الملابس المستعملة حلّ للكثير من العائلات لمواجهة غلاء الأسعار

تونس سوق هامة لتجارة الملابس المستعملة، حيث تقدّر الكميات التي تدخل إلى البلاد بعشرة آلاف وخمسمئة طنّ سنويا.
الاثنين 2022/02/07
قطاع لم ينج من ارتفاع الأسعار

تونس – بعد الارتفاع الكبير في الأسعار والأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم بأكمله صارت الملابس المستعملة والقديمة حلا للكثير من العائلات التونسية متوسطة الدخل لمواجهة الغلاء المشطّ وليس فقط حكرا على الفقراء ومحدودي الدخل.

وتفيد آخر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة بأن أكثر من 94 في المئة من الشعب التونسي يقتنون الملابس المستخدمة.

وتتراكم جبال من القمصان والجينز والأحذية على طاولات متهالكة. وفي يوم شتوي مشمس يتفحص الزبائن الملابس المستعملة المعروضة في إحدى الأسواق المركزية في العاصمة تونس. “الأسعار جيدة”، هذا ما قاله شاب من تونس يتسوق هناك بانتظام فيشتري أحيانا سترة، وأحيانا بضعة قمصان.

ولا يزيد سعر معظم الملابس المعروضة عن ثلاثة يورو للقطعة، وبعضها يُباع مقابل بضعة سنتات. إلا أنه في كثير من الأحيان سرعان ما تتلف هذه الملابس، كما يقول التونسي، مشيرا إلى ثقب في كُم إحدى السترات.

وتعدّ تونس سوقا هامة لتجارة الملابس المستعملة، حيث تقدّر الكميات التي تدخل إلى البلاد بـ10 آلاف و500 طنّ سنويا، ويتمّ تصدير 30 في المئة منها إلى دول أفريقية و30 في المئة توجّه للاستهلاك المحلي، فيما توجّه 30 في المئة من إجمالي الملابس المستعملة المورّدة إلى مصانع الحشايا والوسائد.

تونس تمتلك ما يزيد عن 50 مصنعا تعمل في توريد وتحويل وتوزيع الملابس المستعملة، ويمثّل القطاع مورد رزق لما يزيد عن 200 ألف عائلة تونسية

وتملك تونس ما يزيد عن 50 مصنعا تعمل في توريد وتحويل وتوزيع الملابس المستعملة، ويمثّل القطاع مورد رزق لما يزيد عن 200 ألف عائلة تونسية.

وارتداء تونسيين لقمصان مدرسة موسيقى ألمانية أو ناد رياضي ألماني ليست مشهدا نادرا، فالعديد من السلع المستعملة من ألمانيا ينتهي بها المطاف في تونس. وبحسب بيانات الأمم المتحدة تعد ألمانيا واحدة من أكبر مصدري الملابس المستعملة.

وتوضح بيانات الاتحاد الألماني للمواد الخام المستهلكة والتخلص من النفايات، أنه يتم جمع أكثر من مليون طن من المنسوجات المستعملة في ألمانيا كل عام لإعادة التدوير، وهو ما يعادل أكثر من 15 كيلوغراما لكل فرد في ألمانيا، والاتجاه آخذ في الارتفاع.

والاتجاه نحو التخلص من الأزياء الرخيصة يسبب أيضا قلقا للقطاع في ألمانيا. فوفقا لبيانات الاتحاد الألماني للمواد الخام المستهلكة والتخلص من النفايات، أصبحت الألياف الاصطناعية والمزج بين المواد الآن من المكونات المهيمنة في صناعة الأزياء، وهي مواد يصعُب إعادة تدويرها.

وبحسب تقديرات الاتحاد الألماني للمنظمات الخيرية المعنية بالتبرع بالمنسوجات والمعروف باسم “إعادة التدوير العادل”، فإن نحو 50 في المئة من كافة المنسوجات في الحاويات الألمانية للملابس المستعملة أو في مراكز التجميع الكنسية غير صالحة للارتداء مرة أخرى، ولكن يمكن إعادة تدويرها لاستخدامها كخرق تنظيف أو مواد خام، أو يتعين التخلص منها.

ويُباع حوالي 40 في المئة من المنسوجات المستعملة التي تم جمعها في ألمانيا لدول في شرق أوروبا أو دول أفريقية. ويدور جدل منذ فترة طويلة حول تصدير هذه المنسوجات إلى البلدان الأفريقية، حيث يهدد فيضان الملابس المستعملة الرخيصة منتجي المنسوجات المحليين.

القطاع مهدّد بالاندثار في غضون سنوات قليلة أقصاها العام 2025 جراء جائحة كورونا

وفي السابق كانت محلات الملابس المستعملة مقصداً للفقراء ولها أسواق مخصصة تقريبا في كلّ المدن التونسية، حيث تنتصب البسطات صيفاً وشتاء لبيع الملابس والألعاب وحتى الأثاث المنزلي بأسعار زهيدة تكفي احتياجات العائلات الفقيرة، لكنّ بيع الملابس المستعملة صار الآن يتم في محلات في الأحياء المتوسطة والراقية وبعيداً عن أساليب البيع القديمة الفوضوية ليحل مكانها البيع كما في المحلات الكبرى، وبأسعار لم يعتد عليها من يقتنون حاجياتهم منها.

وأدى هذا التحول أيضا إلى ارتفاع الأسعار، فبعد أن كانت القطعة الواحدة لا تتعدى الدنانير القليلة أصبحت تتجاوز العشرات لا بل المئات من الدنانير. ورغم أنها صارت “تستر” أجساد الفقراء والأغنياء على حدّ السواء، إلا أن سوق الملابس المستعملة أو ما يعرف بين التونسيين بـ”الفريب” مهددة بالإغلاق في غضون ثلاث سنوات، وهو ما حذّر منه مؤخرا رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس المستعملة صحبي المعلاوي.

وأوضح المعلاوي أنّ القطاع مهدّد بالاندثار في غضون سنوات قليلة أقصاها العام 2025 جراء جائحة كورونا التي أثّرت على تزويد السوق بسبب النقص الكبير في السلع على مستوى الدول الأوروبية المصدّرة، خاصة مع دخول دول من أوروبا الشرقية غمار المنافسة. وأكّد المعلاوي أنّ المخزون المتوفّر حاليا بالسوق المحلية التونسية بصدد النفاد مما أثّر على الكميات المعروضة في المحلات والأسواق.

17