المكان حاضر بقوة في أعمال الأردنية ربا أبوشوشة

عمان - تركز أعمال التشكيلية الأردنية ربا أبوشوشة على المكان عبر تناول مشاهد محددة منه، بما يجعل كل لوحة من أعمالها كأنما هي مشهد مجتزأ من مكان واسع، أو مشهد مؤطَّر بحواف النافذة التي ننظر إلى الخارج من خلالها.
وفي هذا المشهد المكاني، تنسج الفنانة المولودة في عمّان عام 1986 تشكيلات لونية للطبيعة وللبيوت وللأرض التي تقف عليها تلك البيوت، وفق فهم فلسفي صوفي يدعو إلى حالة من الصمت وتأمل الطبيعة للوصول إلى التجلي الروحاني والصفاء النفسي.
هذه الروح الصوفية نجدها في غالبية أعمال أبوشوشة، التي تحتفي بالطبيعة والأرض وتركز على عمارة البيوت مستخدمة مواد مختلطة على القماش. وهي تحاول من خلال أعمالها أن تعكس الصلة الروحية بين الأرض والسماء بامتدادات أفقية وعمودية، وأن تخفي في تداخلاتها رموزا لحروف تنسج الارتباط بين ما هو أرضي وما هو علوي. وتقول في ذلك (مثلتُ الحياة الأرضية التي يعيشها الإنسان في عالمنا اليومي، بالخطوط المستقيمة والزوايا التي ترمز إلى القوانين التي تحكم حياة الإنسان والنواميس الحاكمة للكون).
وتعبّر أعمال أبوشوشة عن رؤيتها الخاصة وإحساسها الذاتي خلال رسم المشاهد التي تختارها، حيث تُظهر اللوحات عناية برسم ما يمكن أن يحيل إلى طبقات الأرض العميقة والتي تبدو عبر الخطوط والتعرجات بيوتا تقبع في باطن الأرض، أما فوق سطح الأرض فهناك تخطيطات بسيطة تؤشر على تشكيلات من العمارة أو البيوت التي تمتد لتعانق الأفق.
الفنانة تنظر إلى باطن الأرض وما فوقها نظرة واحدة تجسد فكرة وجودية عميقة تتمثل في تجاور المادة والروح
والمتأمل للوحات الفنانة يجد أنها تنظر إلى باطن الأرض وما فوقها وإلى الفضاء بعامة، نظرة واحدة تجسد فكرة وجودية عميقة تتمثل في تجاور المادة والروح، وترى في كل تلك العناصر الطبيعية حالة واحدة من التجلي الروحاني.
وتعتمد الفنانة في تنفيذ أعمالها على العديد من الوسائط الفنية، وتتنوع ألوانها التي تمثل بشكل عام حالة من الاحتفاء والبهجة والتأمل بعيدا عن الألوان القاتمة أو المعتمة، إلى جانب التركيز على التقاطعات الهندسية المتناغمة والمتسقة تارة، والمتضادة تارة أخرى، مشكّلة حالة بصرية هارمونية تدعو للتفكر والإنصات والتأمل.
ولا تخفي أبوشوشة تأثرها في أعمالها بما درسته في مجال الفنون الإسلامية التقليدية، فالعين ترى الشكل الخارجي للمكان، ثم يحيلها ذلك إلى ما ينطوي عليه الرسم بتلك الطريقة من رمزية أو معنى باطن، وبعد النظر في اللوحة يجد المشاهد نفسه بعيدا عن المعنى الظاهر للشكل وقريبا من المعنى الرمزي الذي يشير إلى أن الطرق التي تنطوي عليها الحياة قد تكون ممتدة ومريحة أحيانا، ومتعرجة ومتشابكة أحيانا أخرى، ولا بدّ للإنسان الذي يريد الوصول من السير على تلك الطرق، مستقيمة كانت أم صعبة ومتعرجة.
وتحيل الخطوط في أعمال أبوشوشة إلى فكرة الحروفية، ونشاهد في لوحاتها أحيانا كلمات مكتوبة بحروف غير واضحة.. وربما تتضمن اللوحة عبارات طُمست بشكل كامل باستخدام ورق الذهب الأصفر، الذي يرمز إلى الحكمة ويعزز معاني الصبر والتحمل.
يُذكر أن ربا أبوشوشة حاصلة على درجة الماجستير في الفن الإسلامي من “جامعة العلوم الإسلامية” بالأردن عام 2013، وهي تمارس التدريس إلى جانب الرسم، وأقامت معرضها الأول تحت عنوان “أفق متألق” (2018)، كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية.

