الملك عبدالله يلجأ إلى آخر العلاج: الموقف الشعبي الأردني

ترامب يلتقط حجة العاهل الأردني ويتحدث عن الملك العظيم ويترك السيسي وحيدا.
الجمعة 2025/02/14
الشارع يدعم موقف الملك عبدالله

عمان - اصطف عشرات الآلاف من الأردنيين الخميس على جانبي الطريق قرب المطار وحتى بوابة القصر الملكي في عمان لاستقبال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني العائد من واشنطن، في خطوة تظهر أن العاهل الأردني يلجأ إلى آخر علاج وهو الاعتماد على الشارع في مواجهة ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدفع عمان إلى القبول بخطة تهجير سكان قطاع غزة.

ويعرف العاهل الأردني أن ردود الفعل الإقليمية مهمة لكنها غير حاسمة، لذلك قرر الاعتماد على رد فعل شعبي يحاجج به ترامب، وهو ما يبدو أن الرئيس الأميركي قد التقطه وكال المديح للملك عبدالله ووصفه بأنه ملك عظيم وأن الأردنيين شعب رائع، ليترك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وحيدا في الواجهة كرافض للخطة بعناد بعد أن لوّح بعدم الذهاب إلى واشنطن إذا كان موضوع التهجير على جدول الأعمال، ليبدو كما لو أنه يتزعم جبهة الرفض.

وقال ترامب مخاطبا الأردنيين “لديكم ملك هو رجل عظيم (…) هو أحد القادة العظماء الحقيقيين في العالم.”

لجأ الملك عبدالله إلى تخفيف موقفه المعارض لخطة التهجير حين لقائه ترامب حيث قال إن الأمر متروك لصياغة موقف عربي موحد، وإن مصر لديها خطة للتعامل مع ما يعرضه الرئيس الأميركي، وهو أسلوب ذكي أمسك فيه العاهل الأردني بالعصا من المنتصف؛ فلم يجامل ترامب بقبول موقفه ولم يعلن رفضه بشكل صادم للخطة ما قد يثير غضب واشنطن، وفضل المناورة بتأجيل عرض موقف واضح.

وكان ملك الأردن عبدالله الثاني جالسا على الكرسي نفسه الذي شغله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام.

◙ العاهل الأردني يعرف أن ردود الفعل الإقليمية مهمة لكنها غير حاسمة، لذلك قرر الاعتماد على رد فعل شعبي يحاجج به ترامب

وأجاب الملك بدبلوماسية، وأكد وجود خطة من مصر والدول العربية. وأضاف “لقد دعانا (ولي العهد السعودي الأمير) محمد بن سلمان إلى المناقشات في الرياض،” مشيرا إلى أن التحدي يكمن في جعل الخطة تعمل لصالح الجميع. ودعا إلى النظر في مصالح الولايات المتحدة، وشعوب المنطقة، وخاصة الشعب الأردني.

وحافظ الملك عبدالله بهذا الموقف على متانة العلاقة مع الولايات المتحدة، بما يضمن استمرار المساعدات الأميركية الضرورية بالنسبة إلى الأردنيين في ظل الوضع الاقتصادي الصعب.

وتختلف مرونة العاهل الأردني عن حدّية الرئيس المصري الذي لا يفوّت أي فرصة لإعلان رفضه خطة ترامب بشكل قاطع، سواء عبر تصريحاته المباشرة أو عبر مسؤولين مصريين آخرين بمن فيهم رئيس الحكومة، الذي لخص الموقف المصري الخميس بالقول إن “غزة الشغل الشاغل لمصر.”

ورفض بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، بعد اجتماع وزير الخارجية بدر عبدالعاطي مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، “أي حل وسط” في موضوع التهجير.

وسخر الدبلوماسي السابق حسين هريدي من تهديد ترامب بسحب المساعدات لإجبار مصر على الامتثال. وقال “لسنا قلقين بشأن تهديدات ترامب. مصر على استعداد تام لمواجهتها، وستضر هذه التهديدات بالمصالح الأميركية في المنطقة. ليس هذا موقف السيسي أو الحكومة المصرية فحسب، بل هو موقف الشعب المصري.”

ومن مفارقات سياسة ترامب أن شعاره “أميركا أولا” حقق سابقة بتوحيد الدول العربية -المنقسمة في الكثير من الأحيان- في جبهة متماسكة تدافع عن فلسطين وحقوق الفلسطينيين. ولتعزيز هذه القضية من المزمع أن تستضيف مصر قمة عربية طارئة في 27 فبراير الجاري. وبعد لقائه ترامب في البيت الأبيض الثلاثاء، أكد الملك عبدالله على “معارضته الشديدة لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية.”

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت الأربعاء، في إحاطة صحفية، إن “الملك عبدالله يفضل أن يبقى الفلسطينيون في أماكنهم مع أراض إضافية يمكن استخدامها للتنمية التي من شأنها أن تخلق فرص عمل كبيرة.” وأضافت “لكن الرئيس (ترامب) يعتقد أن الأمر سيكون أفضل وأجمل إذا نُقل الفلسطينيون إلى مناطق أكثر أمنا.”

وترى الأوساط السياسية الأردنية أن الملك كسب جولة أولى من خلال تأمين نجاح زيارته إلى واشنطن، وجولة ثانية من خلال الحفاوة الشعبية، لكنها حذرت من أن تحريك الشارع أمر خطير، وأن المملكة قد عانت من توظيف الشارع خلال السنوات الأخيرة الماضية سواء في قضية ولي العهد السابق الأمير حمزة، التي مسّت التوازنات داخل الأسرة الحاكمة، أو في المظاهرات الداعمة لحركة حماس، والتي هددت وحدة الأردن وغذت الانقسام والفرز بين الأردنيين الأصليين والأردنيين من أصل فلسطيني.

◙ مرونة العاهل الأردني تختلف عن حدّية الرئيس المصري الذي لا يفوّت أي فرصة لإعلان رفضه خطة ترامب بشكل قاطع

ورغم الجو البارد والماطر أحيانا تجمع رجال ونساء وأطفال على طول الطريق من مطار ماركا في عمان وصولا إلى مدخل قصر رغدان لمسافة نحو 7 كيلومترات، بينما انتشر رجال الأمن والحرس الملكي بكثافة.

وحمل هؤلاء صورا للعاهل الأردني كُتب على بعضها “معك سيدنا” و”الأردن ثابت في وجه العواصف بقيادتك،” كما حملوا صورا يظهر فيها هو وولي عهده الأمير حسين بالزي العسكري. ورفعوا أعلام الأردن بينما ارتدى كثيرون الشماغ الأردني الأحمر والأبيض، فيما ارتدى البعض الكوفية الفلسطينية البيضاء والسوداء.

ورُفِعت لافتات كتب على بعضها “الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين” و”لا لتهجير إخوتنا،” إلى جانب خريطة الأردن التي رسمت بألوان العلم الوطني وكتب أسفلها “كلنا مع الملك.”

وسار موكبه في الطريق بينما ظهر الملك عبدالله مبتسما وأخرج يده من نافذة السيارة ملوحا لمستقبليه في جانبي الشارع ليشكرهم، فيما قاد ولي عهده الأمير حسين السيارة وحياهم أيضا.

وكتب العاهل الأردني عبر منصة إكس عقب وصوله إلى القصر ملكي “أشكركم أبناء وبنات شعبي الوفي، أستمد طاقتي وقوتي منكم. مواقفنا ثابتة وراسخة، وسأفعل الأفضل لبلدي دائما وأبدا، فمصلحة الأردن فوق كل اعتبار.”

بدوره نشر ولي عهده الأمير حسين صورا لمواطنين خلال الاستقبال على صفحته في منصة إنستغرام كتب عليها “شكرا يا خير عزوة وخير سند، فخري عظيم بشعب لا تلين عزائمه.”

1