المماطلة القضائية تجعل من اغتيال شكري بلعيد قضية في التاريخ

هل تسدل الأحكام الستار على القضية أم أنها فصل أول من المحاكمة.
الخميس 2024/03/28
هل أجاب القضاء على السؤال الذي يطرح منذ 11 سنة

تونس – أصدر القضاء التونسي أحكامه في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد عام 2013، الذي غير اغتياله ديناميكيات السياسة في تونس. لكن المماطلة القضائية التي دامت أكثر من إحدى عشرة سنة جعلت الأحكام، التي صدرت فجر الأربعاء، تبدو كأنها أحكام في قضية تاريخية فقدت اهتمام الناس ومتابعتهم لتفاصيلها.

ولا يُعرف ما إذا كانت الأحكام هي الفصل الوحيد في قضية بلعيد أم أن هناك فصلا آخر يتعلق بموضوع الجهاز السري الذي تتهم حركة النهضة الإسلامية بامتلاكه وأنه يقف وراء القضية بالتخطيط وإعطاء الأوامر، وهو ما تنفيه الحركة باستمرار.

وأدين 23 شخصا في اغتيال المحامي البالغ من العمر 48 عاما داخل سيارته أمام منزله في السادس من فبراير 2013. وكان بلعيد من أشد منتقدي حركة النهضة الحاكمة في ذلك الحين وأجبرت الاحتجاجات الحركة إثر اغتياله على الخروج من السلطة مؤقتا.

زياد الأخضر: معركة كشف الحقيقة ما زالت متواصلة، لاسيما ملف الجهاز السري
زياد الأخضر: معركة كشف الحقيقة ما زالت متواصلة، لاسيما ملف الجهاز السري

وقاد التأجيل المتواصل لأسباب متعددة، بعضها تافه والبعض الآخر بسبب تعقيدات الصراع السياسي في البلاد، إلى فقدان اهتمام  الشارع بالقضية، خاصة في الوقت الراهن الذي ينشغل فيه التونسيون بقضايا المعيشة وارتفاع الأسعار وكيفية الحصول على المواد الأساسية في ظل أزمة اقتصادية تعود أسبابها إلى مرحلة الصراعات السياسية التي بدأت منذ السنوات الأولى من ثورة 2011.

وتحولت قضية بلعيد إلى قضية في التاريخ بسبب المماطلة التي استمرت في عهد الحكومات التي قادتها النهضة أو شاركت فيها مشاركة فعالة إلى حدود 25 يوليو 2021 تاريخ إمساك الرئيس قيس سعيد بمختلف الصلاحيات الدستورية لقيادة البلاد.

وليست قضية الاغتيالات السياسية، التي شهدتها تونس في سنة 2013 تحت حكم الإسلاميين، وحدها التي صارت جزءا من التاريخ، فحركة النهضة نفسها صارت من التاريخ بعد فشل تجربة الحكم التي قادتها واعتقال قادتها في قضايا متعددة وسيطرة الاستقالات والانشقاقات قبل وبعد سجن رئيسها راشد الغنوشي.

وكان يُفترض أن تجري المحاكمة في وقت حكم النهضة لتشكل فرصة لمحاسبتها سياسيا وشعبيا من خلال الاحتجاجات أو الانتخابات، لكن الآن بات كل شيء جزءا من التاريخ، وسيبقى الموضوع مثار جدل بين النهضة وخصومها.

وبعد 15 ساعة من المداولات و11 عاما من التحقيقات والإجراءات القضائية، حكمت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بمحكمة تونس الابتدائية بالإعدام على أربعة عناصر وبالسجن مدى الحياة على آخرين، حسب ما أعلنه مساعد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية أيمن شطيبة عبر التلفزيون.

وبرّر شطيبة طول المداولات لإصدار الأحكام في طورها الابتدائي بطبيعة القضية وحجمها.

واعتبرت حركة النهضة في بيان الأربعاء أن “ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكل تخصصاتها وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل تعد بشكل يقيني أدلة براءة لحركة النهضة”. وأضاف البيان أن “أطرافا معادية ومغرضة أصرت على تلبيس حركة النهضة مسؤولية هذا الاغتيال السياسي، وانخرطت في هذا التآمر السياسي المبيت أطراف أيديولوجية وسياسية، والضغط بكل الوسائل للتأثير على سير القضية في وقت يحتاج فيه التونسيون معرفة الحقيقة المجردة”.

ii

لكن قياديين في حزب الوطنيين الموحد، الذي كان بلعيد أحد قادته، قالوا إن الأحكام التي صدرت الثلاثاء لا تعني سوى المتورطين بشكل مباشر في تنفيذ عملية الاغتيال، وإن الحزب سيتحرك لاستكمال بقية القضية بمحاكمة من يقفون وراء التنفيذ، وإن المرحلة القادمة ستخصَّص لتتبع ملف الجهاز السري.

وأفاد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد زياد الأخضر بأن معركة كشف الحقيقة في قضية اغتيال بلعيد “مازالت متواصلة، لاسيما مسار ملف الجهاز السري الذي له علاقة وثيقة بملف الاغتيال”.

وأضاف الأخضر في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) أن مسار كشف الحقيقة سيتواصل لمعرفة “من تولى التخطيط والتمويل واتخاذ قرار الاغتيال”، لافتا إلى أن ملفات التخطيط والتمويل يتم العمل عليها في قطب مكافحة الإرهاب وتفكيك علاقتها بملف الاغتيالات.

23

شخصا أدينوا في قضية اغتيال المحامي البالغ من العمر 48 عاما ومن أشد منتقدي حركة النهضة

وقال المحامي محمد جمور عضو هيئة الدفاع عن القائمين بالحق الشخصي في قضية بلعيد إن “الحكم يتعلق بمجموعة تنفيذ عملية الاغتيال وليس بجميع الأطراف الضالعة في العملية ممن خطط وأعد أو ممن تستر على الجريمة لاحقا”.

واعتبر جمور أن الموقف الصادر عن حركة النهضة يعتبر بمثابة محاولة لـ”استبلاه الرأي العام”. وفي رده على الأحكام الصادرة أكد عبدالمجيد بلعيد، شقيق شكري، أنها “أعطت ثقة بأن القضاء يتعافى”. وانتقد بلعيد “التلاعب” بالملف خلال عقد من الزمن.

وأعلن لفرانس برس أن “المعركة (القضائية) الأولى ربحناها ولكن مازالت هناك معارك أخرى في الملف”، في إشارة إلى الكشف عن الذين خططوا لعملية الاغتيال واحتمال ارتباطاتهم بدوائر سياسية كانت نافذة.

واتهمت عائلة شكري بلعيد وهيئة الدفاع عنه بانتظام خلال العقد الأخير أحزابا سياسية وقضاة بعرقلة البحث عن الحقيقة بهدف حماية المذنبين. ووجه أفراد العائلة أصابع الاتهام إلى حركة النهضة واتهموها بأنها كانت على الأقل “متساهلة” مع خطاب الإسلاميين المتطرفين الذي انتشر في ذلك الوقت.

وفي يونيو 2022 أمر قيس سعيد الذي جعل من اغتيال بلعيد وكذلك محمد البراهمي، القيادي الناصري، قضية وطنية، بإقالة العشرات من القضاة، من بينهم قضاة يشتبه في أنهم عرقلوا التحقيق.

وفي فبراير 2023 أعلنت وزارة العدل تشكيل لجنة خاصة مكلفة بـ”متابعة ملف الاغتيال” والتدقيق في التحقيقات والملاحقات التي باشرتها الشرطة والقضاء بشأن الملف.

1