المقابر الجماعية "أرشيف" تحت الأرض لفظاعات حقبة داعش بالعراق

 داعش خلّف العشرات من المقابر الجماعية في المناطق التي وقعت تحت سيطرته حيث قام بتصفية الآلاف ميدانيا ودفن جثثهم في تلك المقابر.
السبت 2025/05/17
شواهد على حقب مجنونة من العنف وعدم التسامح

بغداد- مازال العراق بعد مضي أكثر من ثماني سنوات على إعلانه النصر العسكري على تنظيم داعش بعيدا عن كشف وحصر جميع الفظاعات والجرائم الدموية التي جرت في حقبة سيطرة التنظيم على مناطق شاسعة بغرب وشمال البلاد بين سنتي 2014 و2017.

وما يزال العثور على مقابر جماعية تحوي رفات العشرات من الأشخاص جلهم مدنيون كانوا قد قتلوا بشكل جماعي في تلك الفترة وتم التخلّص من جثثهم على عجل في قبور ضخمة هي عبارة عن حفر كبيرة في مناطق مفتوحة، يمثّل أرشيفا تحت الأرض يوثّق مدى دموية تلك المرحلة وفظاعة الجرائم التي ارتكبت خلالها أغلبها على يد التنظيم المتشدّد وبعضها على يد ميليشيات منفلتة شاركت في الحرب ضدّ داعش ونفذت بعض المجازر على خلفيات طائفية.

وجعل العراق من الخامس عشر من مايو من كل سنة يوما وطنيا للمقابر الجماعية يتم خلاله استذكار ضحايا سقطوا في حقبة التنظيم وأيضا في مرحلة ما قبل سقوط نظام حزب البعث وفقا للروايات الرسمية للنظام القائم حاليا.

مختار الموسوي: عدد كبير من الضحايا لم تكتشف رفاتهم بعد وقتَلتُهم لم يحاسبوا
مختار الموسوي: عدد كبير من الضحايا لم تكتشف رفاتهم بعد وقتَلتُهم لم يحاسبوا

ولم ينقطع اكتشاف المقابر الجماعية في أنحاء متفرّقة من المناطق العراقية التي مرّ بها تنظيم داعش أو سيطر عليها لفترات زمنية معيّنة، وهي مكتشفات تتم في بعض الأحيان بفعل جهد ممنهج وعمليات بحث مقررة سلفا، وفي أحيان أخرى بمحض الصدفة لدى حفر أسس بعض المنشآت والمشاريع، أو حتى عن طريق عوامل الطبيعة من سيول وغيرها.

وأفاد مصدر أمني عراقي، الجمعة، بفتح مقبرة جماعية في مدينة الصقلاوية شمالي محافظة الأنبار يُعتقد أنها تعود لضحايا مدنيين قتلهم تنظيم داعش خلال فترة سيطرته على المنطقة بين 2014 و2016.

ونقلت وكالة شفق نيوز الإخبارية عن المصدر قوله إنّ الفرق المتخصصة من مؤسسة الشهداء وبالتعاون مع القوات الأمنية باشرت بأعمال الكشف ورفع الرفات مشيرا إلى أن الموقع تم تأمينه تمهيدا لبدء عمليات الفحص الجنائي والتعرف على الضحايا.

وأضاف أن المؤشرات الأولية تفيد بوجود عدد كبير من الجثث في المقبرة معظمهم من الرجال، مشيرا إلى أن الجهات المعنية تعمل على توثيق الأدلة تمهيدا لإجراء مطابقة الحمض النووي.

وخلّف داعش العشرات من المقابر الجماعية في المناطق التي وقعت تحت سيطرته حيث قام بتصفية الآلاف ميدانيا ودفن جثثهم في تلك المقابر.

وجاء في تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” عام 2018 أنّه تمّ توثيق وجود أكثر من مئتي موقع للمقابر الجماعية لضحايا داعش في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين شمالي العاصمة بغداد والأنبار غربها.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد الضحايا في المقابر الجماعية يتراوح بين ستة آلاف واثني عشر ألفا إذ لا تزال السلطات العراقية تستخرج رفات الضحايا تدريجيا.

وتعليقا على موضوع المقابر الجماعية قال النائب بالبرلمان العراقي مختار الموسوي إنّ هناك ثلاث حقائق مهمة تتعلق بهذا الملف.

دجعوات لطي صفحة داعش وجميع الصفحات الدامية في البلد على أسس حقوقية وقانونية عادلة وترسيخ قيم التسامح ونبذ العنف والتشدّد الديني والطائفي

وأوضح أنّ “من الحقائق التي لا يُمكن إنكارها أن عددا كبيرا من تلك المقابر لم يُكتشف حتى الآن كما أن أكثر من ستين إلى سبعين في المئة من المفقودين بعد عام 2014 لا تزال رفاتهم مجهولة المصير”، مبينا أن “قسما كبيرا من المتورطين في هذه الجرائم لم تطلهم يد العدالة، لا سيما أن عددا منهم هرب إلى خارج البلاد”.

ونقلت عنه وكالة بغداد اليوم الإخبارية أن “العراق يُعد من أكثر الدول التي تتصدر المشهد الدولي من حيث عدد المقابر الجماعية والتي توثق قصصا مأساوية لعشرات الآلاف من المدنيين من مختلف المكونات الذين كانوا ضحايا للديكتاتورية والتطرف والإرهاب.” وتابع قوله “من النادر أن تخلو مدينة عراقية من وجود مقبرة جماعية وغالبا ما توثق مشاهد مروّعة لنساء وأطفال ومسنين قُتلوا بطرق بشعة.”

كما أشار إلى “ضرورة أن يكون هذا الملف قيد المتابعة القضائية والأمنية من أجل ملاحقة المتورطين وتقديمهم إلى القضاء،” مؤكدا في الوقت ذاته على “أهمية استمرار الدعم الحكومي لذوي ضحايا المقابر الجماعية، لأنهم فقدوا أحبتهم في جرائم مروعة.”

وترتفع أصوات الحقوقيين ورجال السياسة والقانون العراقيين كل سنة بمناسبة إحياء يوم المقابر الجماعية داعية لاستغلال المناسبة لطي صفحة داعش وجميع الصفحات الدامية في البلد على أسس حقوقية وقانونية عادلة وترسيخ قيم التسامح ونبذ العنف والتشدّد الديني والطائفي الذي يعتبر داعش مظهرا لهما ونتيجة مباشرة للسياسات الخاطئة والظروف التي أوجدتها تلك السياسات من انعدام للتنمية وانتشار للفقر والبطالة بما أوجد خواصر اجتماعية رخوة وحواضن للفكر المتشدّد وتربة خصبة للحقد وعدم التسامح.

3