الملاءة المالية لتونس معرضة للخطر مع تأخر دعم المانحين

 تونس أكبر الخاسرين في الأسواق الناشئة هذا الشهر بعد كل من الأرجنتين وبوليفيا.
الثلاثاء 2023/03/14
لا بديل عن برنامج صندوق النقد

تونس - تُظهر سوق السندات التونسية قلقا متزايدا بشأن التخلف عن سداد الحكومة للديون السيادية للبلاد، في ظل استمرار تأخر دعم المانحين الدوليين وأبرزهم صندوق النقد الدولي.

ويُنظر على نطاق واسع إلى دعم صندوق النقد على أنه أمر بالغ الأهمية، فتونس في حاجة ماسة منذ أشهر إلى مساعدة دولية، نظرا إلى أن الملاءة المالية معرضة للخطر مع كل يوم.

ويعتبر الاتفاق المبرم نهاية 2022 أساسيا لفتح الطريق أمام المساعدات الثنائية من الدول المانحة، التي أرادت أن تطمئن عبر برنامج لصندوق النقد يفيد بأن تونس يمكنها تنفيذ إصلاحات تضع تمويلاتها على مستوى أكثر استدامة.

ويراقب المحللون انزلاق سندات البلاد بشكل أعمق إلى المنطقة المتعثرة، وهي أكبر الخاسرين في الأسواق الناشئة هذا الشهر، بعد كل من الأرجنتين وبوليفيا.

مارك بولوند: تبدو موافقة صندوق النقد الدولي الآن أقل احتمالية
مارك بولوند: تبدو موافقة صندوق النقد الدولي الآن أقل احتمالا

كما ارتفعت تكلفة تأمين ديونها ضد التخلف عن السداد من بين أكثرها تكلفة في جميع أنحاء العالم، إلى 1250 نقطة أساس الجمعة الماضي.

وفي خضم مساعي السلطات التونسية لإصلاح الأوضاع وهو ما يُلاحظ من خلال حملات المراقبة الاقتصادية، ومحاربة الفاسدين والمحتكرين والمضاربين، لكن البعض يحاول إعطاء صورة انطباعية لا تبدو واقعية بشأن إجراءات الرئيس قيس سعيّد.

ونقلت وكالة بلومبيرغ عن مارك بولوند، كبير محللي أبحاث الائتمان في ريد إنتيليجنس، ومقرها لندن، قوله “تبدو موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي الآن أقل احتمالية ما لم يتراجع سعيّد عن خطابه”.

وكانت تونس غارقة في الضائقة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب الأزمة الصحية، ثم تداعيات الحرب في أوكرانيا، وهو ما تسبب في تسجيل تضخم تاريخي عند حوالي 10.4 في المئة بنهاية الشهر الماضي.

واتسعت علاوة المخاطرة على الدين التونسي الذي يتم تداوله عند مستويات متعثرة منذ سبتمبر 2021 عند نحو 663 نقطة أساس من منتصف فبراير الماضي إلى 2834 نقطة أساس فوق سندات الخزانة اعتبارا من الجمعة الماضي، وفق المؤشر جي.بي مورغان.

ويرى محللون أن أي تأخير في تمويل صندوق النقد الدولي سيعمق الأزمة الاقتصادية الملحة في البلاد، التي تعمل على إصلاح خراب الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011.

فرانسوا كونرادي: القضية الأكثر إلحاحا اليوم هي نقص العملة الصعبة
فرانسوا كونرادي: القضية الأكثر إلحاحا اليوم هي نقص العملة الصعبة

وتزداد احتياجات البلاد من الاقتراض الخارجي العام الجاري بنسبة 34 في المئة بمقارنة سنوية إلى 5.2 مليار دولار، في حين أن من المتوقع ارتفاع خدمة الدين العام 44.4 في المئة إلى 6.6 مليار دولار.

وقال فرانسوا كونرادي، كبير الاقتصاديين السياسيين في شركة أكسفورد إيكونوميكس أفريكا، إن “القضية الأكثر إلحاحا اليوم هي نقص العملة الصعبة”.

وتشير آخر إحصائيات صادرة عن البنك المركزي التونسي إلى أن حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي يبلغ نحو 7.1 مليار دولار، وهو في مستويات تبدو معقولة بفضل نمو إيرادات السياحة وتحويلات المغتربين قياسا بحجم الضغط المالي المسلط على الدولة.

وأشار إلى أنها لن تتحسن ما لم يصرف صندوق النقد شريحة في النصف الأول من هذا العام وتتبع هذا الصرف قروض من شركاء ثنائيين. وأضاف “حتى لو تحققت هذه القروض، فإن الصورة ستكون مضغوطة تماما”.

وانخفضت سندات الدولة البالغة قيمتها مليار دولار المستحقة في عام 2025 إلى 0.62 دولار الاثنين من حوالي 0.68 دولار في نهاية فبراير الماضي، ونحو 0.77 دولار في أوائل ديسمبر الماضي، وارتفع العائد إلى ما يقرب من 35 في المئة.

ولدى تونس سندات بقيمة 168 مليون دولار مستحقة في أغسطس المقبل وحوالي 534 مليون دولار ديون تستحق في أكتوبر المقبل.

البعض يحاول إعطاء صورة انطباعية لا تبدو واقعية بشأن إجراءات الرئيس قيس سعيّد

وقال فيكتور زابو، مدير الاستثمار في شركة أبردن ومقرها لندن، إن “التجاذبات الأخيرة من غير المرجح أن تمنع مجلس إدارة صندوق النقد من الموافقة على التمويل، لأن تونس لا تزال ذات أهمية إستراتيجية للغرب”، وخاصة الاتحاد الأوروبي.

وأكد زابو أن تونس ليس لديها بديل الآن عن برنامج لصندوق النقد. وقال “من دون ذلك لا أعتقد أن البلد يمكن أن يتجنب إعادة الهيكلة الفوضوية. إنهم في وضع اقتصادي صعب للغاية”.

ويتعاون الاتحاد الأوروبي مع تونس في برامج للحد من الهجرة عبر البحر المتوسط. كما أن البنك الدولي يعمل على مساعدة تونس بالتمويلات لتنفيذ برامج تتعلق بسوق العمل ودعم القطاع الخاص، عكس ما روجته بعض وسائل الإعلام مؤخرا.

وكان نائب رئيس البنك الدولي فريد بلحاج قد نفى في حوار مع قناة “فرانس 24” قبل أيام وجود علاقات متوترة بين المؤسسة المالية الدولية المانحة وتونس، على خلفية الاتهامات المزعومة بالعنصرية.

وفي مقابل الحصول على خط ائتمان بقيمة 1.9 مليار دولار، يتعين على الحكومة الالتزام بإصلاحات مؤلمة، بما في ذلك تقليص القطاع العام، أحد أكبر القطاعات في العالم الذي يلتهم حوالي ثلث الميزانية السنوية للدولة.

ويطالب صندوق النقد أيضا بالرفع التدريجي للدعم وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، ما يعني تسريحا جماعيا للعمال وتفاقم البطالة، التي تبلغ بالفعل 15.2 في المئة وفقا لمعهد الإحصاء التونسي، وهي تقريبا المعدل ذاته في العشرية الماضية.

11