الممر البحري الرابط بين غزة وقبرص يثير مخاوف مصر

لم تكن مصر إلى وقت قريب مهتمة بالانتقادات التي تطالها جراء تعطل مرور المساعدات لإغاثة سكان غزة عبر معبر رفح، لكنها اليوم باتت تشعر بالقلق حيال ما يجري من بحث عن خيارات بديلة للمعبر، ومن بينها إنشاء ممر بحري، الأمر الذي يعني بالنسبة إلى القاهرة خسارة اقتصادية وسياسية.
القاهرة - تنظر مصر بتوجس إلى الممر البحري الإنساني الرابط بين قبرص وغزة، والذي بات يطرح كأحد الحلول لإيصال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني المدمر، بعد تعطل المعابر البرية ولاسيما معبر رفح.
ولم تشارك مصر في الاجتماع الوزاري الذي عقد الأربعاء، وضم كلا من الولايات المتحدة، وبريطانيا وقطر والإمارات وقبرص والأمم المتحدة، لبحث مبادرة الممر البحري لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ما يعكس، وفق متابعين، التحفظات المصرية.
وتخشى مصر من أن يؤدي استخدام الممر البحري إلى إغلاق كامل لمعبر رفح الرابط بين شبه جزيرة سيناء وغزة، وهذا سيعني فقدان عائدات مالية كانت تحصلها القاهرة قبل الحرب، إلى جانب كونه يفقدها ورقة مهمة لطالما استثمرتها في فرض نفسها في المعادلة الفلسطينية القائمة.
وقبل اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر، شكل معبر رفح نافذة سكان القطاع الصغير على العالم الخارجي، وعبره تمر المساعدات والبضائع.
مصر تتغيب عن الاجتماع الوزاري الذي ضم الولايات المتحدة، وبريطانيا وقطر والإمارات وقبرص، لبحث مبادرة الممر البحري
ومنذ تفجر الأحداث تفرض إسرائيل قيودا مشددة على مرور المساعدات الانسانية عبر معبر رفح إلى غزة، ولم تكن مصر تمانع في ذلك بداعي أن فتحه بالكامل وتجاهل التنسيق مع إسرائيل قد يفضي إلى موجة نزوح فلسطينية صوب أراضيها، فضلا عن إمكانية حدوث توتر مع تل أبيب القاهرة هي في غنى عنه.
وقد تعرضت مصر لانتقادات جراء موقفها المتماهي مع إسرائيل، لكنها اليوم تشعر بالقلق حيال المبادرات المطروحة كبدائل عن معبر رفح ومنها الممر المائي بين قبرص والقطاع الفلسطيني.
وكشفت الإذاعة العامة الإسرائيلية “كان نيوز الخميس، أن مسؤولين مصريين أبلغوا تل أبيب بضرورة فتح موانئها لإدخال المساعدات لقطاع غزة ، مشككين في النوايا من إنشاء الممر البحري.
وقال مسؤول مصري في حديث مع قناة “كان نيوز” العبرية، إن الممر المائي الذي تم التخطيط لإنشائه هدفه تلبية احتياجات وسائل الإعلام فقط ومن أجل “الشو الإعلامي” ، ولكن في الواقع لا يوجد بديل عن إدخال المساعدات عبر معبر رفح ، معتبرا أن إسرائيل هي المشكلة الرئيسية في هذا السياق.
وأضاف المسؤول المصري المشارك في المحادثات حول الممر البحري الإنساني بين قبرص وقطاع غزة “إن القاهرة تخشى أن يقلل الممر من دور معبر رفح، وأن يأتي على حساب مصر”.
وتساءل المسؤول المصري” “لماذا هناك حاجة لمثل هذا الممر في غزة؟ لماذا لا يتم إدخال المساعدات إلى الموانئ الإسرائيلية ومن هناك إلى القطاع”.
ولاحظ متابعون تصاعد حدة الانتقادات المصرية لإسرائيل في الأيام الأخيرة، ودعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال لقاء مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس الخميس إلى وقف فوري للحرب على غزة، وإدخال المساعدات الإغاثية بالكميات الكافية للقطاع لإنقاذه من المأساة الإنسانية التي يواجهها.
ووفق الإذاعة الإسرائيلية فإن معبر رفح يعد مصدرا مهما للدخل الاقتصادي لمصر التي تعاني من وضع مالي سيئ في السنوات الأخيرة، لذا يؤخذ هذا الجانب في الاعتبار أيضا في القاهرة.
وفيما بدا محاولة لطمأنة مصر، اتفق وزراء حكومات الدول المشاركة في الاجتماع الوزاري حول مبادرة الممر البحري على أنه لا بديل للطرق البرية عبر مصر والأردن والمعابر الأخرى لإيصال المساعدات على نطاق واسع، مشيرين إلى أن فتح ميناء أسدود أمام المساعدات الإنسانية سيكون موضع ترحيب ومكملا مهما للممر البحري. ووفق وكالة الأنباء القطرية (قنا)، الخميس، فقد شاركت قطر في الاجتماع الوزاري حول مبادرة الممر البحري لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، الذي عقد عبر تقنية الاتصال المرئي، مشيرة إلى أنه مثل قطر في الاجتماع محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي وزير الدولة بوزارة الخارجية.
واستضاف الاجتماع كونستانتينوس كومبوس وزير خارجية جمهورية قبرص، بمشاركة أنتوني بلينكن وزير الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، و ديفيد كاميرون وزير الخارجية بالمملكة المتحدة، والشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، ويانيز لينارتشيتش المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات، وسيجريد كاج كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة.
وجرى خلال الاجتماع استعراض الحاجة الملحة إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل عاجل، ومساهمات الدول المعنية بالمبادرة، وكيفية مواجهة التحديات اللوجستية.
وأكد البيان المشترك الصادر عن حكومات الدول المشاركة في الاجتماع، أن الوزراء التزموا بمواصلة التباحث حول هذا الموضوع، وأكدوا أن مسؤولين كبارا سيتوجهون إلى جمهورية قبرص الأسبوع القادم، لتلقي إحاطات مفصلة حول مواصلة تفعيل الممر، بما في ذلك إجراء مشاورات حول إمكانية إنشاء صندوق مشترك لدعم الممر البحري وتنسيق المساهمات العينية والمالية لضمان استدامته.
وأعاد الوزراء التأكيد على أن هذا الممر البحري يجب أن يندرج ضمن جهود متواصلة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية والسلع التجارية إلى غزة عبر كافة الطرق الممكنة، بما في ذلك الطرق البرية الموسعة وعمليات التسليم الجوي المتواصلة، وذلك من خلال العمل الوثيق مع المنسقة سيغريد كاج المكلفة بتسهيل تدفق المساعدات إلى غزة وتنسيقه ومراقبته والتحقق منه بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2720”.
وشدد الوزراء على ضرورة أن تفتح إسرائيل معابر إضافية تتيح وصول المزيد من المساعدات إلى غزة، بما في ذلك شمال القطاع، وتخفيف القيود الجمركية الشاملة لتسهيل التدفق المتزايد للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة.
وكان وزير الخارجية الأميركي اتصل في وقت سابق بنظيره المصري سامح شكري وفي البيان الرسمي، اختارت مصر أن توضح أن بلينكن أكد على أن الممر البحري الإنساني هو جهد مكمل لمعبر رفح الذي سيظل المعبر الرئيسي لنقل المساعدات.
وفي سياق تجربة نجاعة الممر البحري، غادرت من قبرص الثلاثاء سفينة تحمل نحو 200 طن من المساعدات الغذائية لغزة عبر الطريق البحري الجديد، وقال وزير الخارجية القبرصي الأربعاء إن شحنة ثانية من المساعدات سيتم إرسالها من قبرص إلى قطاع غزة في الأيام المقبلة، مشيرا إلى زيادة الترحيب بأن الجزيرة يمكن أن تلعب دورا محوريا في إيصال الإمدادات عن طريق البحر إلى القطاع.
وجراء الحرب والقيود الإسرائيلية، بات سكان غزة ولاسيما محافظتي غزة والشمال على شفا مجاعة، وسط شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عاما.
وفي محاولة لتدارك الأزمة تواصل دول عربية وأجنبية تعاونها من أجل إنزال المساعدات جوا على مناطق شمال القطاع إلا أنها تظل غير كافية ولا تسد الاحتياجات العاجلة للفلسطينيين.