا لشارون سكاسوني الأستاذة في معهد العلوم الدولية وسياسات التكنولوجيا في جامعة جورج واشنطن، من بين الأمور التي تقلق الخبراء أيضا التوتر في العلاقات بين واشنطن وموسكو وإمكانية انعكاس ذلك على الأمن العالمي.

وقالت سكاسوني إنه “يتم تفكيك منظومة الحد من التسلح التي ساعدت في منع وقوع كوارث نووية طوال نصف القرن الماضي، ومن المتوقّع أن يتمّ القضاء عليها بحلول العام المقبل”.

ويأتي ذلك نتيجة إلغاء معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى في العام 2019، بعد دخول الولايات المتحدة وروسيا في سباق جديد لنشر الأسلحة المحظورة، قبل أن تعلن الولايات المتحدة عن نيّتها عدم تجديد معاهدة “نيو ستارت” التي وقعت في العام 2010 وكانت تهدف إلى خفض الأسلحة النووية.

ولفتت سكاسوني إلى أن “هذا العام لن يشهد فقط الانهيار الكامل للاتفاق النووي مع إيران”، نظرا إلى الجهود التي تقوم بها طهران لتعزيز تخصيب اليورانيوم.

وتابعت أن “النهج غير التقليدي الذي اتبعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه كوريا الشمالية ولّد آمالا إيجابية في البداية، لكنها سرعان ما خفتت بعدما قرّرت بيونغ يانغ المضي قدما في تطوير أسلحة استراتيجية جديدة”.

أما على جبهة المناخ، فقد فشلت قمّتان عقدتهما الأمم المتحدة في تحقيق الحدّ الأدنى من الجهود المطلوبة في المدى القريب لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وبالتالي التزام الأهداف التي نصّ عليها اتفاق باريس للمناخ والتي يقول العلماء إنها ضرورية لتجنّب الكوارث.

وفي الواقع، كانت هذه الآثار واضحة بعد موجات الحرّ والفيضانات التي ضربت الهند في العام 2019 وحرائق الغابات التي اندلعت من القطب الشمالي إلى أستراليا.

ويقول سيفان كارثا العالم في معهد ستوكهولم البيئي، إن “استمرار الأعمال البشرية بالدفع نحو مناخ معاكس للعصر الجليدي، سيولّد شكوكا حول بقاء هذا العالم صالحا للعيش”.

لكن في المقابل، يعلّق بعض الخبراء الآمال على النشاط المناخي المتصاعد الذي تقوده حركة شبابية وتضغط على بعض الحكومات وتحفّزها على التحرّك، إذ تظاهر مئات الآلاف من الشبان سبتمبر الماضي في مختلف أنحاء العالم في أكبر تعبئة تنظم حتى الآن للدعوة من أجل التحرك لمواجهة الكوارث المناخية، ومن المرتقب تنظيم أكثر من خمسة آلاف نشاط في شتى أصقاع الأرض.

كما تشكّل حملات التضليل والأخبار الكاذبة تهديدا مباشرا للتماسك الاجتماعي. فيما تتفاقم حالة انعدام اليقين نتيجة نمو الأسلحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل الطائرات المسيّرة التي تهاجم أهدافا محددة.

ويضاف إلى ذلك إعلان روسيا عن تطوير صاروخ جديد يتجاوز سرعة الصوت وإجراء الولايات المتحدة اختبارا على أسلحة خاصّة تحدّ من قدرة الدول المستهدفة على التصدّي لها في الوقت اللازم.

وقد أصبح الفضاء الذي يعدّ ساحة للتعاون الدولي معسكرا بشكل متزايد، مع قيام دول عدة باختبار أسلحة مضادة للصواريخ وأسلحة الليزر المضادة للأقمار الصناعية. فيما عمدت الولايات المتحدة إلى إنشاء فرع عسكري جديد وهو قوات الفضاء.

وتقول ماري روبنسون رئيسة لجنة الحكماء ورئيسة إيرلندا السابقة “نحن نطلب من قادة العالم الانضمام إلينا في العام 2020 لإنقاذ البشرية وسحبها من الهاوية. لقد حان الوقت للالتقاء والتوحد للعمل معا”.

أُخّرت عقارب الساعة في العام 2015، دقيقتين، وظلّت ثابتة في العام 2016.

17