الممثل في المسرح الصحراوي ليس نفسه على خشبات المسارح

الشارقة- تطرح الأعمال المسرحية الصحراوية سؤالا ملحا عن طريقة أداء الممثل، والممثل كما نعلم هو جوهر الفعل المسرحي وركيزته الأولى والأساسية، فالفضاء الصحراوي المفتوح والمتسع كاسرا الجدران وحدود العلبة الإيطالية وقاعات العرض، وما يتخلل العروض من حركة وإثارة وتحديات الإضاءة، كلها عناصر تطرح أمام الممثل بيئة جديدة، تتطلب بالتالي البحث في طرق اشتغال تتجاوز المألوف.
هذا ما طرحته المسامرة الفكرية لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في نسخته السابعة بمنطقة الكهيف، والتي جاءت تحت عنوان “تحديات الأداء التمثيلي في المسرح الصحراوي”، وأدار جلساتها الفنان الإماراتي عبدالله راشد.
في أولى المداخلات طرح الباحث المغربي عبدالمجيد أهرى في ورقته بعنوان “التمثيل في المسرح الصحراوي: تساؤلات وتأملات” مجموعة من الأسئلة عن صيغ الأداء التمثيلي التي ميزت أغلب العروض المسرحية التي قدمت خلال الدورات السابقة للمهرجان، ومن تلك الأسئلة صلتها بالأساليب التمثيلية التي ارتبطت بخشبة المسرح التقليدية “العلبة الإيطالية” من جهة، وعلاقتها بالفضاء المفتوح الذي اقترحه المهرجان من جهة ثانية.
◙ فرجة المسرح الصحراوي وخصوصياته تفرضان على الممثل أن يخرج مما عرفه من مناهج أدائية ليتملك خبرات جديدة
كما سأل الباحث المغربي في سياق تعداده للاختبارات التي تفرض على الممثل في المسرح الصحراوي عن الأمكنة التي تجري فيها “بروفات” الفرق المشاركة قبل تقديم عرضها الرسمي، وعما إذا كانت تماثل حيز الأداء في المهرجان، وعن المهارات وآليات الاشتغال التي يجب أن يتوفر عليها الممثل لينجح في المسرح الصحراوي: صوته، وطواعيته الجسدية، وإيماءاته، وإشارات يديه، وحركاته، وخبراته في أداء المعارك والتقنيات الخاصة بالفروسية والخطابة والإلقاء الشعري…إلخ، مشيرا إلى أن فرجة المسرح الصحراوي تفرض على الممثل أن يخرج مما عرفه من مناهج أدائية ليتملك خبرات جديدة.
وتحت عنوان “الصحراء بصفتها فضاء تمثيليا بكرا” جاءت مداخلة المخرج كريم رشيد من السويد، الذي ذكر أن مهرجان المسرح الصحراوي يمثل “عودة إلى الأصول”، و”احتفاء بثراء الطبيعة”، مشير إلى أن فضاء المهرجان يمثل مكانا بكرا لم يختبر مسرحيا من قبل، وليس ثمة ارتباط سابق له “بمرجعية موضوعية أو ذاتية”.
ورصد رشيد مجموعة من الإشكاليات والإشراقات التي ترافق عمل الممثل في المسرح الصحراوي، فهو على سبيل المثال قد يجد نفسه بعيدا عن الجمهور، ما يحرمه من استثمار حركاته الدقيقة التي يمكن أن تكون مؤثرة وفاعلة في المسرح التقليدي، لكنه بالمقابل قد يعثر في المسرح الصحراوي على إمكانات أفضل لتوظيف قدراته في التعبير الجسدي وتحديد وتحجيم المساحة الشاسعة للفضاء الصحراوي، من خلال تشكيلات وحركات المجاميع، كما أن في وسعه استخدام مكبرات الصوت بمنهجية الأداء الإذاعي بما فيها من دقة ورهافة وحساسية عالية في مستويات الصوت المنخفضة.
ويرى أن مع توافر تقنية التسجيل الصوتي المرافق Playback يمزج المشهد المسرحي بين أصداء المسرح الإذاعي وصورة المشهد السينمائي، لاسيما في المشاهد التي تتسع فيها الحركة، ويتنقل فيها الممثلون في مساحات شاسعة، مما يضع الممثل أمام تجربة متفردة تقدم تنوعا شائقا لوسائطها وتُثري مفردات الأداء والتأثير.
وكانت مداخلة الباحث المصري محمد أمين عبدالصمد عن “المسرح الصحراوي بين التمثيل والشخيص”، وتطرق فيها إلى تجربة مؤدي القصص الشعبي الغنائي في الثقافة المصرية بصفته الأقرب إلى طبيعة الأداء التمثيلي في المسرح الصحراوي، محللا سمات أدوار ذلك المؤدي من حيث علاقته بعناصر مثل فضاء العرض ودائرة المتفرجين.
وتحت عنوان “المسرح الصحراوي بين الأنثروبولوجيا والدراما” جاءت مداخلة الباحث والكاتب المصري عصام عبدالعزيز، الذي أشاد بفكرة المهرجان مشددا على أن التاريخ العربي حافل بالقصص الدرامية التي يمكن استلهامها لترسيخ تجربة المسرح الصحراوي.
ودعا إلى وضع برنامج فني وعملي لتدريب الممثل على الاشتغال في رقعة الصحراء، وعلى استخدام جسده وصوته واكتساب المرونة، وذلك من خلال التدريب الواعي والمستمر والممنهج وفق أسلوب علمي، مثل التدرب على الرقص الإيقاعي والأكروبات، فضلا عن القدرة على ركوب الخيل والجمال، والتدرب على المبارزة والقتال إذا طلب منه أداء دور المقاتل.
وجاءت المداخلة الأخيرة للباحث المغربي رشيد بناني تحت عنوان “هل التمثيل هو كل شيء في المسرح؟” وركز فيها على إبراز التطورات التي عرفتها مناهج الأداء التمثيلي منذ البدايات وصولا إلى الوقت الحاضر، مبينا أن مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي يمثل فرصة سانحة لكي نجرب المزج بين ما طوره الغرب من أنماط الأداء التمثيلي وما يمكن استخلاصه من الأشكال الأدائية التي عرفتها الثقافات الشعبية العربية.